اقرأ في هذا المقال
كلّ الشعوب التي عانقت الحياة على أطراف هذه المعمورة، تمتلك الموروث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “اللي يعوزه يحرم على الجامع”.
أصل مثل “اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع”:
مثل: “اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع”، يعود في أصوله إلى مصر، إذ إنه من النادر أن يوجد موقف يجمع بين شخصين في مصر دون أن يُدرج أحد الأمثال المشهورة، بما يتوافق مع الموقف الذي يُقال فيه، ولعل من أشهر الأمثال الشائعة في المجتمع العربي عامة، وعند المصريين خاصة هذا المثل، وهو مثل مصري أصيل، وربما يتبادر إلى ذهن السامع للوهلة الأولى، أن كلمة جامع هي المسجد، أو مكان العبادة، أو بيوت الله، إلا أن هذا الأمر غير صحيح، فالمصريون لا يبخلون على المساجد بشيء على الإطلاق.
قصة مثل “اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع”:
ترجع حكاية مثل: “اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع” إلى زمن الحكم العثماني، وذلك حين كان العثمانيون يفرضون الضرائب على أهل مصر، وفد خصصت الدولة شخصًا كي يجمع تلك الضرائب في أوقات محددة، وجامع الضرائب كان يُسمى: “جامع الأموال”، أو “الملتزم”، أو “مقاطعجي”، وفق القانون المفروض على المصريين وهو قانون الالتزام، ومع الوضع السيء الذي كان يعيشه المصريون في ذلك الوقت، لم يكن باستطاعتهم أن يدفعوا الضرائب، فشاعت مقولة: “اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع”، وكان المصريون يحاولون جهدهم أن يجمعوا الأموال المفروضة عليهم طوال الفترة المسموحة؛ كي يسلموها للجامع عندما يأتي موعده، وفي حال عدم مرور الجامع في بعض الأحيان، أطلق المصريون مقولة أخرى شهيرة، وقد راحت مثلًا أيضًا، وهي: “بركة يا جامع اللي جات منك، وماجاتش مني”.
