النصوص الأساسية والمناهج والقضايا في الميتافيزيقيا العربية

اقرأ في هذا المقال


من بين التخصصات الفلسفية المنقولة إلى العالم العربي والإسلامي من اليونانيين، كان علم ما وراء الطبيعة ذو مكانة وأهمية قصوى؛ لأن دورها المركزي في التاريخ العام لنقل الفكرة اليونانية إلى اللغة العربية أصبح واضحًا.

وتتزامن بداية الفلسفة العربية مع إنتاج أول ترجمة عميقة لعلم ما وراء الطبيعة للفيلسوف أرسطو، ضمن دائرة المترجمين المرتبطين بمؤسس الفلسفة العربية الكندي، وتنتهي المرحلة المسماة بالمرحلة المبكرة أو الكلاسيكية للفلسفة بأكبر شرح على الميتافيزيقا المتوفرة في الفلسفة الغربية لابن رشد.

لا يزال العصر اللامع التالي للثروة الفكرية العربية يهتم بشكل أساسي بعلم ما وراء الطبيعة، متحولًا من جهد تفسير التفاصيل الدقيقة نص أرسطو الكنسي إلى عملية فهم نموذج العلوم الميتافيزيقية التي حددها المفكر الفارابي أولاً ثم نفذه وعمل بها ابن سينا.

في بداية الميتافيزيقا وفقًا للطريقة العربية لترتيب كتب هذا العمل وهو كتاب (Alpha Elatton) من الفصل الأول، تمكن الفلاسفة العرب حتى من إيجاد مبرر لنسبهم اليوناني، وسبب وجودهم في مجتمع يغلب عليه الدين.

حيث يقال إنّ الفلسفة يجب أن تكون أساسًا بحثًا، كما يجب توجيهها نحو هدف  وهو الحقيقة، والذي يتجاوز القدرات الفردية البشرية سواء من الناحية الموضوعية، إلى نطاقها الواسع للغاية وبشكل ذاتي لضعف القدرات المعرفية للإنسان، وبالتالي يلزم أتباعها للانضمام إلى جهودهم مع جميع محققي الحقيقة السابقين والحاليين.

أصل فلسفة الميتافيزيقيا العربية:

من الواضح أنّ مصير علم ما وراء الطبيعة كأحد فروع الفلسفة في العالم المتحدث بالعربية وفي العالم الإسلامي يمشي بخط متوازٍ بشكل عام مع استقبال علم أرسطو وتحويله وتحوله إلى ميتافيزيقيا.

فالميول لأرسطو في المرحلة الأولى من الفلسفة في العالم الناطق بالعربية، والتي تميزت بقبول الموقف الأفلاطوني النقدي في الميتافيزيقيا وما أُلحق على ذلك من رفض لنظريات وعلم أرسطو، كما هو موضح في آراء أبي بكر محمد بن زكريا الرازي، حيث أصبحت واضحة وبقيت ظاهرة محلية قصيرة العمر.

في العالم الناطق بالعربية تبدو الفلسفة المألوفة والمنتشرة، بحيث كانت الميتافيزيقيا محور النظام العكسي لعدة قرون، وتعد أعمال الفيلسوف أرسطو أحد الأعمال اليونانية المنفردة المذكورة في الجانب المتخصص بالميتافيزيقا في التصنيفات العربية للعلوم.

ولم تتم ترجمة أي أعمال بالجانب الفلسفي الميتافيزيقي من الثقافة اليونانية غير أعمال أرسطو، ولم يتم التعليق عليه بنفس الأسلوب المستمر والواسع والمتنوع أو حتى الاقتباس على مدى واسع في الحجج والأعمال الأصلية.

المركبات الأخرى للفكر الميتافيزيقي اليوناني مثل لاهوت أرسطو، التي كان هدفها المعلن جعل عمل أرسطو متوافقًا مع الخلق الإسلامي عن طريق عقيدة الانبثاق الأفلاطونية الحديثة، حيث كما تم التأكيد منذ البداية على أسبقية الميتافيزيقا كنص رئيسي للميتافيزيقا، وتصوير أرسطو بشكل خيالي باعتباره مؤلف تعديل المادة أفلوطين التي يتم بواسطتها الانتهاء المطلوب من الميتافيزيقا.

وإذا كانت الميتافيزيقيا وكذلك المجموعة الأرسطية بأكملها قد خضعت لكسوف تدريجي في فلسفة ما بعد ابن سينا ​​العربية، فإنّ هذا لم يكن بسبب تراجع هيبتها، ولكن بسبب نجاح دمج ابن سينا ​​للنص وعقيدة عمل أرسطو في موسوعته الجديدة عن العلوم الفلسفية العلاج أو الشفاء، حيث أكد باستمرار اعتماده على تعليم المعلم الأول أرسطو وتلاميذه.

مناهج فلسفة الميتافيزيقيا العربية:

من الجانب التخطيطي لجأ المؤلفون بشكل رئيسي على  العرب ثلاثة أساليب رئيسية لمعالجة كتابات المتعلقة بالميتافيزيقيا التي عمل بها أرسطو، وقد توافقت مع ثلاثة مناهج أدبية ذات طابع متنوع ومختلف كما يلي:

1- التصنيف: وهو النهج الأول ويوجد في المقالات ذات الطابع التصنيفي، والتي يجب أن تحدد مضمون علم ما وراء الطبيعة وتشرح المكان في المجموعة الأرسطية، والإشارة إلى مكان تخصص الميتافيزيقيا في النظام من المعرفة.

2- التفسيرية: وهو نهج يقوم على اساس التأويل، وهنا تهدف الردود إلى شرح مضمون الميتافيزيقا بدرجات متفاوتة من المهارة وبمستوى شامل.

3- التكيف: هو النهج الثالث والأخير حيث يظهر جليًا في الأطروحات الفكرية في علم ما وراء الطبيعة، ويتم فيها إعادة إنشاء عقيدة فلسفة أرسطو، ويقصد بها أن تكون صياغة أصلية بغض النظر عن درجة الثقة في نموذجه اليوناني.

وقد أقترب كل المؤلفين الأساسيين ممن قاموا بالبحث في علم ما وراء الطبيعة من فلسفة الفيلسوف أرسطو في عقيدتع عن الميتافيزيقا، بحيث تبايبنت وجهات النظر والدرجات والمستويات.

قضايا فلسفة ميتافيزيقيا العربية:

وقد بحث المحللون والمفسرون الناطقين بالعربية في الميتافيزيقا من ثلاثة جوانب رئيسية:

1- في البداية عملو على التفكير في البنيان العلمي للنظام الذي عمل به أرسطو، وكذلك ركزوا بشكل خاص على المحاور الرئيسية، على سبيل المثال في المسائل الميتافيزيقية التي تتعلق بعلمي الوجود واللاهوت أو كلاهما، والتكوين والأسلوب والموقع في نظام المعرفة.

وأخذت هذه الفلسفة بعين الاعتبار المكانة المعرفية لعلم ما وراء الطبيعة الخاص بأرسطو، وذلك بسبب عدم خوض أرسطو بعلم الرياضيات فقد احتوت الفلسفة العربية الخاصة بالميتافيزيقيا علم الرياضيات بالصورة النظرية من إقليدس وبطليموس.

2- الاهتمام الثاني هو دراسة في فلسفة محددة متخصصة في المواضيع المتميزة داخل علم ما وراء الطبيعة، سيما أنّ الموضوعات ذات الأهمية في البحث عن علم الوجود أو الأنطولوجيا، وهي الجوانب المختلفة لنظرية الجوهر مثل توضيح علاقتها بالشكل والجوهر ومناقشة الحالة المعرفية والأنطولوجية للعوالم…إلخ، من الأهمية بمكان في علم الكونيات النقاش حول الخلود مقابل.

نشأة العالم وطريقة إنتاج الكون بالمبدأ الأول، سواء عن طريق الانبثاق من جوهرها أو الخلق من العدم، وأخيرًا في اللاهوت الفلسفي توفر الميزات التي ينسبها أرسطو إلى الحركة الإلهية غير المتأثرة، مع إيلاء اهتمام خاص لضرورة وحدتها وطبيعتها الفكرية، ونقاط الانطلاق لتطورات بعيدة المدى.

3- الاهتمام الثالث هو البحث في علاقة علم دراسة العقيدة الإلهية (فلسفة علم اللاهوت) المذكورة في علم ما وراء الطبيعة أرسطو بالعقيدة الإسلامية، أي قياس درجة الملائمة ما بين المفهوم العقلاني للعقيدة الإلهية التي نقلت من الفلسفة والثقافة اليونانية وصورة الله التي جاءت بالعقيدة النبوية الإسلامية.

تسمح فرضية وحدانية وتفرد الحقيقة االمشترك بين الفلاسفة العرب، في الجانب المتعلق بعلم ما وراء الطبيعة من الفلسفة، وذلك من خلال تصوير عقلاني ومنطقي ومتسقة مع نفس العالم الإلهي الذي كشفه الوحي، مما يجعله في إطار التنافس مع علم العقيدة الإسلامية.

نتيجة لذلك تبين هنالك ترابط وتناسق ما بين هذه الاهتمامات ذات الطابع العقائدي، وذلك بسبب أنّ علم ما وراء الطبيعة كمنظور علمي، ومكانة معينة حول محاور عقائدية معينة بإمكانها أن توثق وتزيد أو تبعد المسافات بين الميتافيزيقا مع العقيدة الإسلامية وقدرتها على الإندماج بالثقافة العربية الإسلامية.

إنّ مفهوم الميتافيزيقا الذي يقصر ويحد نطاق هذا العلم على اللاهوت الفلسفي، ويقلل من أهمية العقيدة العامة للوجود، هو مناسب بشكل خاص للتأكيد على توافقه مع الإسلام.

على النقيض من ذلك فإنّ وجهة نظر الميتافيزيقا التي يلعب فيها البعد الأنطولوجي بالإضافة إلى اللاهوتية دورًا بارزًا، والتي تتعارض فيها خصائص المبدأ الأول، وليست متطابقة مع الصفات الإلهية الإسلامية والتي تسير في الاتجاه المعاكس.

تُفترض هنا المناهج النصية المختلفة والحلول النظرية للمشكلات المذكورة أعلاه كإرشادات للتعبير عن تاريخ الاستقبال العربي للميتافيزيقا، وعلى هذا الأساس يمكن تمييز سبع فترات كرونولوجية رئيسية تقريبًا، والتي تبلغ المراحل الخمس الأولى ذروتها في المرحلة السادسة أي في ابن سينا، الذي يظهر كنقطة تحول في تاريخ الميتافيزيقيا العربية.


شارك المقالة: