فلسفة ولاهوت توما الأكويني

اقرأ في هذا المقال


القديس توماس أو الإيطالي سان توماسو أكوينو، والملقب أيضًا باسم أكينو، وهو عالم اللاهوت الإيطالي الدومينيكي، أو الفيلسوف القديس توما الأكويني، وأهم معلم في العصور الوسطى، فلقد طوّر استنتاجاته الخاصة من المقدمات الأرسطية، لا سيما في ميتافيزيقيا الشخصية والخلق والعناية الإلهية.

وكعالم لاهوت كان مسؤولاً عن العمل الاهوتي والفلسفي المميز الخلاصة اللاهوتية والخلاصة ضد غير اليهود (Summa theologiae and the Summa)، وذلك من أجل التنظيم الكلاسيكي لللاهوت اللاتيني.

كما أنّه كشاعر كتب بعضًا من أجمل الترانيم الإفخارستية في ليتورجيا الكنيسة، ويُعرف نظامه العقائدي والتفسيرات والتطورات التي قدمها أتباعه باسم تومزوم (Thomism)، وهو النظام الشامل للفلسفة واللاهوت الذي طوره توما في القرن الثالث عشر، ومنذ ذلك الحين يُدرس ويحافظ عليه أتباعه ولا سيما في النظام الدومينيكي.

الإكويني هل هو فيلسوفًا أم لاهوتيًا؟

كثير من الفلاسفة المعاصرين غير متأكدين من كيفية قراءة توماس، حيث كان في مهنته الابتدائية والرسمية هي عالم لاهوت، ومع ذلك نجد من بين أعماله الكتابية أنّ أي شخص سيعترف بأنّها فلسفية، وأنّ التعليقات الاثني عشر على أرسطو تتمتع بشكل متزايد باحترام واهتمام علماء أرسطو، وحتى داخل الأعمال اللاهوتية على هذا النحو فهناك مناقشات موسعة يمكن قراءتها بسهولة على أنّها تمتلك طابعًا فلسفيًا.

وعلى الرغم من أنّ العديد من اللاهوتيين الرومان الكاثوليك المعاصرين لا يجدون القديس توماس مناسبًا تمامًا، إلّا أنّه مع ذلك تعترف الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بأنّه فيلسوفها الغربي ولاهوتيها الأول، لذلك غالبًا ما يستشهد الفلاسفة بعمله الأكثر شهرة في الخلاصة اللاهوتية، وذلك عندما يتم البحث عن موقف توماس بشأن هذه المسألة أو تلك، وكيف يمكن لعمل لاهوتي أن يقدم نواة للمطاحن والمعامل الفلسفية؟ وهنا لا بد من التمييز بين الفلسفة واللاهوت من وجهة نظر توما.

الاختلاف بين الفلسفة واللاهوت في فكر الإكويني:

لا بد من أنّه أحيانًا يضع توماس الاختلاف على هذا النحو بأنّ ينظر المؤمن والفيلسوف إلى المخلوقات بشكل مختلف، ويعتبر الفيلسوف ما ينتمي إلى طبيعتها الصحيحة، بينما يرى المؤمن فقط ما هو صحيح في المخلوقات من حيث علاقتها بالله، على سبيل المثال أنّها خلقها الله وخاضعة له ونحو ذلك، وبما أنّ الفيلسوف أيضًا وفقًا لتوماس يعتبر الأشياء من حيث صلتها بالله، فإنّ هذا المعنى لا يضع الفرق في ضوء رسمي.

يوجد الاختلاف الشكلي الأول والرئيسي بين الفلسفة واللاهوت في مبادئهما أي في نقاط البداية، حيث أنّ افتراضات الفيلسوف التي تعود إليها نقاشاته وحججه في النهاية هي في المجال العام كما كانت، وأنّها أشياء يمكن للجميع من حيث المبدأ معرفتها عند التفكير، فهي حيث يجب أن ينتهي الخلاف بيننا.

وهذه المبادئ ليست في حد ذاتها نتاج إثبات استنتاجي، وهذا لا يعني بالطبع أنّها محصنة ضد التحليل العقلاني والتحقيق، وبالتالي يقال إنّها معروفة من تلقاء نفسها في حد ذاتها مقابل أمور أخرى، وهذا صحيح نسبيًا في كل من العلوم حيث توجد المبادئ الأكثر شيوعًا، وكما تعمل المبادئ المناسبة أو نقاط البداية لعلم معين على المستوى الإقليمي كما تفعل المبادئ المشتركة عبر حقل من حقول المعرفة الكاملة للفكر والوجود.

وحقيقة أنّها معروفة في حد ذاتها لا تعني أنّه من السهل معرفتها لأي شخص يعتبرها، فقد يكون قدرًا كبيرًا من الخبرة في العالم والاستفسار ناهيك عن الذكاء الأصلي، والقدرة على تجنب الإلهاء الفكري مطلوبًا لأي شخص على وجه الخصوص لفهم حقيقته بالفعل.

على النقيض من ذلك فإنّ خطاب اللاهوتي يعود في النهاية إلى نقاط البداية أو المبادئ التي يُعتقد أنّها صحيحة على أساس الإيمان، أي الحقائق التي ينقلها الوحي رسميًا كما أعلنها الله، وبعض المؤمنين يتأملون في هذه الحقائق ويرون حقائق أخرى تتضمنها، ويوضحون علاقاتهم المتبادلة ويدافعون عنها ضد اتهامهم بأنّهم هراء.

كما يبدو الخطاب والبحث اللاهوتيان مثل أي خطاب آخر، ولا داعي للقول أنّه تحكمهما المبادئ المشتركة للفكر والوجود، ولكنها تتميز رسميًا بحقيقة أنّ حججها وتحليلاتها تؤخذ على أنّها تحمل الحقيقة فقط لمن يقبل الوحي الكتابي على أنّه حقيقي.

يوفر هذا اختبارًا رسميًا لتقرير ما إذا كان الخطاب فلسفيًا أم لاهوتيًا، وإذا كان يعتمد فقط على الحقائق ويمكن توقع أي شخص على تفكير كافٍ لمعرفته عن العالم، وإذا كان يعرض أن يقود إلى حقائق جديدة على أساس هذه الحقائق، وعلى هذا الأساس فقط فهو إذن خطاب فلسفي.

ومن ناحية أخرى فإنّ الخطاب الذي يعد ليس رسميًا بل موضوعيًا، والذي يعتمد منطقه على قبولنا على أنّها مزاعم حقيقية مثل أنّ هناك ثلاثة أشخاص في طبيعة إلهية واحدة، وأنّ يسوع هو شخص واحد لكن طبيعتان واحدة بشرية وأخرى إلهية وما شابه ذلك، هما الخطاب اللاهوتي، أي مناشدة لمصدر كتابي موثوق باعتباره الرابط الضروري في حجة ما هو بالتالي غير الخطاب الفلسفي.

فهذا هو الاختلاف الأساسي الذي يدركه توماس بين الفلسفة واللاهوت، ولا بد من التفكير في توضيح يلخص فيه توماس موقفه، حيث إنّه يواجه اعتراضًا على وجود أي حاجة للخطاب اللاهوتي، وكل ما يمكن أن يكون موضوع التحقيق سيؤهل ككائن من نوع أو آخر، ولكن يبدو أنّ الأنظمة الفلسفية تغطي كل نوع من الكائنات، بل يوجد بالفعل جزء منها يسميه أرسطو علم اللاهوت، فإذن ما هي الحاجة لخطاب يتجاوز الخطاب الفلسفي؟

فقد بيّن توماس بأنّه تجدر الإشارة إلى أنّ طرق المعرفة المختلفة تعطي المرء علومًا مختلفة، حيث يُستنتج أنّ كل من الفلكي والفيلسوف الطبيعي أنّ الأرض كروية، ولكن الفلكي يفعل ذلك من خلال وسط رياضي مستخرج من المادة، بينما يعتبر الفيلسوف الطبيعي وسطًا مستقرًا في المادة، ولا يوجد ما يمنع علمًا آخر من أن يعالج في ضوء الوحي الإلهي ما تتعامل معه التخصصات الفلسفية على أنّه يمكن معرفته في ضوء العقل البشري.

إنّ الشيء الذي تم الكشف عنه في الواقع يخضع للتحليل الفلسفي، وإذا لم يكن الإيمان الديني ضروريًا لمعرفته وقبوله على أنّه حقيقي، ولذلك قد يحدث أنّه فيما يتعلق بموضوعات معينة مثل طبيعة الله وطبيعة الإنسان وما هو ضروري للإنسان ليكون صالحًا ويحقق مصيره وما إلى ذلك، ويمكن أن يكون هناك كلاهما مناقشة لاهوتية وفلسفية لهذه الموضوعات، مما يوفر مشاركة مثمرة بين اللاهوت والفلسفي. ولهذا السبب غالبًا ما تكون أعمال توماس اللاهوتية نماذج لهذا الارتباط بين التفكير اللاهوتي والفلسفي، وتوفر بعضًا من أفضل انعكاساته الفلسفية.


شارك المقالة: