فن الترجمة الأدبية وضع له العديد من النظريات، واختلفت في مجاله الكثير من الآراء ووجهات النظر، وكانت ذروة الاختلافات على تلك النظريات هي في فترة الخمسينات والستّينات، سنتحدّث عزيزي القارئ في هذا المقال عن أهم النظريات الوظيفية للترجمة، بمعنى ما هي النظريات التي تختصّ بوظائف الترجمة.
النظريات الوظيفية للترجمة
في أواخر الستّينات كان هنالك اختلاف كبير في الآراء حول التفاصيل الصغيرة التي تختص بالمعنى اللغوي للكلمة، وتم وضع نظرية خاصّة بالترجمة من قبل فيناي وداريليه، ولكنّ هذا النموذج من النظريات كان يتصف بالجمود؛ والسبب في ذلك عدم وضوحه أبداً، بل إنّه كان يعتمد على الإحصاء والعد بشكل أكبر، لذلك بدأ رفع هذا النموذج وصار بدلاً من تركيزه على تفاصيل صغيرة كأجزاء الكلمة، يركّز على مستوى الخطاب ككلّ.
صارت الترجمة في فترة الستّينات والسبعينات تركّز على ترجمة الأسلوب، وتبتعد عن التفاصيل الصغيرة، وبذلك بدأ المدخل الوظيفي للترجمة بالنشوء، وكان لهذا المذهب في فترة الثمانينات عدّة ملامح ومن أهمّها:
- ظهور عدّة دراسات تختصّ بأنماط النصوص ووظائف اللغة.
- يوستا هولتس صاحب نظرية (فعل الترجمة).
- النظرية التي وضعها هانز وهي (نظرية الترجمة الوظيفية).
- النظرية التي وضعها كريستيان نود وهي نظرية التحليل النصي التفصيلي.
وبفضل النظرية الأخيرة تم الدخول بشكل مفصّل إلى نظريات الترجمة الوظيفية، خاصّةً في فترة التسعينات، وأصبح عمل دارس الترجمة هو دراسة فصل الترجمة ككّل وليس كأجزاء بسيطة، وهذا من أجل أن يتحقّق مبدأ التعادل والتواصل في الترجمة، وبدأت دراسات التقييم الترجمي للنصوص.
وبناءً على دراسات التقييم الترجمي للنصّ، تم تقسيم النص لعدّة أنواع وأنماط، وأصبح لكل نمط وظائفه الخاصّة به، وتتلخّص هذه الخصائص في النقاط التالية:
- التوصيل البسيط للحقائق، ويعني عملية توصيل أي معلومة أو رأي يختص بالبعد اللغوي، ويعتبر البعد اللغوي بعد منطقي؛ والسبب في ذلك هو أن المضمون أو الموضوع للنص هو الأساس في توصيل المعلومة، ويعتبر هذا النمط نمط إخباري.
- خاصيّة التأليف الإبداعي ويعتبر هذا النمط مختصّ بالصور الجمالية للغة، وهذا النمط يعتبر نمط تعبيري؛ إذ إنّ المؤلّف في هذا النمط هو شيء أساسي.
- خاصيّة طلب الاستجابة السلوكي، وهو يسمّى بنمط الداعي للعمل، ويعني دعوة القارئ لتمحّص الحوار؛ والهدف من ذلك هو دعوته للقيام بعمل شيء ما.
- خاصيّة النصوص التي تحتصّ بالوسائط والسمعيّات، على سبيل المثال النصوص التي تختصّ بالإعلانات والنشرات الجوية أو أي نوع من الدعاية المرئي او المسموع، وهي تضيف إلى الخصائص القبلية بعض الصور والموسيقى وغيره.
وبذلك تحقّق هذه الخصائص الوظائف الأساسية للغة، وهي وظيفة الإخبار وهو النمط الإخباري والمنطقي، ووظيفة التعبير وهو النمط التعبيري، ووظيفة المحاكاة للصور والإبداع، وأخيراً وظيفة الدعوة للاندماج للتخاطب والحوار لقارئ النص، لذلك وبناءً على تلك الخصائص فيجب على المترجم أن ينتج نصّاً بإمكانه تحقيق الاستجابة المنشودة، وأن تخضع عملية الترجمة للتعديل والتحوير، وهذا كلّه بغية تحقيق التعادل في التأثير.
ومن بعض الأمثلة على كل نمط؛ يعتبر أي كتاب مرجعي هو مثال على النمط الإخباري، أمّا القصائد والشعر فهي مثال على النمط التعبيري لأنّه يركّز على الشكل، أمّا نصوص الدعاية والإعلان فهي تمثّل النمط الداعي للقارئ أو السامع؛ فهي إمّا أن تكون نصوص مسموعة أو مرئية، وهنالك بعض الأمثلة التي تجمع أكثر من نمط؛ فعلى سبيل المثال السيرة الذاتية تجمع بين النمط الإخباري والتعبيري أيضاً.
وعلى سبيل المثال الكتب الدينية تجمع بين النمط الإخباري؛ فهي تقدّم معلومات عن الدين، والنمط الداعي فهي تدعو القارئ إلى التفكّر والاستماع، الخطاب الانتخابي فهو نمط داعي، المسرحية هي نمط تعبيري، الكتب السياحية أو الإرشادات على سبيل المثال فهي تابعة للنمط الإخباري، وهكذا.
المعايير التي تحكم على الخصائص الوظيفية للترجمة
- المعايير اللغوية الداخلية سواء كانت لفظية أو دلالية أو تعبيرية.
- المعايير الخارجة عن اللغة مثل: الحال، الموضوع، الزمن، المكان، المتلقّي المرسل، الإيحاءات الشعورية مثل السخرية أو الفرح أو الحزن أو الفكاهة وما إلى ذلك.
وبشكل عام وعلى الرغم من أن تلك المعايير هي شاملة لجميع الأنماط المذكورة سابقاً؛ إلّا أنّها تتفاوت في مدى أهميّة كل واحدة منها، وذلك بناءً على نمط النص، وهذا لأن ترجمة أي نص يرتكز بشكل أساسي على المضمون الداخلي له.