النقد الأدبي في العصر الجاهلي

اقرأ في هذا المقال


إن النقد في فترة الجاهلية كان يركز على العديد من السمات البارزة التي تتحكم في المقطوعات النثرية والدواوين بشكل عام، ويتفق النقد مع الأدب من زاوية النمط واللغة لتكون المقطوعات موضوعية وعلمية تتفق والذوق العام بالمحيط الذي يعيش به الشاعر، وفي هذا المقال سنتعرف ما يخص النقد في تلك الفترة وأشهر القضايا التي عرفها النقد.

توضيح مفهوم النقد الأدبي

الأدب يتقدم النقد لولا تقدمه لما كان النقد والأدب شيء احترافي والنقد تذوق لذلك العمل والكاتب مُطالب بالتوضيح الإبداعي، ومتولي النقد مُطالب بنقد ذلك التوضيح بجدية دون تحيز، وبما أن الأدب تميز فيجب أن يكون النقد تميزًا أيضًا، يعتبر النقد وسيلة توضيح وشرح وأيضًا تقييم الأعمال، وتتم طريقة النقد بأربع طرق وهي:

1- الملاحظة.

2- التوضيح.

3- التفسير.

4- التقييم.

ويتم في الطريقة الأولى التمعن بالنص واستيعاب معناه، ويقوم متولي النقد في المرحلة الثانية بشرح النص وتجزئته إلى مكوناته الأولية وفهم أسلوب تنظيم الأقسام مع بعضها.

في الثالثة يوضح الناقد الربط بين الأقسام والمكونات وفهِم ما يريد الكاتب قوله، وبعدها يطلق حُكمه المعتمد على استيعاب للنص، يركز النقد على تقييم الأطراف الحسنة والسيئة في العمل، وهو لا يقف على التعمق في سيئات النص، وتكون هنالك قواعد وشروط يعود إليها متولي النقد في شرحه للنص.

وأسلوب النقد غالبًا يفصح عن رأي المتلقي لما يدور في النص، فقد يطمئن القارئ لنص ما وقد لا تحب بعض الأمور في النص ذاته، فما يكون حسن ومقبول لقارئ ما غير مناسب لقارئ آخر.

النقد في العصر الجاهلي

إن النقد في تلك الفترة كان متواضعًا وذو سمة يتميز بها مما جعله الطريقة الأولى في بروز النقد المشرقي، وتوسع النقد في الكثير من الأسواق العلمية في ذاك الوقت مثل: ” سوق عكاظ ومركز وذي المجاز”.

حيث كان رواد الشعر سابقًا يلتقون لطرح الكلام المنظوم لكافة مرتادي هذه المراكز، وهذا الشكل من النقد لم يرتكز على قواعد أو أحكام وأشهرها مثال على هذا الشكل النقد بين الخنساء وحسان بن ثابت.

خصائص النقد في العصر الجاهلي

النقد الفطري

1- من أول الصفات التي يرتكز عليها النقد أنه بديهي، حيث كان مرتبطًا بالبيئة الفطرية للأشكال الأدبية المتوفرة في ذاك الزمن فكان سببًا في بعده عن التفسير المتصنع.

2- وكان النقد بشكل عام شائعًا في تلك الفترة بالرغم من أن النقد في ذاك الوقت بديهي إلا أنه لا يتصف بالعشوائية.

جزئية النقد

من أهم السمات التي ينفرد بها النقد في ذاك الوقت أنه يدمج ويقع ما بين نمط النقد الجديد والعتيق في المقطوعة الواحدة، كما يتم نقد المقطوعة وتوضيح أبسط أجزائها مثل طرق التشكيل المستعملة في المقطوعة.

النقد شديد الاختصار

1- يعتبر النقد في ذلك الوقت موجزًا؛ لأنه يهتم بالحكم النهائي على الابيات ولا يقوم ناظم الكلام بتوضيح العوامل الخاصة بهذا الحكم، فالنقد في هذه الوضع يكون مصنع من الذوق العام الخاص بالناقد.

2- النقد الجاهلي يعتبر شكل من أنواع التبادل البلاغي الذي تستعمل في توضيح الصور والمفردات بدون الإسهاب بالكلمات.

وظائف النقد الأدبي في العصر الجاهلي

التفسير والمراجعة

يعتبر الشَّرح في النقد أحد المهام الهامَّة في النقد لأنها تقوم بتوضيح أهداف النقد وإبراز صورها لكلًا من القارئ والمتلقي.

بناء وتقويم العمل الأدبي

1- إن هذه العملية تركز على دمج نتائج خبرة صاحب الكلام المنظوم ويتألف منها العمل، حيث يقوم بالتفسير والتمييز بين النصوص.

2- ونظر أغلب رواد الشعر القدامى أن هذه المهمة موجود فيها نسب مرتفعة لتوجه رواد النقد على العمل وأسلوب بنائه.

توجيه الأدب والأدباء

1- يتم استعمال هذه المهمة في حالة معرفة رواد النقد أن الشاعر همَّ في التنحي عن الواقع وبدأ يندمج بالخيال مما يطور أداء وشكل مقطوعاته.

2- وهذه المهمة تساعد في أن تكون المقطوعات متعلقة بالواقع والمجتمع.

قضايا النقد الأدبي في العصر الجاهلي

1- من مسائل النقد الضرورية في هذا العصر هي مسألة عمود الكلام المنظوم.

2- من المسائل التي يهتم بها رواد النقد مسألة المفاضلة بين رواد الكلام المنظوم ومقطوعاتهم.

3- السلب الأدبي من المسائل الضرورية التي يتم توجيهها للأدباء.

4- مسألة تمازج العلاقة بين الكلام المنظوم والمجتمع وتقاليده وثوابته.

5- يركز الأغلب بمسألة الوحدة والكثرة في القصيدة.

6- من سيئات النقد في ذلك الوقت جعلُها الأدباء عرضة للمسائل وعدم وجود قوانين تحكم في المقطوعة مما يكون الحكم زائف ويتصف بالشمولية وتنقصه الدقة.

نموذج على النقد الأدبي في العصر الجاهلي

كان أهل الكلام المنظوم والخطباء يلتقون في سوق عكاظ نهاية السنة، يستعرضون إنتاجاتهم وينتظرون آراء  رواد النقد فيها والحُكم لها أو ضدها، وكان يوضع للنابغة قبَّةٌ حمراءُ مصنوعة مِن الجِلد وهذا يدل على اهتمام المشرق بالنقد، وإجلالهم لرواد النقد، وعرف عن النابغةَ فصل في العديد من المقطوعات وقارَن بين العديد من أهل الكلام المنظوم، ولعل نقده مرتبطًا بالتوضيح في الكثير منها، ومثال على ذلك قدوم الأعشى بن قيس، الذي ألقى قصيدتَه التي تقول:

ما بكاءُ الكبيرِ بالأطلال

وسؤالي وما ترُدُّ سؤالي

وبعد ذلك حسَّان فيلقي قصيدته التي مطلعها:

ألم تسأَلِ الرَّبْعَ الجديدَ التَّكلُّما

بمدفعِ أشداخٍ في برقة أظلَما

والتي فيها:

لَنا الجَفَناتُ الغُرُّ يَلمَعنَ بِالضُحى
وَأَسيافُنا يَقطُرنَ مِن نَجـدَةٍ دَما
وَلَدنا بَني العَنقاءِ وَابني مُحَـــرِّقٍ
فَأَكرِم بِنا خالاً وَأَكرِم بِنا اِبنَما

وبعد ذلك تلقي الخَنْساء قصيدتَها:

قذًى بعينِك أم بالعينِ عوَّارُ

أمْ ذرَّفَتْ أنْ خَلَتْ مِن أهلِها الدارُ

” فقال النابغة: لولا أن أبا بصيرٍ أنشدني قبلكِ، لقلتُ: إنكِ أشعرُ الجنِّ والإنس، فقال حسان: لأنا أشعرُ منك ومِن أبيك ومِن جدك، فقال له النابغة: إنك لشاعرٌ، لولا أنك قلَّلتَ الجفَنات فقلَّلتَ العدد، ولو قلتَ: الجِفان، كان أكثر، وقلت: يلمَعْنَ بالضحى، ولو قلت: يشرقنَ بالدُّجى، كان أبلغ، وقلت: يقطُرْن، ولو قلت: يجرين، كان أبلغ، وفخرتَ بما ولدتَ، ولم تفخَرْ بمن ولَدك، على أنك يا بني لا تحسن أن تقولَ: “

فإنَّك كالليلِ الذي هو مُدْركي

وإنْ خِلْتَ أنَّ المنتأى عنك واسعُ

وفي النهاية نستنتج أن النقد في ذاك الوقت كان يركز على الكثير من السمات البارزة التي تتحكم في المقطوعات النثرية والدواوين بشكل عام، والأدب جاء قبل النقد وبدون حضور الأدب لا يوجد نقد فالأدب مهارة والنقد توضيح لذلك العمل، والنقد في ذلك الوقت كان متواضعًا وذو سمة يتميز بها مما جعله الطريقة الأولى في بروز النقد المشرقي.

المصدر: في الأدب العباسي تأليف محمد مهدي البصير 2020تاريخ الأدب العربي في العصر العباسي تأليف السباعي بيومي 2020أدب السياسة في العصر الأموي 2020شعر من المهجر تأليف محمد قرة علي 2018الأدب في العصر الجاهلي 2014


شارك المقالة: