الفيلسوف جون فيلوبونوس

اقرأ في هذا المقال


الفيلسوف جون فيلوبونوس:

جون فيلوبونوس (John Philoponus) هو فيلسوف وعالم لاهوت مسيحي عاش تقريبًا من 490 إلى 570 م، ويُعرف أيضًا باسم يوحنا النحوي أو يوحنا الإسكندري، وكنية (Philoponus) يعني حرفياً عاشق الكدح، وترتبط حياة وعمل فيلوبونس ارتباطًا وثيقًا بمدينة الإسكندرية ومدرسة الإسكندرية الأفلاطونية المحدثة.

على الرغم من أنّ التقليد الأرسطي الأفلاطوني الحديث كان مصدر جذوره الفكرية واهتماماته، إلّا أنّه كان مفكرًا أصليًا كسر في نهاية المطاف هذا التقليد في العديد من النواحي المهمة الموضوعية والمنهجية على حد سواء، ومسح جزءًا من الطريق الذي أدى إلى المزيد من النقد والتجريب مناهج في العلوم الطبيعية.

فما هي الظروف الفكرية أو الدينية أو الثقافية الأخرى في حياته، وأوقاته التي قد تكون قد وضعت فيلوبونوس في موقع لبدء والتنبؤ بزوال الأرسطية في نهاية المطاف؟ يعد هو السؤال الأكثر إثارة، ولقد فعلت المعرفة والمنحة الكثير في السنوات الأخيرة للوصول إلى تقدير كامل لعمل وإنجاز هذا الفيلسوف العتيق المتأخر المهم.

حياة فيلوبونوس الفلسفية:

تضم أعمال فيلوبونوس ما لا يقل عن أربعون رسالة حول مواضيع متنوعة مثل القواعد والمنطق والرياضيات والفيزياء وعلم النفس وعلم الكونيات والفلك واللاهوت وسياسة الكنيسة، وحتى أنّه نُسبت إليه رسائل طبية، وقد وصل جزء كبير من عمله إلينا لكن بعض أجزاء منه لا تُعرف إلّا بشكل غير مباشر من خلال الاقتباسات أو الترجمات إلى اللغة السريانية أو اللغة العربية.

على الرغم من أنّ شهرته تستند في الغالب إلى حقيقة أنّه حتى في بعض تعليقاته على أعمال أرسطو، بدأ وتوقع في الواقع التحرير النهائي للفلسفة الطبيعية من قيود الأرسطية، إلّا أنّه أصبحت تعليقاته غير الجدلية على أرسطو، كما أنّ أطروحاته اللاهوتية مؤخرًا تمت دراستها على نطاق واسع وترجمتها وتقديرها.

بدأت مسيرة فيلوبونوس الفكرية عندما كان تلميذًا للفيلسوف الأفلاطوني الحديث أمونيوس ابن هيرمياس (Ammonius Hermiae)، الذي تدرب على يد بروكليس في أثينا وكان مديرًا للمدرسة في الإسكندرية، وتدّعي بعض تعليقات فيلوبونوس أنّها تستند إلى محاضرات أمونيوس، لكن البعض الآخر يعطي مساحة أكبر لأفكار فيلوبونوس الخاصة.

في النهاية قام بتحويل الشكل المعتاد للتعليق المتعاطف مع آراء أرسطو إلى خطاب نقد مفتوح، وفي سياق هذا النقد يفحص فيلوبونوس المبادئ الأساسية لأرسطو-الأفلاطوني المحدث وينبذها وأبرزها عقيدة أبدية العالم، وأسلوبه في التعليق الفلسفي الذي لا يحترم بإصرار السلطة، وكذلك الاستنتاجات التي توصل إليها أثار استياء زملاء فيلوبونوس الوثنيين.

ربما أجبرته العداوة الشرسة لهما على التخلي عن حياته المهنية الفلسفية في ثلاثينيات القرن الخامس، ولم يخلف فيلوبونوس معلمه أمونيوس أبدًا كرئيس للمدرسة، ويبدو أنّه تخلى تماما عن مسيرته الفلسفية، وفي النصف الثاني من حياته كرس طاقته الكبيرة للمناقشات اللاهوتية في عصره.

ومن المفارقات أنّ الكنيسة الأرثوذكسية أدانته بعد وفاته باعتباره مهرطقًا (في 680-681) بسبب تفسيره الإلهي للعقيدة التثليثية، وفهم المفاهيم المتنازع عليها في هذا النقاش (أي تلك المتعلقة بالشخص والطبيعة والجوهر) بالمعنى الأرسطي الصارم، حيث كان يُنظر إلى فيلوبونوس على أنّه ليس إلهًا واحدًا في ثلاثة أشخاص (الآب والابن والروح)، ولكن في الواقع ثلاثة الآلهة المنفصلة.

عند قراءة فيلوبونوس بالإضافة إلى كتابات خصمه الدؤوب سيمبليسيوس، يتولد لدى المرء انطباع بأنّه في القرن السادس الميلادي أصبح التعلم الوثني التقليدي منعزلاً بشكل يائس، وإنّ التناقضات الشديدة بين الفلسفة اليونانية والعقيدة المسيحية واضحة للعيان بسهولة على كل مستوى من عمل فيلوبونوس وهو يكافح من أجل تحميل إيمانه مسؤولية العقل.

على الرغم من أنّ أسلوبه في التفكير ينم عن تأثير أرسطي قوي، إلّا أنّه يظهر أيضًا تقاربًا عقائديًا معينًا مع أفلاطون بعد تجريده من تراكمات طبقات التفسير الأفلاطوني المحدث.

غالبًا ما يكون أسلوب كتابة فيلوبونوس ملتويًا ونادرًا ما يكون ترفيهيًا، حيث يُظهر أحيانًا صرامة شديدة التحذلق في الجدل والعرض، ومع ذلك فهو يكمل هذا النوع من الخطاب بحرية رائعة للروح تسمح له بالتخلص من قيود السلطة كمعيار للحقيقة سواء كانت فلسفية أو لاهوتية، كما تُرجمت أعمال فيلوبونوس إلى العربية واللاتينية والسريانية، وقد أثر في المفكرين اللاحقين مثل بونافنتورا (Bonaventure) وجيرسونيدس (Gersonides) وبوريدان (Buridan) وأوريسمي (Oresme) وغاليليو (Galileo).

أعمال الفيلسوف فيلوبونوس:

قام الفيلسوف جون فيلوبونوس بكتابة ما يقارب 40 عملاً شملت العديد مجالات المختلفة ومنها الفلسفة والرياضيات والكيمياء والقواعد والفيزياء واللاهوت.

1- على الكلمات ذات المعاني المختلفة بحكم اختلاف اللهجة (De vocabulis quae varium importantatum show secundum differentiam accentus).

2- تعليق على أرسطو حول الجيل والفساد.

3- تعليق على عن الروح لأرسطو.

4- تعليق على فئات أرسطو.

5- تعليق على التحليلات السابقة لأرسطو.

6- تعليق على التحليلات اللاحقة لأرسطو.

7- تعليق على فيزياء أرسطو: ويعد أهم تعليق لفيلوبونوس، حيث يتحدى أرسطو في الزمان والمكان والفراغ والمادة والديناميكيات، حيث يقترح حساب فيلوبونوس نموذجًا فيزيائيًا محددًا لكيفية وجود الأجسام المادية وتتحرك في مكانها، ويعتبر المكان حقيقة جوهرية للكون المادي، وبسبب هذا النموذج بالضبط يمكن اعتبار حسابه على أنّه متعلق بدقة بدراسة الفيزياء، مما يشكل حلقة رائعة في تاريخ الفلسفة والعلوم.

8- تعليق على الأرصاد الجوية لأرسطو.

9- تعليق على مقدمة نيكوماكس في الحساب.

10- على الخلود في العالم ضد بروكليس (De aeternitate mundi cont Proclum).

11- عن الخلود في العالم ضد أرسطو (De aeternitate mundi contra Aristotelem): حيث دحض مذاهب أرسطو للعنصر الخامس وخلود الحركة والوقت، ويتألف من ثمانية كتب على الأقل.

12- في خلق العالم (De opificio mundi): وهو تعليق لاهوتي-فلسفي على قصة الخلق في سفر التكوين.

13- على طوارئ العالم (De prospentia mundi): وهو عمل يتحدث عن طوارئ العالم.

14- حول استخدام وبناء الإسطرلاب: والذي يعد أقدم أطروحة يونانية موجودة على الإسطرلاب.

15- الحكم (Diaitêtês): وهو تبرير فلسفي للفلسفة الأحادية، وهو عمل غير موجود في اللغة اليونانية حيث أنّ نص سرياني مع ترجمة لاتينية.

16- على الثالوث (De trinitate): وهو المصدر الرئيسي لإعادة بناء عقيدة فيلوبونوس الثالوثية.

ميراث فيلوبونوس الفلسفي:

بعد وفاته أُعلن أنّ جون فيلوبونوس كان يتبنى آراء هرطقية عن الثالوث وقد أصبح لعنة في مجمع القسطنطينية الثالث في الأعوام 680-681، وقد أدى هذا إلى الحد من انتشار أفكاره في القرون التالية، ولكن في زمانه وبعد ذلك تمت ترجمته إلى اللغتين السريانية والعربية.

نجحت العديد من أعماله ودرسها العرب، كما استمرت أيضًا بعض أعماله في الانتشار في أوروبا في النسخ اليونانية أو اللاتينية وأثرت على عالم لاهوت إيطالي بونافنتورا (Bonaventure)، وتم تبني نظرية الزخم من قبل بوردان (Buridan) في القرن الرابع عشر.

طور فيلوبونوس ومعاصروه سيمبليسيوس (Simplicius) من قيليقية وستراتو (Strato) المفهوم الأرسطي للفضاء بشكل أكبر، مما أثّر في نهاية المطاف على نظرية عصر النهضة في المنظور، ولا سيما تلك التي أبرزها ليون باتيستا ألبيرتي (Leon Battista Alberti) وغيرهم من أساتذة الهندسة المعمارية.


شارك المقالة: