الفيلسوف أناكسيمين

اقرأ في هذا المقال


وفقًا للمصادر الباقية عن حياته فقد ازدهر أناكسيمين في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، والذي توفي حوالي عام 528، وهو الفيلسوف الثالث لمدرسة ميليسيان للفلسفة التي سميت بهذا الاسم لأنّه مثل طاليس وأناكسيماندر فقد كان أناكسيمين من سكان ميليتس في إيونيا (اليونان القديمة)، ويلاحظ ثيوفراستوس أنّ أناكسيمين كان شريكًا وربما طالبًا في أناكسيماندر، كما يشتهر أناكسيمين بمذهبه القائل بأنّ الهواء هو مصدر كل الأشياء، وبهذه الطريقة اختلف مع أسلافه مثل طاليس الذي اعتبر أنّ الماء هو مصدر كل الأشياء، وأناكسيماندر الذي اعتقد أنّ كل الأشياء جاءت من مادة غير محددة لا حدود لها.

حياة أناكسيمين:

لم يُعرف أي شيء عن حياته في أناكسيمين بخلاف أنه كان ابن يورستراتوس من ميليتس، وكان تلميذًا أو رفيقًا لأناكسيماندر، ويقول البعض إنّه كان أيضًا تلميذًا لبارمينيدس من إيليا، على الرغم من أنّ هذا يبدو غير مرجح، ولقد عاش جزءًا من حياته على الأقل تحت الحكم الفارسي ولذا ربما يكون قد شهد التمرد الأيوني ضد الاحتلال اليوناني، وهناك بعض الأدلة من الرسائل على أنّه كان على اتصال بفيثاغورس على الرغم من أنّ أي تأثير على التطور الفلسفي لفيثاغورس ربما كان طفيفًا (بخلاف الرغبة في شرح العالم بمصطلحات غير أسطورية).

ويعد أناكسيمين الذي ولد حوالي عام 585 قبل الميلاد قد كان فيلسوفًا ما قبل سقراط مبكرًا من مدينة ميليتوس اليونانية في إيونيا (تركيا الحديثة)، ولقد كان شخصية رئيسية في مدرسة ميليسيان، وصديقًا وتلميذًا في أناكسيماندر وتابع تحقيقات ميليسيان الفلسفية في (archê) أو المبدأ الأول للكون (الذي اعتبره أناكسيمين أنّه هواء) وسعى لإعطاء شبه التفسير العلمي للعالم، وفي العلوم الفيزيائية كان أناكسيمين أول يوناني يميّز بوضوح بين الكواكب والنجوم، واستخدم مبادئه لتفسير الظواهر الطبيعية المختلفة مثل الرعد والبرق وأقواس قزح والزلازل وما إلى ذلك.

عقيدة أناكسيمين عن الهواء:

يبدو أنّ أناكسيمين يعتقد أنّ كل شيء كان هواءً في وقت من الأوقات، ويمكن اعتبار الهواء نوعًا من الأشياء المحايدة الموجودة في كل مكان، وهي متاحة للمشاركة في العمليات الفيزيائية، كما تعمل القوى الطبيعية باستمرار على الهواء وتحولها إلى مواد أخرى والتي اجتمعت معًا لتشكل العالم المنظم، وفي الأدب اليوناني المبكر كان الهواء مرتبطًا بالروح (نفس الحياة) وربما يعتقد أناكسيمين أنّ الهواء قادر على توجيه تطوره حيث تتحكم الروح في الجسد.

عقيدة أناكسيمين عن التغيير:

نظرًا لعقيدته القائلة بأنّ كل الأشياء تتكون من الهواء فقد اقترح أناكسيمين حسابًا نوعيًا مثيرًا للاهتمام للتغير الطبيعي، حيث يختلف الهواء في جوهره وفقًا لندرته أو كثافته، وعندما تضعف تتحول إلى نار وعندما تتكثف تتحول إلى ريح ثم غيمة وعندما تكثف أكثر تصبح ماءً ثم ترابًا ثم حجارة، وكل شيء آخر يأتي من هؤلاء.

باستخدام عمليتين متناقضتين من الخلخلة والتكثيف يشرح أناكسيمين كيف أنّ الهواء جزء من سلسلة من التغييرات، بحيث تتحول النار إلى هواء ومن هواء إلى ريح ومن ريح إلى غيمة ومن سحابة إلى ماء ومن ماء إلى أرض ومن أرض إلى حجر، ويمكن للمادة أن تسير في هذا المسار من خلال تكثيفها أو المسار العكسي من الحجارة إلى النار من خلال تخلخلها على التوالي.

يوفر أناكسيمين نوعًا خامًا من الدعم التجريبي من خلال الاستعانة بتجربة بسيطة، أي إذا نفخ أحدهم على يده مع استرخاء الفم يكون الهواء ساخنًا، وإذا نفخ المرء بشفاه مدببة يكون الهواء باردًا، ومن ثم وفقًا لأناكسيمين نرى أنّ الندرة مرتبطة بالحرارة (كما في النار)، والكثافة بالبرودة (كما في المواد الأكثر كثافة).

كان أناكسيمين أول مفكر مسجل قدم نظرية التغيير ودعمها بالملاحظة، ولقد وصف أناكسيماندر سلسلة من التغييرات التي خضع لها جزء من اللامحدود لتشكيل مواد مختلفة من العالم، ولكنه لم يقدم سببًا علميًا للتغييرات ولم يصف أي آلية قد تحدث من خلالها، على النقيض من ذلك يستخدم أناكسيمين عملية مألوفة من التجربة اليومية لحساب التغيير المادي، وكما يبدو أنّه أشار إلى عملية التلبيد التي يتم من خلالها ضغط الصوف لجعله محسوسًا، وتوفر هذه العملية الصناعية نموذجًا لكيفية اكتساب مادة واحدة لخصائص جديدة عند ضغطها.

أصل الكون لدى أناكسيمين:

يقدم أناكسيمين مثل أناكسيماندر وصفًا لكيفية خروج عالمنا من مادة موجودة مسبقًا، ووفقا لأناكسيمين تشكلت الأرض من الهواء من خلال عملية التلبيد وبدأت كقرص مسطح، ومن التبخرات من الأرض نشأت أجسام نارية أصبحت الأجرام السماوية، بحيث تطفو الأرض على وسادة من الهواء، كما تبدو الأجرام السماوية أو على الأقل الشمس والقمر أجسامًا مسطحة تطفو على تيارات الهواء.

ومن ناحية تشبه السماء غطاء محسوس يدور حول الرأس، وقد تكون النجوم مثبتة على هذا السطح مثل المسامير، ولكن في حساب آخر تبدو النجوم مثل الأوراق النارية التي تطفو على الهواء، ولا تسافر الشمس تحت الأرض بل تدور حولها وتخفيها الأجزاء العليا من الأرض ليلاً.

مثل أناكسيماندر يستخدم أناكسيمين مبادئه لحساب الظواهر الطبيعية المختلفة، فالبرق والرعد نتيجة هبوب الرياح من السحب، بينما قوس قزح هو نتيجة سقوط أشعة الشمس على السحب، وتحدث الزلازل بسبب تشقق الأرض عندما تجف بعد أن تبللها الأمطار، كما إنّه يعطي حسابًا صحيحًا بشكل أساسي عن البَرَد كمياه مطر مجمدة.

معظم المعلقين الذين يتبعون أرسطو يفهمون نظرية أناكسيمين في التغيير على أنّها تفترض مسبقًا الوحدة المادية، ووفقًا لهذه النظرية هناك مادة واحدة فقط (في هذه الحالة الهواء) تتكون منها جميع الأشياء الموجودة، فالمواد العديدة من مثل الرياح والسحاب والماء وما إلى ذلك ليست سوى تعديلات للمادة الحقيقية الموجودة دائمًا وفي كل مكان.

كما أنّه لا يوجد دليل مستقل يدعم هذا التفسير، والذي يبدو أنّه يتطلب مفاهيم أرسطو الميتافيزيقية للشكل والمادة، والطبقة التحتية والصدفة التي تعتبر متقدمة جدًا بالنسبة لهذه الفترة، وقد يفترض أناكسيمين أنّ (المواد) تتغير ببساطة إلى بعضها البعض بالترتيب.

التأثير على الفلسفة اللاحقة:

كانت نظرية أناكسيمين عن التغيير المتتالي للمادة عن طريق الخلخلة والتكثيف مؤثرة في النظريات اللاحقة، وقد تم تطويره بواسطة هيراقليطس وانتقده بارمينيدس، كما تم تبني نظرية أناكسيمين العامة لكيفية نشأة المواد في العالم من قبل أناكساجوراس، على الرغم من أنّ الأخيرة لديها نظرية مختلفة تمامًا عن المادة، ويرى كل من ميليسوس وأفلاطون أنّ نظرية أناكسيمين توفر تفسيرًا منطقيًا للتغيير، فالفيلسوف ديوجين أبولونيا يجعل الهواء أساس نظريته الأحادية الصريحة.

تستخدم أطروحة أبقراط عن الأنفاس الهواء كمفهوم مركزي في نظرية الأمراض، ومن خلال تزويد الحسابات الكونية بنظرية التغيير فصلها أناكسيمين عن عالم التكهنات المجردة وجعلها على الأقل في المفهوم نظريات علمية قادرة على الاختبار.


شارك المقالة: