الفيلسوف جون لانغشو أوستن

اقرأ في هذا المقال


كان جون لانغشو أوستن (J. L. Austin) أستاذًا للفلسفة الأخلاقية لدى وايت بجامعة أكسفورد، وقدم عددًا من المساهمات في مجالات مختلفة من الفلسفة، بما في ذلك العمل المهم في المعرفة والإدراك والعمل والحرية والحقيقة واللغة واستخدام اللغة في أفعال الكلام، وإنّ الفروق في عمله على أفعال الكلام في تمييزه بين الأفعال الخطابية والتعليمية قد اتخذت شيئًا مثل الوضع القانوني في الأعمال الحديثة، كما أنّ عمله في المعرفة والإدراك يضعه في تقليد واسع من (واقعية أكسفورد)، ولعب عمله عن الحقيقة دورًا مهمًا في المناقشات الأخيرة حول مدى إمكانية تفسير معنى الجملة من حيث شروط الحقيقة.

حياة الفيلسوف أوستن:

1- في 26 مارس 1911: ولد جون لانجشو أوستن (John Langshaw Austin) في لانكستر بإنجلترا،  لأبوين جيفري لانغشو أوستن وزوجته ماري أوستن (née Bowes-Wilson).

2- في عام 1922: انتقلت العائلة إلى اسكتلندا، حيث كان والد أوستن سكرتيرًا لمدرسة في بلدة القديس ليونارد وبلدة القديس أندروز في اسكتلندا، وتم تدريبه كعازف كلاسيكي في كلية باليول في أكسفورد.

3- في عام 1924: حصل أوستن على منحة دراسية في الكلاسيكيات في مدرسة شروزبري.

4- في عام 1929: تابع دراسة الكلاسيكيات في كلية باليول أكسفورد.

5- في عام 1933: حصل على الدرجة الأولى في (Literae Humaniores) وهي دورة الشرف في الكلاسيكيات والفلسفة والتاريخ القديم في جامعة أكسفورد-الكلاسيكيات والفلسفة.

6- في عام 1933: انتُخب للزمالة في كلية (All Souls) في أكسفورد.

7- في عام 1935: تولى أول منصب تدريسي له كزميل ومدرس في كلية ماجدالين في أكسفورد.

8- خلال الحرب العالمية الثانية: تم تكليف أوستن في فيلق المخابرات، ولعب دورًا رائدًا في تنظيم يوم النصر، وقيل عنه أنّه: “كان أكثر من أي شخص آخر مسؤولاً عن الدقة المنقذة للحياة في (D-Day Intelligence).

9- عام 1941: تزوج أوستن من جان كوتس، وأنجبا أربعة أطفال فتاتان وصبيان.

10- في عام 1945: ترك الجيش البريطاني برتبة مقدم، وتم تكريمه لعمله الاستخباراتي مع وسام الإمبراطورية البريطانية، وصليب الحرب (Croix de Guerre) الفرنسي، والضابط الأمريكي من وسام الاستحقاق.

11- في عام 1951: اخترع لعبة الورق (CASE).

12- من عام 1952 حتى وفاته في عام 1960: أمضى أوستن حياته الأكاديمية بأكملها في أكسفورد، حيث كان أستاذ وايت للفلسفة الأخلاقية، وفي نفس العام تولى منصب مندوب مطبعة جامعة أكسفورد.

13- في عام 1957: أصبح رئيسًا للجنة المالية، وتضمنت أعماله الإدارية الأخرى للجامعة دور جونيور بروكتور (1949-1950).

14- في الأعوام 1953-1955: كان رئيس الكلية الفرعية للفلسفة.

15- في الأعوام 1956-1957: كان رئيسًا للجمعية الأرسطية.

16- في 8 فبراير 1960: توفي أوستن في أكسفورد.

أعمال أوستن الفلسفية:

نشر أوستن سبع مقالات فقط، ووفقًا لسيرل كان إحجام أوستن عن النشر سمةً جزئية لموقفه الخاص، ولكنها كانت أيضًا جزءًا من ثقافة أكسفورد في ذلك الوقت فقال: “كان لدى أكسفورد تقليد طويل في عدم النشر خلال حياة المرء، بل كان يُنظر إلى النشر على أنّه أمر سوقي ومبتذل إلى حد ما”.

تم نشر معظم أعمال أوستن بعد وفاته وتتضمن مجموعة من الأوراق (أوستن 1961)، وسلسلتين من المحاضرات أعاد بناؤها المحررون على أساس ملاحظات محاضرة أوستن:

1- محاضرات عن الإدراك التي حررها جيفري وارنوك.

2- محاضرات ويليام جيمس التي عقدت في هارفارد عام 1955 والمخصصة لأعمال الكلام، وحررها جيمس أورمسون للطبعة الأولى، وأورمسون ومارينا سبيسا للطبعة الثانية.

نهج وأسلوب أوستن الفلسفي:

شملت اهتمامات أوستن المبكرة في الفلسفة لأعمال وفكر أرسطو وكانط ولايبنيز وأفلاطون (خاصة ثياتيتوس)، وتضمنت تأثيراته الأكثر معاصرة بشكل خاص بالفيلسوف جورج إدوارد مور وجون كوك ويلسون و هارولد آرثر بريتشارد، حيث حضر أوستن محاضرات جامعة بريتشارد بحماس شديد لدرجة أنّ بريتشارد قام بمحاولة فاشلة لاستبعاده.

ومن المعقول أنّ بعض جوانب نهج أوستن المميز للأسئلة الفلسفية مستمدة من تفاعله مع الثلاثة الأخيرة، فقد صاغ الفلاسفة الثلاثة وجهات نظرهم حول الأسئلة الفلسفية العامة على أساس الاهتمام الدقيق بالأحكام الأكثر تحديدًا التي نتخذها، وعلاوة على ذلك هناك بعض الاستمرارية في العقيدة خاصةً مع كوك ويلسون وبريتشارد والتي تتماشى مع أوستن مع مدرسة الفلسفة (الواقعية في أكسفورد).

المكونات الأساسية لوجهة النظر الأخيرة هي:

1- أنّ الإدراك والمعرفة هما شكلان بدائيان من التخوف.

2- أنّ ما ندركه هو عناصر عادية لبيئاتنا ومستقلة عن استيعابنا لها.

كما كان المفكرون الثلاثة ملتزمين في وقت أو آخر بنسخ من عنصري الموقف ولكن لأسباب معقدة ترددوا في بعض الأحيان حول الثاني، وجاء إلى الفلسفة أولاً من خلال دراسة أرسطو الذي أثر بعمق في طريقته الفلسفية، كما عمل على فلسفة لايبنيز وترجم الأساسيات (Grundlagen) من فريج (Frege).

كان لدى أوستن استياء عميق ليس فقط من الطريقة التقليدية للتفلسف، ولكن أيضًا تجاه الوضعية المنطقية حيث أنّه كان الشخصية الرائدة في أكسفورد هو ألفريد جول آير (Alfred J. Ayer)، وعلى وجه الخصوص كان عدم رضاه موجهًا نحو طريقة لممارسة الفلسفة والتي من وجهة نظر أوستن كانت مسؤولة عن إنتاج ثنائيات مرتبة وبدلاً من توضيح المشكلات المطروحة، وبدى أنّها تؤدي إلى المبالغة في التبسيط وخطط التفكير العقائدية والمسبقة.

وهكذا طور أوستن منهجية وأسلوب فلسفي جديد أصبح نموذجًا لفلسفة اللغة العادية، ولا يدّعي أوستن أنّ هذه الطريقة هي الطريقة الصحيحة الوحيدة لاعتمادها، وبدلاً من ذلك فهو يمثل نهجًا أوليًا قيمًا على الأقل لبعض المشاكل الأكثر صعوبة في تقاليد الفلسفة الغربية مثل تلك المتعلقة بالحرية والمسؤولية والإدراك.

وفقًا لأوستن يجب أن تكون نقطة البداية في الفلسفة تحليل مفاهيم وطرق التعبير عن لغة الحياة اليومية واستكشاف لغتنا العادية، والذي سيساعد هذا في تفكيك الأخطاء الفلسفية التي تسببها الطريقة التي يستخدم بها الفلاسفة كلمات عادية معينة من ناحية، ومن ناحية أخرى للوصول إلى الميزات الفعلية في العالم التي اخترتها التعبيرات التي نستخدمها لوصفها، فاللغة العادية ليست هي الكلمة الأخيرة ولكن من حيث المبدأ يمكن استكمالها وتحسينها في كل مكان والاستعاضة عنها.

وفقًا لأوستن في اللغة العادية يتم ترسيب كل الفروق والصلات التي أنشأها البشر، كما لو أنّ كلماتنا في استخداماتهم اليومية صمدت أمام الاختبار الطويل للبقاء للأصلح، ومن الضروري أولاً وقبل كل شيء النظر بعناية في المصطلحات المتاحة لنا وذلك من خلال إعداد قائمة بالتعبيرات ذات الصلة بالمجال المعني، أي نوع من (الظواهر اللغوية) التي يتم تنفيذها بمساعدة القاموس والخيال، ويقوم ذلك من خلال البحث عن مجموعات من التعبيرات والمرادفات وابتكار تجارب فكرية لغوية وسياقات وسيناريوهات غير عادية والتكهن بردود أفعالنا اللغوية تجاههم.

يتيح لنا فحص اللغة العادية الانتباه إلى ثراء الحقائق اللغوية ومعالجة المشكلات الفلسفية من منظور جديد وغير متحيز.

من المؤكد أنّ هذه ليست منهجية جديدة في تاريخ الفلسفة، ومع ذلك يتم الآن تنفيذ هذه الاستراتيجية بدقة مميزة وعلى نطاق واسع من ناحية، ويتم تنفيذها وتقييمها بشكل جماعي من أجل الحصول على إجماع معقول من ناحية أخرى، وبالنسبة لأوستن الفلسفة ليست مسعىً يجب متابعته بشكل خاص بل عمل جماعي.

كان هذا في الواقع جوهر اجتماعات أوستن (صباح يوم السبت)، وهي الاجتماعات الأسبوعية التي عُقدت خلال الفصل الدراسي في أكسفورد وحضرها فلاسفة اللغة والفلاسفة الأخلاقيون والفقهاء، والتي تضمنت مناقشات مفصلة لعدد من الموضوعات والأعمال الفلسفية بما في ذلك:

1- الأخلاق النيقوماخية لأرسطو.

2- الأساسيات (Grundlagen) لفريج.

3- تحقيقات لودفيج فيتجنشتاين الفلسفية.

4- ظاهرة الإدراك لميرلو بونتي.

5- الهياكل النحوية لنعوم تشومسكي.

وكان أسلوب أوستن معنيًا بالنقاش والبحث الفلسفي بشكل أفضل من النشر، حيث يمكننا مع ذلك أن نقدره تمامًا في:

1- كيفية عمل اشياء بالكلمات (How to Do Things with Words) في عام 1962.

2- في أوراق مثل نداء الأعذار (A Plea for Excuses) في عام 1956.

3-  إذا ويستطيع (Ifs and Cans) في عام 1956.

اعتبر البعض منهج أوستن متحذلقًا باعتباره مجرد إصرار على أنّ كل ما يجب علينا فعله هو استخدام كلماتنا بعناية، مع عدم وجود اهتمام حقيقي بالظواهر التي تثير مخاوفنا الفلسفية، وهناك بالفعل حدود لمنهجيته، حيث فمن ناحية لا تزال العديد من الأسئلة الفلسفية دون تغيير حتى بعد إعادة صياغة دقيقة، ومن ناحية أخرى لا تجسد لغتنا اليومية كل الفروق التي يمكن أن تكون ذات صلة ببحث فلسفي.

لكن أوستن بعيد كل البعد عن الاهتمام باللغة فقط، حيث تركيزه ينصب دائمًا أيضًا على الظواهر التي يتم الحديث عنها وكما يقول: “يستغرق الأمر اثنين لتكوين الحقيقة”.


شارك المقالة: