المكثار كحاطب ليل

اقرأ في هذا المقال


جميع الأمم التي تركت الأثر على وجه الأرض، لها الإرث الثقافيّ الذي يخصها، وكما إنه يجعلها تتفرد به عن غيرها، وهو بدوره يعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: ” المكثار كحاطب ليل”.

معنى مثل: “المكثار كحاطب ليل”:

أمّا المكثار فهو الذي يتكلم بالغثّ والسّمين، فهو يخلط في كلامه، لا يكاد يتأنّى فيقع في الخلط؛ فهو حينئذٍ كالحاطب في الليل، يحب كل رديء وجيد، ذلك أنّه لا يبصر ما يجمع في حبله، وقال بعض اللغويين: إنهم شبّهوا الجاني على نفسه بحاطب الليل؛ ذلك أنّه إذا حطب ليلًا، لربّما وقعت يده على أفعى فلسعته، وكذلك الذي يخلط في كلامه فيهجو الناس، ويذمّهم، فربّما كان ذلك حتفه، وقيل: معنى قولهم: “حاطب ليل”، أي لا يبالي ماذا يحمل و لا عمَّن.

فيم يضرب مثل: “المكثار كحاطب ليل”؟

يُضرب مثل: “المكثار كحاطب ليل”، فيمن يحرص على جمع القصص والحكايات والأقوال صحيحها وسقيمها، جيدها وضعيفها، فبعض أقواله موثّقة، والبعض لا يوجد له ما يؤكده.

من صاحب مثل: “المكثار كحاطب ليل”؟

يُقال إنّ أوّل من قال هذا المثل هو حكيم العرب: “أكثم بن صيفيّ“، حيث شبّه كثير الكلام بحاطب الليل، لأنه ربما نهشته الحية أو لسعته عقرب، وقال علقمة ابن علاثة الجعفري، وهو من حكيم من حكماء العرب: “أول العي الاختلاط، وأسوأ القول الإفراط، والاختلاط: التخليط في الكلام والإكثار من النطق”، كما ورد المثل في كتاب “جمهرة الأمثال، للعسكري”، إذ قال: “كحاطب ليل” يضرب مثلًا للرجل يجمع كل شيء ولا يميز الجيد من الرديء، والحاطب، هو الذي يجمع الحطب، وصناعته: الحطابة، وإذا حطب في الليل جمع في حبله الحية والعقرب، وفي معنى المثل تفنن الشعراء في نظم أبياتهم، ومنهم الشّاعر الفرزدق، إذ قال:

“وإن امرء اغتابني لم أطأ لهُ     حَريمًا ولا تنهاهُ عنّي أقاربه

كمحتطبٍ ليلًا أساوِدَ هَضبةٍ     أتاهُ بها في ظُلمةِ الليلِ حاطبه”


شارك المقالة: