ما هي طبيعة الفلسفة التحليلية - الفلسفة اللغوية

اقرأ في هذا المقال


الفلسفة التحليلية:

الفلسفة التحليلية وتسمى أيضًا الفلسفة اللغوية، وهي مجموعة من المناهج غير المترابطة لحل المشكلات الفلسفية، وهي السائدة في الفلسفة الأنجلو أمريكية من أوائل القرن العشرين، والتي تؤكد على دراسة اللغة والتحليل المنطقي للمفاهيم، على الرغم من أنّ معظم العمل في الفلسفة التحليلية قد تم في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة إلّا أنّه قد تم تقديم مساهمات كبيرة أيضًا في بلدان أخرى لا سيما في أستراليا ونيوزيلندا والدول الاسكندنافية.

طبيعة الفلسفة التحليلية:

يجري الفلاسفة التحليليون تحقيقات مفاهيمية تتضمن بشكل مميز وإن لم يكن دائمًا دراسات للغة التي يتم بها التعبير عن المفاهيم المعنية أو يمكن التعبير عنها، ووفقًا لتقليد واحد في الفلسفة التحليلية (يشار إليه أحيانًا باسم الشكلية)، فعلى سبيل المثال يمكن تحديد تعريف المفهوم من خلال الكشف عن الهياكل المنطقية الأساسية أو “الأشكال المنطقية” للجمل المستخدمة للتعبير عنه، إنّ تمثيلًا واضحًا لهذه البنى بلغة المنطق الرمزي الحديث كما اعتقد المشكلون من شأنه أن يوضح الاستنتاجات المنطقية المسموح بها من وإلى هذه الجمل، وبالتالي يحدد الحدود المنطقية للمفهوم قيد الدراسة.

وتحول تقليد آخر يُشار إليه أحيانًا باسم اللارسمية بالمثل إلى الجمل التي تم التعبير عن المفهوم فيها، ولكنّه بدلاً من ذلك أكد على استخداماتها المتنوعة في اللغة العادية والمواقف اليومية، والفكرة هي توضيح المفهوم من خلال ملاحظة كيفية انعكاس ميزاته المختلفة في كيفية الناس في الواقع يتحدثون ويتصرفون.

حتى بين الفلاسفة التحليليين الذين لم تكن مناهجهم في الأساس شكلية أو غير رسمية، غالبًا ما كان يُنظر إلى المشكلات الفلسفية على أنّها مشاكل تتعلق بطبيعة اللغة، وعلى سبيل المثال كان هناك نقاش مؤثر في الأخلاق التحليلية يتعلق بمسألة ما إذا كانت الجمل التي تعبر عن أحكام أخلاقية (على سبيل المثال “من الخطأ أن تكذب”) هي أوصاف لبعض سمات العالم.
وفي هذه الحالة يمكن أن تكون الجمل صحيحة أو كاذبة أو مجرد تعبيرات عن مشاعر الشخص – ويمكن مقارنتها بصيحات وعبارات تشجيعية من مثل “برافو!” أو “أحسنت!” – وفي هذه الحالة ليس لديهم قيمة حقيقية على الإطلاق. وفي هذا الجدل تم التعامل مع المشكلة الفلسفية لطبيعة الصواب والخطأ كمشكلة حول الوضع المنطقي أو النحوي للبيانات الأخلاقية.

التقليد التجريبي للفلسفة التحليلية:

من حيث الروح والأسلوب والتركيز تمتلك الفلسفة التحليلية روابط قوية بتقليد التجريبية التي ميزت الفلسفة في بريطانيا لعدة قرون، وميزتها عن عقلانية الفلسفة الأوروبية القارية، وفي الواقع عادة ما يرجع تاريخ بداية الفلسفة التحليلية الحديثة إلى الوقت الذي كان فيه اثنان من شخصياتها الرئيسية هما Bertrand Russell برتراند راسل (1872-1970) وG.E. Moore مور (1873-1958)، اللذان تمردا على المثالية المضادة للتضخم التي استحوذت مؤقتًا على المشهد الفلسفي الإنجليزي.

يشترك أشهر التجريبيين البريطانيين – جون لوك وجورج بيركلي وديفيد هيوم وجون ستيوارت ميل – في العديد من الاهتمامات والأساليب المشتركة مع الفلاسفة التحليليين المعاصرين، وعلى الرغم من أنّ الفلاسفة التحليليين قد هاجموا بعض المذاهب الخاصة للتجريبيين إلّا أنّ المرء يشعر أنّ هذه نتيجة مصلحة مشتركة في مشاكل معينة أكثر من نتيجة أي اختلاف في النظرة الفلسفية العامة.

على الرغم من اعتراف معظم التجريبيين بأنّ الحواس تفشل في إنتاج اليقين المطلوب للمعرفة، إلّا أنّهم يعتقدون مع ذلك أنّه لا يمكن اكتساب المعتقدات المبررة عن العالم إلّا من خلال الملاحظة والتجريب، وبعبارة أخرى لا يمكن للمنطق المسبق من المقدمات الواضحة تكشف كيف العالم.

ووفقًا لذلك يصر العديد من التجريبيين على ثنائية حادة بين العلوم الفيزيائية والتي يجب أن تتحقق في النهاية من نظرياتهم من خلال الملاحظة والعلوم الاستنتاجية أو المسبقة وعلى سبيل المثال الرياضيات والمنطق، والتي تتمثل طريقتها في استنتاج النظريات من البديهيات.

ولا يمكن للعلوم الاستنتاجية من وجهة نظر التجريبيين أن تنتج معتقدات مبررة ناهيك عن المعرفة حول العالم، حيث كان هذا الاستنتاج حجر الزاوية لحركتين مهمتين مبكرتين في الفلسفة التحليلية وهما الذرية المنطقية والوضعية المنطقية، فمن وجهة نظر الوضعيين على سبيل المثال لا تمثل نظريات الرياضيات معرفة حقيقية لعالم من الأشياء الرياضية ولكنها بدلاً من ذلك هي مجرد نتيجة للعمل على عواقب الأعراف التي تحكم استخدام الرموز الرياضية.

ثم يبرز السؤال ما إذا كانت الفلسفة نفسها يجب استيعابها في العلوم التجريبية أو العلوم المسبقة، والذي استوعبه التجريبيون الأوائل في العلوم التجريبية، وعلاوة على ذلك كانوا أقل تأملًا ذاتيًا حول أساليب الفلسفة من الفلاسفة التحليليين المعاصرين.

انشغل التجريبيون الأوائل بنظرية المعرفة وفلسفة العقل، وتمسكهم بإمكانية تعلم الحقائق الأساسية حول هذه الموضوعات من خلال التأمل الفردي الذاتي، وقد أخذ التجريبيون الأوائل عملهم على أنّه نوع من علم النفس الاستبطاني.

من ناحية أخرى كان الفلاسفة التحليليون في القرن العشرين أقل ميلًا إلى مناشدة الاستبطان المباشر في نهاية المطاف، والأهم من ذلك أنّ تطوير المنطق الرمزي الحديث يبدو أنّه يعد بالمساعدة في حل المشكلات الفلسفية والمنطق بداهة كما يمكن أن يكون العلم، ويبدو إذن أنّ الفلسفة يجب تصنيفها بالرياضيات والمنطق، ومع ذلك ظلت الطبيعة الدقيقة والمنهجية الصحيحة للفلسفة محل نزاع.

دور المنطق الرمزي في الفلسفة التحليلية:

بالنسبة للفلاسفة الموجهين نحو الشكلية كان ظهور المنطق الرمزي الحديث في أواخر القرن التاسع عشر نقطة تحول في تاريخ الفلسفة، لأنّه أضاف بشكل كبير إلى فئة البيانات والاستنتاجات التي يمكن تمثيلها في اللغات الرسمية (أي البديهية).

قدم التمثيل الرسمي لهذه البيانات نظرة ثاقبة للهياكل المنطقية الكامنة وراءها، وفي الوقت نفسه ساعدت في تبديد بعض الألغاز الفلسفية التي تم إنشاؤها، ومن وجهة نظر الشكليات ومن خلال ميل الفلاسفة الأوائل إلى الخلط بين الشكل النحوي السطحي والشكل المنطقي.

بسبب تشابه الجمل مثل “Tigers bite” و “Tigers are” على سبيل المثال قد يبدو فعل الوجود وكأنه يعمل، كما تفعل الأفعال الأخرى لإسناد شيء من الموضوع، وقد يبدو إذن أنّ الوجود هو خاصية للنمور تمامًا مثل عضها، لكن في المنطق الرمزي الوجود ليس خاصية بل إنّها وظيفة ذات رتبة أعلى تأخذ ما يسمى بـ “الوظائف المقترحة” كقيم.

وهكذا عندما يتم كتابة الوظيفة المقترحة “Tx” – التي يرمز T فيها إلى المسند “… هو نمر” و x متغير قابل للاستبدال باسم – بجانب رمز يُعرف بإسم المحدد الكمي الوجودي – —x، مما يعني “هناك موجود على الأقل x واحد مثل … “- النتيجة هي جملة تعني” يوجد على الأقل x واحد مثل أن x هو نمر”.

كان لحقيقة أنّ الوجود ليس خاصية في المنطق الرمزي نتائج فلسفية مهمة وكان أحدها إظهار أنّ الحجة الأنطولوجية لوجود الله، والتي حيّرت الفلاسفة منذ اختراعها في القرن الحادي عشر بواسطة القديس أنسيلم كانتربري غير سليمة.

من بين شخصيات القرن التاسع عشر التي ساهمت في تطوير المنطق الرمزي عالم الرياضيات جورج بول (1815-1864) مخترع الجبر البولي، وجورج كانتور (1845-1918) مبتكر نظرية المجموعات، والمؤسس المعترف به عمومًا للمنطق الرمزي الحديث هو جوتلوب فريجه (1848-1925) من جامعة جينا في ألمانيا.

كما يعد فريج Frege الذي لم يتم تقدير عمله بالكامل حتى منتصف القرن العشرين مهمًا تاريخيًا بشكل أساسي لتأثيره على راسل الذي تمت محاولة برنامجه المنطقي (العقيدة القائلة بأنّ الرياضيات بأكملها يمكن اشتقاقها من مبادئ المنطق) بشكل مستقل بقلم فريج قبل حوالي 25 عامًا من نشر الأعمال المنطقية الرئيسية لراسل مبادئ الرياضيات (1903)، ومبادئ الرياضيات (1910-13، التي كتبت بالتعاون مع زميل راسل في جامعة كامبريدج ألفريد نورث وايتهيد).


شارك المقالة: