الميتافيزيقيا في فلسفة الأكويني

اقرأ في هذا المقال


عندما رفض أرسطو الأفكار أو الأشكال الأفلاطونية وقبول بعض الحجج ضدها التي ابتكرها أفلاطون نفسه في بارمينيدس، لم يرفض بالتالي فكرة أنّ الغاية من التحقيق الفلسفي هي حكمة تنقلب على ما يمكن للإنسان أن يعرفه عن الله.

ادعاءات الفيلسوف جايجر في الميتافيزيقيا:

إنّ البانوراما الرائعة المقدمة في بداية الميتافيزيقيا على أنّها تلمع للادعاء بأنّ كل الرجال يرغبون بشكل طبيعي في المعرفة، يرتفع ويبلغ ذروته في مفهوم الحكمة كمعرفة لكل الأشياء في أسبابها النهائية أو الأولى.

لجزء كبير من القرن العشرين أجريت الدراسات الأرسطية تحت تأثير الفرضية التطورية لفيرنر جايجر عام 1934، ومن وجهة النظر هذه بدأ أرسطو باعتباره أفلاطونيًا متحمسًا يكمن في نظره الواقعي حقًا ما وراء الواقع المعقول، ومع ذلك مع النضج جاءت التجريبية المقدونية الرصينة التي وجهت انتباهها إلى أشياء من هذا العالم وتجنب كل الجهود لتجاوزه.

أما بالنسبة للميتافيزيقا فقد رآها جايجر على أنّها مزيج من كلا النظريتين، ويُعزى المقطع الذي تم التلميح إليه للتو في بداية العمل إلى المرحلة الأفلاطونية، بحيث تحتوي المقاطع الأخرى على فهم أكثر تواضعًا لمدى ونقطة العلم والرياضيات فوق الفلسفة الطبيعية من تحدث أفلاطون، وهناك كيانات توجد بشكل منفصل عن الأشياء المعقولة وتشكل موضوع العلم الأعلى.

كما يجد الرأي الأكثر رصانة دورًا للعلم يتجاوز الفلسفة الطبيعية والرياضيات، لكنه سيتعامل مع الأشياء التي تتركها تلك العلوم المعينة دون مراقبة على سبيل المثال الدفاع عن المبدأ الأول للمنطق، ولكن هذه المهام لا تتطلب ولا تعني مجموعة من الكائنات فوق الأشياء المعقولة، وقد وجد جايجر في عام 1934 هذين المفهومين للميتافيزيقيا جنبًا إلى جنب في مقطع مهم من الكتاب السادس.

قد يطرح المرء بالفعل السؤال عما إذا كانت الفلسفة الأولى عالمية أم أنّها تتعامل مع جنس واحد أي نوع واحد من الوجود، وذلك لأنّه حتى العلوم الرياضية ليست كلها متشابهة في هذا الصدد حيث يتعامل علم الهندسة وعلم الفلك مع نوع معين من الأشياء، بينما تنطبق الرياضيات العامة على الجميع على حد سواء.

وتتم الإجابة أنّه إذا لم تكن هناك مادة غير تلك التي تكونتها الطبيعة فسيكون العلم الطبيعي هو العلم الأول، ولكن إذا كانت هناك مادة ثابتة فيجب أن يكون علمها سابقًا ويجب أن يكون فلسفة أولى وعالميًا بهذه الطريقة لأنّه أولاً، وسينتمي إلى هذا اعتبار أنّه أمر لا غنى عنه، وما هو عليه والسمات التي تنتمي إليه بصفته كيانًا.

يدعونا جايجر لنرى هنا نصبًا تذكاريًا للأمل المفقود وإحجامًا ثابتًا عن تقديم وداع نهائي، حيث يذكر أرسطو إمكانية وجود مادة غير منقولة وشيء موجود بعيدًا عن العالم الطبيعي، وبدون هذه المادة المنفصلة ستكون الفلسفة الطبيعية هي الفلسفة الأولى، وإذا كان هناك مثل هذه المادة فسيكون نوعًا من الاختلاف عن الكائن المادي.

العلم الذي يدرسه سيؤثر على نوع معين من كونه مادة غير منقولة وغير مادي ليست على الوجود، وسيكون علمًا خاصًا وليس عالميًا، كما يرى جايجر أنّ أرسطو يسعى إلى الالتصاق بالعلم الخاص بالمهام التي تنتمي إلى علم عالمي لتحويل اللاهوت إلى علم الوجود.

الميتافيزيقيا كعلم الوجود لدى الأكويني:

بالنسبة لتوماس عندما نفكر في معنى أن تكون حكيماً، فإنّ المرء يدرك أنّه يستخدمه بشكل متماثل وليس بشكل منفرد، وهكذا فإنّ أحد الأشياء التي يقوم بها الميتافيزيقي، كما يعتقد توماس هو تحديد ووصف وتوضيح العلاقة بين الحواس المختلفة للوجود.

فعند دراسة بعض الطرق التي يستخدم بها توماس الوجود، والتي من الأفضل فهم طرق استخدام تعبير الوجود عن طريق التأكيد على أمثلة توماس، ففي مكان واحد يميز توماس أربعة معانٍ مختلفة للوجود، حيث أن تكون بالمعنى الأساسي وهو الوجود الجوهري على سبيل المثال سقراط ، أو شجرة معينة.

ومع ذلك هناك أيضًا حواس ممتدة للوجود، حيث هناك وجود بمعنى مبادئ المواد أي الشكل والمادة، أي بمعنى التصرفات أو الحوادث في مادة ما، على سبيل المثال جودة مادة  ووجود بمعنى الحرمان من التخلص من مادة على سبيل المثال عمى الرجل، على الرغم من استخدام نفس الكلمة للتحدث عن هذه الحقائق الأربعة إلّا أنّ مصطلح الوجود ليس له نفس المعنى بالضبط في هذه الحالات الأربع، على الرغم من أنّ المعاني الأربعة جميعها مرتبطة بالمعنى الأساسي للكون كمادة.

ما هو موضوع الميتافيزيقيا في فلسفة الأكويني؟

الموضوع هنا يعني موضوع خاتمة القياس المنطقي التوضيحي، حيث تحمل مناقشة التعريف في الواقع على المصطلحات الوسطى من القياس المنطقي التوضيحي، والاقتراح هو أنّ الأنماط المختلفة رسميًا للتعريف، فيما يتعلق بالإزالة من المادة والحركة تؤسس الاختلاف الرسمي بين أنواع العلوم النظرية.

يتم تعريف موضوع البرهان في الفلسفة الطبيعية بدون تفرد ولكن مع مادة حساسة عامة أو عالمية، بحيث يتم تعريف موضوع البرهان الرياضي دون أي مادة منطقية، وكيف يمكن التعبير عن موضوع الميتافيزيقيا؟ كما تعتمد إمكانية العلم على معرفتنا أنّ بعض الأشياء توجد بصرف النظر عن المادة والحركة، ولا تفترض الرياضيات وجودًا منفصلاً لأجسامها بحيث الميتافيزيقيا تفعل.

ولكن لماذا لا نقول إذن أنّ الميتافيزيقا تتعامل مع أشياء منفصلة عن المادة والحركة، أي بنوع معين من الوجود؟ لكن هذا ليس الموضوع الذي خصصه أرسطو لهذا الجهد، بحيث يمكن العثور على الأسباب المنهجية في الفصل السابع عشر من الكتاب السابع من الميتافيزيقيا، بأنّه يجب أن يكون موضوع العلم دائمًا معقدًا، وهذا هو السبب في أنّ موضوع هذا الفرع من المعرفة يجري.

لماذا يجب القول أنّ رغبة المرء في معرفة المزيد عن المواد المنفصلة، ويجب أن نأخذ كل الأشياء الموجودة كموضوع لنا؟ الإجابة المختصرة هي كالتالي: لكي تكون الميتافيزيقيا لاهوتًا يجب أولاً أن تكون أنطولوجيًا، فلا يمكن الوصول مباشرة إلى الكائن الإلهي المنفصل لفحصنا أو دراستنا، ونصل إلى أول معرفة آمنة لنا عن الإله في دليل المحرك الرئيسي.

من المثير للإعجاب أنّه بمجرد اعتباره مطلبًا ضروريًا لوجود أي محرك متحرك، لا يصبح المحرك الرئيسي موضوعًا للتحقيق في الفلسفة الطبيعية، وأحد الأسباب الواضحة لذلك هو أنّ هذا الكيان ليس مثالًا على الأشياء التي تقع تحت نطاق العلم، فالمعرفة بها تأتي بشكل غير مباشر وبطرق ملتوية، ويتم تنفيذ نفس القيد عندما يحول الفيلسوف انتباهه إلى الإله.

لكن كيف يمكنه معرفة المزيد عن السبب الأول للأشياء؟ إذا كان المحرك الرئيسي معروفًا من خلال المحرك المتحرك كتأثيراته، فيجب أن تكون أي معرفة إضافية عنه من خلال تأثيراته، ومن خلال وصف التأثير على نطاق واسع قدر الإمكان يسعى المرء إلى الوصول إلى معرفة السبب الأول غير المقيدة بخصائص الأشياء المتنقلة وهذا التوصيف هو الوجود، حيث إنّ موضوع الميتافيزيقيا يجري بكل اتساع من أجل اكتساب معرفة بقضية الوجود التي ستكون في المقابل غير محدودة.


شارك المقالة: