الفيلسوف بيير بايل ومشكلة الشر

اقرأ في هذا المقال


إنّ معالجة الفيسلوف بيير بايل لمشكلة الشر معروفة جيدًا، وقد تسببت في كتابة لايبنيز عن ثيوديسي (Theodicy) وهو إثبات الخير الإلهي والعناية الإلهية في ضوء وجود الشر وذلك في عام 1710، ومقالات قاموس بايل عن البوليسيانيين والمانويين والمارقيونيين، بالإضافة إلى توضيحه اللاحق حول مقالات بوليسيان والمانويين، حيث طور بايل الموقف الذي يستجيب له ليبنيز، بالإضافة إلى مصدر إلهام (ومصدر للعديد من حجج) رواية فولتير الساخرة وكانديد وعدة فصول من حوارات ديفيد هيوم المتعلقة بالدين الطبيعي، وربما مقال إيمانويل كانط المتأخر عن إجهاض جميع التجارب الفلسفية في ثيوديسي.

فلسفة بايل في مفهوم الشر:

يتعامل بايل أيضًا مع القضية ردًا على أسئلة المقاطعة وحوارات ماكسيموس وثيميستوس عام 1707 حيث ينتقد الردود العقلانية على مشكلة الشر، وبايل متشائم فيما يتعلق باستخدام العقل لفهم الشر، فهو يرى أنّ الأسباب المسبقة تفشل في معالجة الواقع اللاحق للشر، وبعبارة أخرى فإنّ أي محاولة لتفسير وجود الشر بطريقة عقلانية تتناقض مع التجربة الحية، ويدعم بايل هذا الموقف من خلال عرض نقاط القوة والضعف في كل من الحلول الأرثوذكسية والمانوية لمشكلة الشر ويخلص إلى أنّ كلا الموقفين يفشلان.

وعلاوة على ذلك فإنّ فشل هذه الحلول لا يتعدى مجرد إدراك العقل البشري، حيث الحلول المقترحة مفهومة للعقل لكنها ببساطة تفشل في تقييمها.

مشكلة الشر في العمل الفلسفي القاموس:

أول معالجة مكثفة لبايل لمشكلة الشر كانت في عمله الفلسفي القاموس، وعلى وجه الخصوص أثارت المقالات عن المانويين والبوليسيان استجابة قوية من زملائه اللاجئين الهوجوينوت في هولندا، مما دفعه لكتابة توضيح لموقفه في هاتين المقالتين للطبعة الثانية من القاموس.

في الملاحظة في القاموس من المانويين يدرس بايل استجابتين مختلفتين لمشكلة الشر، باستخدام شخصية زرادشت من جهة وميليسوس الساموسي من جهة أخرى، ويؤطر بايل مواقفهم من حيث الأسباب المسبقة واللاحقة، ووفقًا لبايل فإنّ المفاهيم العقلانية للنظام هي التي تقودنا بطبيعة الحال إلى الاعتقاد بأنّ كائنًا أبديًا وموجودًا بذاته وضروريًا يجب أن يمتلك أيضًا القدرة المطلقة والفعالية المطلقة.

وفقًا لبايل هذا مثال على سبب مسبق، أي الأفكار الواردة فيه واضحة ومتميزة وهي متماسكة داخليًا، أما فيما يتعلق بمشكلة الشر فإنّ الأسباب المسبقة هي مجرد بداية المناقشة، وهذا لأنّ الشر ظاهرة وإنّها تجربة، وهذا يستلزم وفقًا لبايل أنّ هناك أسبابًا لاحقة ذات صلة أيضًا، وأيًا كان الاستنتاج المدعوم بأسباب مسبقة -أي مبدأ واحد موحد- قد يكون أو لا يكون نفس الاستنتاج المدعوم بأسباب لاحقة.

يتخيل بايل نقاشًا بين ميليسوس وزرادشت يفحصان فيه إيجابيات وسلبيات كل من الحلول المقترحة لمشكلة الشر، حيث يدافع ميليسوس عن مبدأ التوحيد الفردي ويدافع زرادشت عن وجود مبدأين أحدهما شر والآخر خير، ويرى ميليسوس أنّ الأسباب المسبقة تفضل وجود مبدأ موحد واحد، ويوافق زرادشت على أنّ ميليسوس يتفوق عليه في جمال الأفكار وفي الأسباب المسبقة.

يتحدى زرادشت ميليسوس مع ذلك لشرح مصدر الشر الذي تسببه البشرية، ويجادل بأنّ وجود مبدأين يفسر هذه الظاهرة بشكل أفضل، وإنّه يوفر أسبابًا لاحقة أفضل من مبدأ موحد واحد، حتى عندما يجادل ميليسوس بأنّ الشر الجسدي هو ببساطة استجابة لعدالة الله للشر الأخلاقي، ويرد زرادشت بأنّ ميل البشرية إلى الشر هو عيب لا يمكن أن يكون سببه مبدأ واحد موحد مع كل كمال.

ووفقًا لزرادشت فشلت محاولة ميليسوس الأخيرة لإلقاء اللوم على البشرية بسبب الشر، لأنّه حتى الحرية التي يدعيها ميليسوس للبشرية ليست حرة حقًا لأنّها موجودة تمامًا بفعل الله، ويجادل زرادشت بأنّه يتعارض مع الأسباب المسبقة التي مفادها أنّ مبدأً واحدًا كلي الوجود لن يفشل في منع الشر الأخلاقي فحسب، بل سيعاقب الجنس البشري بالشر الجسدي على الشر الأخلاقي الذي يرتكبونه،  ولكن من أجله لا يزال المبدأ الوحيد في النهاية مسؤول.

هناك استعصاء عقلاني إذن في مفهوم بايل لمشكلة الشر أي الأسباب المسبقة تتعارض مع الدليل اللاحق، ومع ذلك فإنّ الحل الذي يفسر على أفضل وجه الدليل اللاحق بحل المبدأين غير المتسق مع مسبق الأسباب، لا سيما مع الفكرة القائلة بأنّ مبدأ واحدًا كليًا وقويًا يمكن أن يكون بأي شكل من الأشكال أصل الشر.

تجبر صعوبة المشكلة بايل على اقتراح استراتيجية مختلفة تمامًا، أي السبيل الوحيد للخروج من معضلة الشر العقلانية هو النظر إلى ما وراء تناقضات العقل إلى عالم الحقائق، وفي حالة مشكلة الشر فإنّ الحقيقة ذات الصلة هي دليل الكتاب المقدس على أنّ الله كلي الوجود والمقدس والقدير قد سمح أو تسبب في وجود الشر، وعلاوة على ذلك وكوحي فإنّ الكتاب المقدس ليس مجرد دليل لاحق إضافي، حيث لها وزن معرفي إضافي للإيمان.

إن حقيقة هذه الحالة -تعايش هذا النوع من الإله مع الشر- كافية لمواجهة اعتراض الاستحالة، ووفقًا لمبدأ المنطق (من الفعلي إلى الممكن هو استنتاج صحيح)، وهذه الإستراتيجية الواقعية لمعالجة مشكلة الشر متسقة في بقية القاموس، وتتسق مع إصرار بايل المستمر في القاموس على سيادة الوحي (الإيمان) في مواجهة التحديات العقلانية.

ملخص فلسفة بايل في مشكلة الشر:

تم تلخيص عقيدة بايل المثيرة للجدل حول مشكلة الشر التي تسببت في الكثير من الاضطراب من قبل بايل نفسه في ثلاث نقاط:

1- يعلمنا الضوء الطبيعي والوحي بوضوح أنّ هناك مبدأ واحدًا فقط لكل الأشياء، وأنّ هذا المبدأ مثالي بلا حدود.

2- إنّ طريقة التوفيق بين الشر الأخلاقي والجسدي للإنسانية مع جميع سمات هذا المبدأ الفردي الكامل بلا حدود لكل الأشياء يتجاوز أضواءنا الفلسفية، بحيث تترك الاعتراضات المانوية لنا صعوبات لا يستطيع العقل البشري حلها.

3- مع ذلك من الضروري أن نؤمن إيمانًا راسخًا بأنّ ما يعلّمنا إياه النور الطبيعي والوحي عن وحدة الله وكماله اللامتناهي، تمامًا كما يؤمن بالإيمان والخضوع للسلطة الإلهية أسرار الثالوث والتجسد.

كان المبدأ الأول افتراضًا شائعًا في أيام بايل ومن الواضح أنّه لم يتسبب في أي جدل، ومع ذلك جادل بايل نيابة عن المبدأ في المانوية في تعليق القاموس، وفي المقاطع التي تجعل طبيعة شك بايل حول الثيودسي أكثر دقة.

وبعبارة أخرى السؤال الأول المطروح هو ما إذا كان أحد مبادئ الخلق أو اثنين هو الأكثر توافقًا مع أفكار العقل الخالص، حيث أنّ ميليسوس يفوز في هذا النقاش الخاص من وجهة نظر بايل، لأنّه أكثر قبولًا لسبب مسبق لافتراض أنّ هناك واحدًا فقط ضروريًا ومثاليًا إلى حد كبير مسؤول عن خلق الكون بدلاً من افتراض وجود إلهين متحاربين واحد جيد والشر الآخر (وهو منظر زرادشت الخيالي لبايل)، وإنّ توحيد ميليسوس باختصار أبسط وأكثر أناقة من ثنائية زرادشت.


شارك المقالة: