المبادئ الأخلاقية لفلسفة الأكويني

اقرأ في هذا المقال


إنّ تمييز واستنتاج وتوضيح المبادئ الأخلاقية مهمة من أجل العقلانية العملية في فلسفة الفيلسوف توما الأكويني، وتسمى الأحكام التي يتخذها المرء عند القيام بذلك مجتمعة ضمير الفرد، بمعنى أنّ قبل الشعور الذي يكون فيه الضمير تكون على شكل محدد، وهو الأحكام التي يصدرها المرء أو يمكن أن يصدرها على أفعاله بأثر رجعي.

حيث الشخص الذي يكون ضميره سليمًا لديه العناصر الأساسية للحكم السليم واعتدال والمعقولية العملية، أي من الفضيلةالفكرية والأخلاقية التي يسميها الأكويني الحكمة، وتتطلب الحكمة الكاملة أن يضع المرء حكمه السليم موضع التنفيذ على طول الطريق، أي في تفاصيل الاختيار والعمل في مواجهة الإغراءات لبدائل غير معقولة ولكن ربما بدائل ليست ذكية.

فلسفة الأكويني في مفهوم الضمير:

الضمير في نظر الأكويني ليس قوة خاصة أو وجودًا بداخلنا ولكنه ذكاءنا العملي في العمل، وبشكل أساسي في شكل مخزون من الأحكام حول المعقولية (الصواب) أو اللامعقولية (الخطأ) لأنواع الفعل (أنواع اختيار).

ونظرًا لأنّ كل حكم من هذا القبيل يتخذ شكل (صحيح أنّ) أو (خاطئًا) أو (يجب القيام به) بشكل عام أو (مطلوب) أو (ممنوع) عن طريق العقل، ويجب أن يكون الأمر كذلك كما يؤكد الأكويني بقوة شديدة أنّ ضمير الفرد ملزم لنفسه حتى عندما يكون مخطئًا تمامًا ويوجه أو يصرح بارتكاب جرائم فظيعة.

لأنّه بما أنّ من المستحيل منطقياً أن يدرك المرء أنّ حكم المرء الحالي للضمير خاطئ، فإنّ وضع نفسه في مواجهة حكمه الراسخ للضمير هو وضع نفسه ضد خيرات الحقيقة والمعقولية وهذا لا يمكن أن يكون خطأ، وحقيقة أنّه إذا كان المرء قد شكل حكمه بشكل فاسد فسوف يتصرف أيضًا بشكل خاطئ إذا اتبعه، فلا يؤثر على واجب ضمير المرء (لنفسه).

كان هذا التعليم عن الضمير جديدًا إلى حد ما في عصر الأكويني، وحتى يومنا هذا غالبًا ما يتم تحريفه أو إساءة تطبيقه كنوع من النسبية أو الذاتية، ولكنه في الواقع تأثير ضمني على وضوح الأكويني حول الآثار المترتبة على اعتبار الأحكام الأخلاقية صحيحة (أو خاطئة) وبالتالي رفض الذاتية والنسبية.

المبدأ الأخلاقي الأعلى والأكويني:

من المؤسف إنّ الأكويني غير واضح حول الكيفية التي تسفر بها المبادئ العملية الأولى عن المبادئ الأخلاقية، أو التعاليم أو القواعد التي لها عمومية وخصوصية مشتركة للمبادئ الموجودة في جزء من الوصايا العشر الكتابية، والتي تسمى تقليديًا أخلاقية فالتعاليم السبعة الأخيرة على سبيل المثال يجب تبجيل الوالدين وتقوم على مبدأ أنّ القتل والزنا خطأ وما إلى ذلك.

لكن إعادة صياغة تصريحاته المتناثرة توضح بما فيه الكفاية أنّه في نظره أول تأثير ضمني لمجموعة من المبادئ الأولى، فكل واحد يوجهنا إلى خيرات يمكن تحقيقها في الآخرين كما هو الحال في نفسه، كما هو في أنّه يجب على المرء أن يحب جاره أو قريبه كنفسه.

نظرًا لأنّه يعتبر هذا المبدأ مثل مجموعة المبادئ الأولى المذكورة في أحد أعماله الفلسفية، ولكي يكون بديهيًا فإنّه في حد ذاته يجب عليه اعتبار مبدأ حب الجار والقريب كذات ليس بقدر ما هو استنتاج من أو حتى تحديد بل ملخص إعادة وصف لتلك المجموعة.

وهذا بدوره يشير إلى مزيد من التفكير في أنّ المبادئ الأولى والخيرات (النعمة) والتي توجهنا إليها شفافة إذا جاز التعبير، وذلك بالنسبة للأشخاص من لحم ودم الذين هم فيها ويمكن تجسيدهم، وعلاوة على ذلك قد يُعتقد أنّ المبدأ الأخلاقي الأساسي المتمثل في حب الجار والقريب كنفسه هو سبب آخر للشك على الرغم من المظاهر في الدور الاستراتيجي للقدرة على الحياة في أخلاقه.

عادة ما تجعل التفسيرات الأرسطية لأخلاقيات الإكويني مركزية في مفهوم الإنجاز، الذي يُفهم على ما يبدو بأنّه تحقيق الشخص المتداول والفعال والذي لا علاقة له بمتطلبات حب الجار والقريب.

من ناحية أخرى اعتبر الفيلسوف الأمريكي غريسيز (Grisez) وآخرون، بأنّ دور الإنجاز (أو السعادة) في تفكك الفكر الأخلاقي من المبادئ الأولى للعقل العملي هو الأفضل من خلال (مبدأ أخلاقي رئيسي) قريب وإن لم يكن مطابقًا للأكويني الأسمى، والمبدأ الأخلاقي هو أنّ جميع أفعال الفرد ستكون منفتحة على الإنجاز الإنساني المتكامل، أي لتحقيق كل الأشخاص والمجتمعات البشرية الآن وفي المستقبل.

يعتقد الأكويني أنّ المبدأ الأخلاقي الأسمى المتمثل في حب الجار والقريب كذات، هو تحديد مباشر في القاعدة الذهبية والتي تقوم على مبدّ بأنّه يجب أن أعامل الآخرين كما أود أن يعاملوني، وتشير العلاقة الوثيقة بين مبدأ الحب والقاعدة الذهبية إلى أنّ الحب والعدالة على الرغم من أنّه يمكن تمييزهما من الناحية التحليلية فإنّه لا يمكن بالتأكيد مقارنتهما بالآخر، فالجار لا يستبعد أي إنسان في أي مكان بقدر ما يمكن لأي شخص أن يستفيد من خياراته وأفعاله.

حيث أن تحب شخصًا ما هو في الأساس إرادة ذلك الشخص جيدًا، ويناقش الأكويني الأولويات المعقولة بين كل هؤلاء الأشخاص كأشياء محبة وحسن نية ورعاية على حدٍ سواء باعتبارها ترتيبًا للحب  أو وسام الحب وكمسألة الحق والعدالة.

فلسفة الأكويني والمكان المتعالي:

بما أنّ الأكويني يعتقد أنّ وجود الله وتدبيره باعتباره المصدر المتعالي لكل الأشخاص والمزايا أمر مؤكد، فإنّ بيانه المعتاد عن المبدأ الأخلاقي الرئيسي يؤكد أنّه ينبغي على المرء أن يحب الله وأن يحب الجار والقريب بنفسه وهذا يمكنه أن يسمح بأنّ الشكل الأكثر وضوحًا للمبدأ الأخلاقي الرئيسي يشير فقط إلى حب الأشخاص (الذات والجيران).

المعايير الأخلاقية كدليل للمبادئ الأولية لدى الأكويني:

يعتقد الأكويني أنّ جميع المبادئ والمعايير الأخلاقية يمكن الاستدلال عليها إما ضمنيًا، أو يمكن الرجوع إليها كاستنتاجات من المبدأ الأخلاقي الأول لحب الجار باعتباره الذات، ولكنه لم يعرض أبدًا مثالًا أو مخططًا لهذه الاستدلالات الشبيهة بالاستنتاج.

بالتالي اقترح خلفاؤه المحتملون أحيانًا أنّ المبادئ والمعايير الأخلاقية لها الدليل الذاتي للمبادئ الأولى، وفي بعض الأحيان بشكل يائس على حد سواء قدموا مقدمات، على الرغم من اقتراحها في بعض حجج أو ملاحظات الأكويني غير متسقة مع نظريته العامة، فعلى سبيل المثال أنّ الوظائف الطبيعية لا يجب إحباطها.

تشير الخطوط الرئيسية لنظرية الأكويني للمبادئ الأخلاقية بقوة إلى أنّ القواعد الأخلاقية من التعاليم والمعايير هي مواصفات لمبدأ يقوم على أنّ الخير يجب أن يتم فعله ومتابعته وتجنب الشر، وهي المواصفات التي تحدد الاختيار والعمل المباشر، بحيث يتم احترام كل من الحاجات الأساسية (عناصر الإنجاز البشري) وتعزيزها إلى الحد الذي يتطلبه المنطق العملي.

ويبدو أنّ ما تتطلبه المعقولية العملية هو معاملة كل حاجة بشرية أساسية كما هي حقًا، حيث أنّ سبب أساسي للفعل من بين الأسباب الأساسية الأخرى التي لا يجب أن يتم قطع توجيهها المتكامل أو انحرافها عن طريق المشاعر الفرعية.

إنّ مبدأ حب الجار كنفس والقاعدة الذهبية يختاران على الفور عنصرًا واحدًا في هذا التوجيه المتكامل، وتعطي القواعد الأخلاقية للإطار الآخر توجيهًا أخلاقيًا من خلال تحديد الطرق التي تكون فيها أنواع الاختيار المحددة بشكل أو بآخر تتعارض بشكل مباشر أو وسيط مع بعض الحاجات الأساسية، ويبدو أنّ هذا هو الأسلوب الضمني لأكويني.

يتطلب العرض المناسب والدفاع عن المعايير الأخلاقية التي يؤيدها الأكويني نقدًا، ويوجد هناك فقط تلميحات يمكن العثور عليها في عمله للنظريات التي تدعي أنّ الاختيار يمكن ويجب أن يسترشد بشكل عقلاني بمبدأ رئيسي نفعي أو تبعي أو نسبي يدعو إلى تعظيم صافي للحاجة الإجمالية.

في تطورات نظرية الأكويني الأخلاقية مثل التي اقترحها جريسيز (Grisez) وفينيس (Finnis)، يتم التعامل مع هذا النقد على أنّه تمهيدي لا غنى عنه لأي تحديد تأملي لا يطرح أسئلة للمسار من المبادئ الأولى إلى المعايير الأخلاقية المحددة.


شارك المقالة: