الفيلسوفة سيمون دو بوفوار

اقرأ في هذا المقال


ولدت سيمون دو بوفوار في باريس لأبوين جورج برتران دي بوفوار وفرانسواز براسور، حيث كان والدها جورج الذي كانت عائلته لديها بعض الادعاءات الأرستقراطية يرغب ذات مرة في أن يصبح ممثلاً ولكنه درس القانون وعمل موظفًا مدنيًا، واكتفى بدلاً من ذلك بمهنة السكرتير القانوني، وعلى الرغم من حبه للمسرح والأدب وكذلك إلحاده إلّا أنّه ظل رجلاً محافظًا بشدة جذبه ميوله الأرستقراطية إلى أقصى اليمين.

السيرة الشخصية:

في كانون الأول من عام 1906 تزوج من فرانسواز براسور التي قدمت عائلتها البرجوازية الثرية مهرًا كبيرًا وفُقد في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وقد كانت فرانسواز محرجة قليلاً وعديمة الخبرة اجتماعياً، وكانت امرأة شديدة التدين كرست نفسها لتربية أطفالها على العقيدة الكاثوليكية، كما أصبح توجهها الديني البرجوازي مصدر نزاع خطير بينها وبين ابنتها الكبرى سيمون.

وُلدت سيمون إرنستين لوسي ماري برتراند دو بوفوار في صباح يوم 9 كانون الثاني 1908، وكانت طفلة مبكرة النضج وفضولية فكريًا منذ البداية، وولدت شقيقتها هيلين (الملقبة ببوبيت) بعد ذلك بعامين في عام 1910، وعلى الفور أخذت بوفوار تعليمًا مكثفًا لأختها الصغيرة عندما كانت طالبة.

بالإضافة إلى مبادرتها المستقلة الخاصة فهي تغذي الحماس الفكري لبوفوار أيضًا من قبل والدها الذي زودها بمختارات تم تعديلها بعناية من الأعمال الأدبية العظيمة وشجعها على القراءة والكتابة منذ سن مبكرة، واستمر اهتمامه بتطورها الفكري حتى سن المراهقة عندما جاء حاملها المهني المستقبلي الذي استلزمه فقدان مهرها والذي يرمز إلى فشله.

وإدراكًا من والدها أنّه لم يكن قادرًا على توفير مهر لابنتيه فإنّ علاقة جورج بأكبره البكر فكريًا أصبحت متضاربة بسبب الكبرياء وخيبة الأمل في آفاقها، وعلى العكس من ذلك أرادت بوفوار دائمًا أن تكون كاتبة ومعلمة وليس أمًا وزوجة وتواصل دراستها بنشاط.

تعليم بوفوار:

بدأت بوفوار تعليمها في المدرسة الكاثوليكية الخاصة للبنات في معهد أديلين ديزاير حيث بقيت حتى سن 17 عامًا، وهنا التقت إليزابيث مابيل (ظاظا) التي كانت تربطها صداقة حميمة وعميقة حتى وفاة ظاظا المفاجئة في عام 1929، وعلى الرغم من أنّ الطبيب ألقى باللوم في وفاة ظاظا على التهاب السحايا إلّا أنّ بوفوار اعتقدت أنّ صديقتها الحبيبة ماتت بسبب قلب مكسور في خضم صراع مع عائلتها على زواج مرتب، وكانت صداقة ظاظا وموتها تطارد بوفوار لبقية حياتها وكثيراً ما تحدثت عن التأثير الشديد الذي أحدثته على حياتها وانتقادها لصلابة المواقف البرجوازية تجاه النساء.

كانت بوفوار طفلة شديدة التدين نتيجة لتعليمها وتدريب والدتها، ومع ذلك في سن الرابعة عشرة كانت تعاني من أزمة إيمان وقررت بشكل قاطع أنّه لا يوجد إله وظلت ملحدة حتى وفاتها، كما تبع رفضها للدين قرارها بمتابعة الفلسفة وتدريسها، ومرة واحدة فقط فكرت في الزواج من ابن عمها جاك شامبينول ولم تستمتع أبدًا بإمكانية الزواج مرة أخرى وبدلاً من ذلك فضلت أن تعيش حياة المثقف.

اجتازت بوفوار امتحانات البكالوريا في الرياضيات والفلسفة عام 1925، ثم درست الرياضيات في المعهد الكاثوليكي والأدب واللغات في معهد سانت ماري واجتازت امتحانات عام 1926 لشهادات الدراسات العليا في الأدب الفرنسي واللاتيني، وقبل أن تبدأ دراستها حصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة في عام 1927.

أثناء دراسته للفلسفة في جامعة السوربون اجتازت بوفوار امتحانات لشهادات في تاريخ الفلسفة والفلسفة العامة واليونانية والمنطق في عام 1927، وفي عام 1928 في الأخلاق وعلم الاجتماع وعلم النفس، كما كتبت دبلوم الدراسات العليا في لايبنيز عن ليون برونشفيج (Leibniz for Léon Brunschvig) وأكملت التدريس التدريبي في مدرسة مدرسة جانسون دي سيللي الثانوية مع زملائها الطلاب ميرلو بونتي وكلود ليفي شتراوس حيث ظلت مع كلاهما في حوار فلسفي.

في عام 1929 احتلت المركز الثاني في امتحان الزراعة الفلسفي شديد التنافس متغلبة على بول نيزان وجان هيبوليت وبالكاد خسرت أمام جان بول سارتر الذي حصل على المركز الأول (كانت محاولته الثانية في الامتحان)، وعلى عكس بوفوار كان الرجال الثلاثة قد حضروا أفضل فصول تحضيرية (خاجني) للماجستير وكانوا طلابًا رسميين في المدرسة العليا نورمال.

وعلى الرغم من أنّها لم تكن طالبة رسمية إلّا أنّ بوفوار حضرت محاضرات وجلست من أجل تجميع (agrégation) في مدرسة نورمال (وهي مسابقة حملت عنوان agrégation)، وفي سن الواحد والعشرون كانت بوفوار أصغر طالب على الإطلاق ينجح في الفلسفة وبالتالي أصبحت أصغر مدرس فلسفة في فرنسا.

لقاء بوفوار بسارتر:

التقت بوفوار بالفيلسوف سارتر خلال فترة دراستها في المدرسة نورمال، حيث اشتهر سارتر ودائرة أصدقائه المغلقة (بما في ذلك رينيه ميهو  الذي أطلق عليها لقب كاستور مدى الحياة وبول نيزان) نخبوية في المدرسة نورمال، وكانت بوفوار تتوق إلى أن تكون جزءًا من هذه الدائرة الفكرية وبعد نجاحها في الامتحانات التحريرية للماجستير في عام 1929 طلب سارتر أن يتعرف عليها، وهكذا انضمت بوفوار إلى سارتر ورفاقه في جلسات دراسية للتحضير لمكون الامتحان الشفوي العام المرهق في (agrégation).

لأول مرة وجدت في سارتر عقلًا جديرًا (وكما أكدت متفوقًا في بعض النواحي) على عقلها، وهو توصيف أدى إلى العديد من الافتراضات التي لا أساس لها بشأن افتقار بوفوار إلى الأصالة الفلسفية، ولبقية حياتهم كان عليهم أن يظلوا عاشقين أساسيين، بينما يسمحون بشؤون الحب العرضية كلما رغب كل منهم، وعلى الرغم من عدم الزواج مطلقًا (على الرغم من اقتراح سارتر في عام 1931) أو إنجاب الأطفال معًا أو حتى العيش في نفس المنزل فقد ظل سارتر وبوفوار شريكين فكريين ورومانسيين حتى وفاة سارتر في عام 1980.

كان الترتيب الليبرالي الحميم بينها وبين سارتر تقدميًا للغاية في ذلك الوقت، وغالبًا ما شوه بشكل غير عادل سمعة وذلك باعتبار بوفوار امرأة مثقفة مساوية لنظرائها من الذكور، وإضافة إلى وضعها الفريد مع سارتر كانت بوفوار علاقات حميمة مع كل من النساء والرجال، وتضمنت بعض علاقاتها الأكثر شهرة الصحفي جاك بوست والمؤلف الأمريكي نيلسون ألغرين وكلود لانزمان صانع الفيلم الوثائقي للهولوكوست فيلم المحرقة.

وظيفة بوفوار:

في عام 1931 تم تعيين بوفوار للتدريس في مدرسة ثانوية في مرسيليا، في حين أنّ تعيين سارتر جعله في لوهافر، وفي عام 1932 انتقلت بوفوار إلى مدرسة ليسيه جين دارك في روان حيث درست الأدب المتقدم والفلسفة، وفي روان تم توبيخها رسميًا بسبب انتقاداتها الصريحة لوضع المرأة وسلامتها، وفي عام 1940 احتل النازيون باريس، وفي عام 1941 طردت الحكومة النازية بوفوار من منصبها التعليمي، وكنتيجة لتأثيرات الحرب العالمية الثانية على أوروبا بدأت بوفوار في استكشاف مشكلة الانخراط الاجتماعي والسياسي للمثقف في وقته.


شارك المقالة: