النظريات الفلسفية في الترجمة

اقرأ في هذا المقال


من أكثر الفنون التي تم وضع النظريات في مجال الترجمة هي الترجمة الأدبية، وكانت هذه النظريات تختلف على مدار القرون، فكانت في بداية الأمر هذه النظريّات تركّز على تفاصيل صغيرة، ولكن بعد ذلك طرأ عليها الكثير من التحديثات والتطويرات وأصبحت تشمل نصوص الترجمة كاملةً، سنحكي عزيزي القارئ في هذا المقال عن النظريات الفلسفية.

ما هي النظريات الفلسفية في الترجمة

النظريات القديمة تطلق على المترجم اسم (الوسيط)، أو الناقل المحايد الذي يؤدّي عمله بكل شفافية، وكانت كذلك تصف الترجمة بأنّها أداة موضوعية، ولكن الأمر الذي اتّضح هو تأثّر المترجم دائماً بالتغييرات الثقافية التي تحدث، وأصبحت العلمية تبادلية؛ فالثقافة تؤثّر على الترجمة والترجمة تؤثّر أيضاً على الثقافة بنقلها ثقافات من بلدان أخرى.

في القرن العشرين صار البحث عن الترجمة كنوع من الدراسات الثقافية العامّة، وهي تقوم بالمساهمة بتنشيط عوامل اقتصادية أو اجتماعية، ولكن هذا الأمر في بدايته لم يكن أي أحد يلقي بالاً أو ينتبه بشأنه؛ والسبب في ذلك أن الترجمة كانت تركّز في بدايتها على اللغة أكثر من المضمون، وعندما توايد الوعي بالدور الذي تؤدّيه الترجمة وقوّة دور المترجم في الساحة الثقافية؛ أصبح الاهتمام بمجال الترجمة أكثر قوّة وحيويّة، وكان ذلك في فترة التسعينات.

حلّت النظريات الفلسفية الثقافية مكان النظريات القديمة التي ذكرناها سابقاً، وكان من أهم هذه النظريّات الفلسفية هي دور المترجم في عملية الترجمة، ومدى قوّة تأثيره فيها، ومن أهم الكتب الذي ظهرت وقتها هو الكتاب الشهير (إعادة التفكير في الترجمة/الخطابة والذاتيية والأيدولوجية) لمؤلّفه الشهير (فينوتي)، ويشرح مضمون هذا الكتاب أهميّة العوامل الثقافية والاجتماعية في الترجمة.

وتبع هذا الكتاب كتاب آخر بعنوان (اختفاء المترجم تاريخ للترجمة)، ويحكي هذا الكتاب عن الإيجابيات الأساسية في اختفاء المترجم، وهو مصطلح يختصّ بأهميّة أن يتبّع المترجم روح الكاتب الأصلي في الترجمة، وأخيراً ألّف كتاب (فضائح الترجمة/نحو شرعة الاختلاف)، والذي يحكي عن مجموعة دراسات تم اختلاقها في مجال الترجمة.

وكانت أغلب تلك النظريات الفلسفية تكاملية؛ حيث تصف هذه النظريات عملية الترجمة هي علم من العلوم الإنسانية التي تتكامل فيها المناهج المحمّلة بالقيم والثقافة والأفكار، ولا يمكن للترجمة أن تقدّم لنا العلوم الإنسانية دون أن تحوي القيمة الأساسية بداخلها، ولكن عارض هذه النظرية أصحاب المنهج الوصفي، والذين يصفون عملية الترجمة هي عبارة عن نقل للعلوم البريئة من القيم.

ولكن بعد عدّة خلافات توصّل (توري) بأن المترجم عندما يقوم بتحليل البيانات والدلالات المعطاة من خلال النص المترجم؛ فإنّه لا بدّ له أن ينظر للقيم القافية والمعتقدات السائدة به في الوقت ذاته، بالإضافة للمعتقدات الاجتماعية والأيدولوجيّات والتي تخدم مصالح جماعات معيّنة، وهذه الجماعات عادةً ما يكون لها مؤسّسات اجتماعية وتقوم على إنتاج الكثير من الأعمال المترجمة، وتشغل في المجتمع مكاناً لها في جداول الأعمال.

ويدخل في جداول الأعمال هذه مجموعة فئات الناقد الذي يحكم على العمل، بالإضافة إلى مجال التسويق والمبيعات ولكل من هؤلاء دور محدّد في الجداول الثقافية والسياسية كذلك، وبالتالي يجب على المترجم أن ينتمي لتلك الثقافة؛ وله أن يقبل بها أو أن يرفضها، ولكن تبقى مهمّته الأساسية هي توصيلها للقارئ بكل حياديةّ، وهنا يظهر معنى مصطلح (اختفاء المترجم).

فمن المهمّات الأساسية التي يجب على المترجم القيام بها هي إيصال الفكرة بشكل واضح، كما أنّه يجب عليه أن يقوم بعمله بكل سلاسة بحيث تكون نصوصهم متفقّة بحد كبير مع النصوص الأصلية، والمهمّة الأخيرة المساهمة في إمتاع القارئ أثناء القراءة، وكذلك الشفافية هي من صفات المترجم الأساسية؛ بحيث يبحث المترجم عن أعمال الترجمة مهما كان نوعها قصة أو رواية أو قصيدة أو غيرها والتي تكون خالية من أي غرابة في الأسلوب أو اللغة؛ والمقصود بذلك أن يعكس هذا العمل ملامح كاتبه الأصلي وصفاته.

وكانت جميع النظريات الفلسفية في القرن العشرين تؤكّد أهميّة مصطلح (اختفاء المترجم)، وتعتبر أن عملية الترجمة هي عبارة عن نشاط مستقى من التأليف، وشاع في هذا العصر أيضاً أن الترجمة هي صورة من صور الدرس الأدبي، وتم مناقشة مصطلحين أساسيّن وهما: التجنيس والتغريب أو ما يسمّى بإضفاء الطابع المحلي أو الأجنبي للترجمة، ولكن رجح مذهب إضفاء الطابع المحلي على إضفاء الطابع الأجنبي في طرائق الترجمة؛ والسبب في ذلك هو أن الترجمة يجب أن تصف الثقافة المحليّة بسبب آثار الاستعمار التي حاولت القضاء عليها.


شارك المقالة: