الفلسفة التجريبية حول التجربة الجمالية

اقرأ في هذا المقال


كيف يمكننا التمييز بين التجربة الجمالية والتجربة الأخلاقية أو الدينية أو العملية؟ وهل هو واضح ومعقول أن نتحدث عن التجربة الجمالية على الإطلاق؟ وإذا كان الأمر كذلك فماذا يعني وجود مثل هذا الحدث أو النشاط أو الفعل لكي يكون جماليًا؟ يُطرح هذا الخط من الأسئلة بشكل أساسي لأنّ بعض الفلاسفة شككوا في تقليد طويل الأمد لأخذ أنّ التجربة الجمالية هي عنصر أساسي، وفي الواقع القاعدة الأساسية والأساس، للتمتع الجمالي والتقييم.

في مقال حديث على سبيل المثال جادل كينجسلي برايس أنّ السؤال ما الذي يجعل التجربة جمالية؟ فلا يسأل ما الذي يجعل الإدراك (أي الحالة الذهنية التي من خلالها ندرك العمل الفني) في تجربة جمالية أن نقول عنها تملك صفة جمالية؟ بل ما الذي يجعل الشيء في التجربة الجمالية شيئًا جماليًا؟

وفي أعماله الأخيرة من خلال فهم الفنون حاول جون هوسبرز أن يُظهر أنّ المفهوم الكامل للتجربة الجمالية مشوش وموحل وربما لا يمكن الدفاع عنه، ولا بد أنّه من الصعب للغاية إن لم يكن من المستحيل، التحدث عن التجربة الجمالية كنوع فريد من التجربة، من حيث أنّها تجربة مميزة عن الخبرة الأخلاقية أو الدينية أو الفكرية أو الجنسية.

الفلسفة الجمالية بين النظريات الخارجية والتجريبية:

لأنّ هناك شيئًا غريبًا في الموقف يجمع بين الخارجية حول التجربة الجمالية والتجريبية حول القيمة الجمالية، فإنّه تحدد النزعة الخارجية السمات التي تحدد الطابع الجمالي في الكائن، بينما تحدد التجريبية السمات التي تحدد القيمة الجمالية في التجربة، في حين قد يعتقد المرء أنّ الميزات التي تحدد الشخصية الجمالية هي فقط الميزات التي تحدد القيمة الجمالية.

إذا كانت كل من الخارجية والتجريبية صحيحة فلا يوجد ما يمنع شيئين لهما شخصيات جمالية مختلفة، بل متفاوتة تمامًا من امتلاك نفس القيمة الجمالية ما لم يكن الأمر كذلك، أي سمات تحديد القيمة للتجربة ملزمة منطقيًا إلى السمات المحددة للشخصية للكائن الذي يمنحه بحيث لا يمكن إلّا لكائن بهذه الميزات أن يوفر تجربة لها تلك القيمة.

لكن في هذه الحالة من الواضح أنّ السمات المحددة للقيمة للتجربة ليست مجرد السمات الظاهراتية التي ربما بدت الأنسب لتحديد قيمة التجربة، بل ربما هي السمات التمثيلية أو المعرفية للتجربة التي لها علاقة فقط لموضوعه.

وهذا ما حث عليه بعض التجريبيين مؤخرًا من حيث أنّ التجربة الجمالية تهدف أولاً إلى الفهم والتقدير مع مراعاة الخصائص الجمالية للشيء، والكائن نفسه ذو قيمة في توفير الخبرة التي يمكن أن تكون فقط تجربة لهذا الكائن، ويكمن جزء من قيمة التجربة الجمالية في تجربة الشيء بالطريقة الصحيحة، وبطريقة تتوافق مع خصائصه غير الجمالية بحيث يتحقق هدف الفهم والتقدير.

لكن هناك صعوبة لم تتم معالجتها في هذا الخط الفكري، ففي حين أنّ السمات التمثيلية أو المعرفية للتجربة الجمالية قد تساهم بشكل معقول في قيمتها، فإنّ مثل هذه الميزات تساهم بشكل غير معقول في قيمة الكائن الذي يوفر مثل هذه التجربة.

وإذا كانت قيمة تجربة القصيدة الجيدة تتكون جزئيًا من كونها تجربة يتم فيها فهم القصيدة بشكل صحيح أو تمثيلها بدقة، فإنّ قيمة القصيدة الجيدة لا يمكن أن تتكون حتى جزئيًا من قدرتها على تحمل التجربة التي يتم فيها فهمها بشكل صحيح أو تمثيلها بدقة، لأنّه مع تساوي كل الأشياء من المفترض أن تمتلك القصيدة السيئة هذه القدرات على قدم المساواة.

من الصحيح بالطبع أنّ القصيدة الجيدة هي التي تكافئ فهمها، ولكن من الواضح أنّ قدرة القصيدة الجيدة على مكافأة الفهم يمكن تفسيرها من خلال كونها جيدة بالفعل، بحيث من الواضح أنّه بفضل كونها جيدة بالفعل تكافئنا القصيدة بشرط أن نفهمها.

فلسفة الطابع الجمالي في الفلسفة التجريبية:

اتخذ التجريبيون الآخرون مسارًا مختلفًا، فبدلاً من محاولة عزل السمات العامة للتجربة الجمالية التي تعتبرها وأغراضها ذات قيمة، فهم ببساطة يلاحظون استحالة قول الكثير عن قيمة التجربة الجمالية في أي حالة معينة دون قول الكثير أيضًا عن الطابع الجمالي للكائن.

لذلك على سبيل المثال بالإشارة إلى قيم التجارب التي توفرها الأعمال الفنية يؤكد جيرولد ليفينسون أنّه تم فحص السلع عن كثب فإنّه سيرى أنّ وصفها الأكثر ملاءمة يكشف عنها على الدوام لتشمل بشكل لا ينفصم الأعمال الفنية التي توفره، وبالمثل فإنّ التوسع المعرفي الذي قدمته لنا الرباعية الوترية الرابعة لبارتوك ليس تأثيرًا عامًا من هذا النوع بقدر ما هو حالة معينة من التحفيز، والتي لا يمكن فصلها عن المنعطفات والالتواءات الخاصة لمقال بارتوك المصمم بعناية.

ويضيف جيرولد ليفينسون أنّه حتى المتعة التي نتمتع بها في سيمفوني رقم التاسعة والعشرون أليجرو لموزارت، هو كما كان في الحقيقة متعة اكتشاف الطبيعة الفردية وإمكانيات مادتها الموضوعية، والطريقة الدقيقة التي ينبثق بها طابعها الجمالي من دعائمها الموسيقية، وهناك شعور بأنّ متعة التاسع والعشرين لا يمكن أن تتحقق إلّا من هذا العمل.

ليس هناك من ينكر أنّه عندما نحاول وصف بأي تفصيلة في قيم التجارب التي توفرها أعمال معينة، فإنّه نجد أنفسنا بسرعة نصف الأعمال نفسها، ولكن السؤال هو ماذا نفعل بهذه الحقيقة، إذا كان المرء ملتزمًا مسبقًا بالتجريبية؟ فقد يبدو ذلك مظهرًا من مظاهر الارتباط الحميم المناسب بين الطابع الجمالي للعمل وقيمة التجربة التي يوفرها العمل.

ولكن إذا لم يلتزم المرء بذلك فقد يبدو أنّه يُظهر شيئًا آخر، وإذا قام عند محاولة حساب القيمة الجمالية من الرباعية الوترية الرابعة لبارتوك من حيث قيمة التجربة التي توفرها، يجد المرء نفسه غير قادر على قول الكثير عن قيمة تلك التجربة دون أن يقول شيئًا عن المنعطفات والتقلبات الخاصة للرباعية، وقد يكون هذا لأنّ القيمة تكمن في تلك التقلبات والانعطافات وليس في تجربتها.

إنّ تأكيد مثل هذا الاحتمال بالطبع لا يعني إنكار أنّ القيمة التي تتمتع بها الرباعية بفضل تقلباتها الخاصة في المنعطفات هي قيمة نختبرها على أنّها لها، بل هو بالأحرى الإصرار على التمييز الحاد بين قيمة التجربة ووحدة التجربة القيمة وانسجامها، على نحو يشبه الطريقة التي أصرّ فيها الفيلسوف جورج ديكي على التمييز الحاد بين وحدة التجربة وتجربة الوحدة.

وعندما يؤكد التجريبي أنّ هذه قيمة الرباعية الوترية الرابعة لبارتوك مع التقلبات والمنعطفات الخاصة بها، بحيث تتمثل في قيمة التجربة التي تقدمها، أي تجربة ذات قيمة على الأقل جزئيًا، لأنّها تجربة لرباعية مع هذه التقلبات والمنعطفات، وقد يتساءل المرء عما إذا كانت قيمة تنتمي في الأصل إلى الرباعية قد تم نقلها إلى التجربة قبل أن تنعكس مرة أخرى على الرباعية.


شارك المقالة: