المنية ولا الدنية

اقرأ في هذا المقال


المثل ما هو إلا عبارة ذات فائدة، ولعل من أهم مميزاته أنه موجز، وقد توارثته الأمم مشافهةً من جيل إلى آخر، والمثل جملة محكمة البناء بليغة العبارة، شائعة الاستعمال عند مختلف طبقات المجتمع، وإذ يلخّص المثل حكاية عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة، فقد حظي عند الناس بثقة تامة، فصدّقوه لأنه يُهتدى به في حلّ مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة من مشكلة قديمة، وتلك المشكلة القديمة انتهت إلى عبرة لا تُنسى، وقد قيلت هذه العبرة في جملة موجزةٍ قد تُغني عن رواية ما جرى هي الأمثال.

فيم يضرب مثل المنية ولا الدنية؟

مثل ” المنية ولا الدنية” يُقال في مواقف العزة والشرف، حيث لا تكون الحياة الكريمة إلا بالشجاعة والإقدام وروح الإباء، وقد عبر الشاعر المتنبي عن معنى المثل خير تعبير بقوله:
“عش عزيزًا أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود»، وقوله في رفض الضيم والهوان:
“غاير إن الفتى يلاقي المنايا كالحات ولا يلاقي الهوانا واذا لم يكن من الموت بد فمن العجز ان تكون جبانا”.

قصة مثل “المنية ولا الدنية”:

المنية ولا الدنية هو شعار عربي قديم رفعه العرب في الجاهلية، وصاحبه هو “الزعيم العربي الجاهلي: “هانئ بن مسعود الشيباني”، وكان ذلك يوم كانوا يحيون في شبه الجزيرة العربية لا يتحكم بهم الغرباء المستعمرون، ولا يسيطر عليهم الأبناء المتسلطون المتجبرون، إذ كانت الطبيعة العربية تأبى الدونية التي تعني الرضوخ لمشيئة الغاصب، والاستسلام لتسلط المغتصب الذي يسومهم القهر والعبودية والإذلال.
يُحكى أن “النعمان بن المنذر” قد خشي على نفسه من كسرى، وذلك حين منعه من تزويج ابنته، فأودع أسلحته وحرمه إلى الزعيم العربي “هانئ بن مسعود الشيباني”، وقام بالرحيل إلى كسرى فبطش به، ثم أرسل كسرى إلى هانئ يطلب منه ودائع النعمان، فأبى الأخير تسليمها، فسيّر إليه كسرى جيشًا لقتاله فجمع هانئ قومه آل بكر وخطب فيهم، فقال: “يا معشر بكر، هالك معذور، خير من ناج فرور، إن الحذر لا ينجي من قدر، وإن الصبر من أسباب الظفر، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الطعن في ثغر النحور، أكرم منه في الإعجاز والظهور، يا آل بكر قاتلوا فما للمنايا من بد”، وبالفعل استطاع بنو بكر أن يهزموا الفرس في موقعة ذي قار المشهورة، بسبب هذا الرجل الذي احتقر حياة الصَغار والمهانة، ولم يبالِ بالموت في سبيل الوفاء بالعهود، ثم إن كلامه راح مثلًا يُحتذى ويُضرب في مواقف العزة والكرامة.


شارك المقالة: