الفيلسوف برادلي ومفهوم الإرادة

اقرأ في هذا المقال


وُلد فرانسيس هربرت برادلي في كلافام بلندن في 30 يناير 1846 لإيما لينتون الزوجة الثانية لرجل الدين الإنجيلي تشارلز برادلي والد اثنين وعشرين طفلاً في زواجين، حيث انتقلت العائلة إلى شلتنهام في عام 1854 وذهب برادلي إلى كلية شلتنهام ومدرسة مارلبورو وكلية جامعة أكسفورد، حيث حصل في عام 1867 على الدرجة الأولى في الاعتدال الكلاسيكي، وفي عام 1869 حصل على الدرجة الثانية في الأدب الإنساني.

في عام 1870 أصبح زميلًا مدى الحياة في كلية ميرتون بشرط أن يظل حاصلاً على درجة البكالوريوس، كما شارك قليلاً في الحياة الفكرية في أكسفورد بعد عام 1871 بسبب اعتلال صحته الشديد، وأصبح أكثر وأكثر انعزالًا مع تقدمه في السن لكنه لعب دوره في إدارة الكلية، وفي الشتاء يسافر إلى القارة للاستفادة من صحته وأصبح صديقًا مقربًا لسيدة إي رادكليف (E. Radcliff) التي يقال أنّه كان يكتب لها كل يوم تقريبًا.

أنواع الإرادة في فلسفة برادلي:

يسمي برادلي هذا الجانب الخاص من الإرادة للإشارة إلى أنّ الاختيار الإرادي موجه نحو إجراءات محددة في العالم، فعلى سبيل المثال لو تم مقارنة بين سالي وجوان من الأفضلية فإنّه وحتى لو لم تستطع سالي تنفيذ خططها على سبيل المثال لأنّها مشلولة فإنّ رغبتها لا تزال تستهدف القيام بشيء محدد، ومن ناحية أخرى عندما نقول أنّ سالي لديها إرادة فإننا نتصورها على أنّها مستمرة وراء أي خيار واحد محدد ونراها كمالكة ومؤلفة لما تشاء.

يسمي برادلي هذا الجانب العالمي للإرادة: “الإرادة ككل هي وحدة هذين العاملين وإسقاطها أو تنفيذها في الوجود الخارجي، حيث تحقيق كل من الجانب المعين هذا أو ذاك الذي يتعين القيام به، وإدراك الجانب الداخلي للذات في القيام بذلك”، وتعكس الأطروحة الأخلاقية لإدراك الذات أهمية كليهما من أجل خلق شخصيتنا الأخلاقية من خلال اختياراتنا وأفعالنا، ويستلزم كل من أفعال الإرادة الخاصة والإرادة القائمة التي يتم تطويرها من خلال هذه الخيارات.

في مقالاته اللاحقة عن الإرادة يُعرَّف الإرادة على أنّها “الإدراك الذاتي لفكرة يتم من خلالها التعرف على الذات”، ومرة أخرى هذا يصور الذات التي يمكن أن تتماهى مع كائن مثالي ويمكنها من خلال الفعل أن تدرك (تحدث) الحالة التي يمثلها الكائن المثالي، وعندما يحدث هذا تتحقق الذات أيضًا بسبب ارتباطها بهذا الكائن.

مكونات الإرادة:

يكشف التحليل الكامل عن خمسة مكونات ضرورية:

1- الوجود.

2- فكرة التغيير.

3- التغيير الفعلي للوجود من خلال الفكرة.

4- محتوى الفكرة.

5- في هذا التغيير تشعر الذات بأنّها محققة.

ويجب أن تكون الذات التي تستمتع بالشيء المثالي (الشيء المتعمد) وتحدد رضاها عن هذا الشيء والتي تشعر بالرضا عندما يصبح هذا الشيء حقيقيًا في العالم وهي نفسها، وهذه هي النقطة الأساسية للقول إنّ للإرادة جانبًا عالميًا.

إنّ الفرضية القائلة بأننا نهدف إلى أن نكون كاملين فإنّه يتم تسليط الضوء عليها بشكل أكبر من خلال النظر في الاختيار الإرادي من المنظور الداخلي للعامل الأخلاقي الفردي، وهذا الوكيل والممثل مدرك لكونه نفس الشخص من خلال أفعال اختيار محددة، ووعي بكونه (أنا) والذي يريد فعل هذا أو ذاك.

ولكن في الوقت نفسه هناك أو يجب أن يكون بعض عدم اليقين بشأن من أو ماهية هذا (أنا) لأنّ هناك ازدواجية مدمجة في البنية المنطقية للاختيار الطوعي من حيث أنّها تتطلب إدراكًا لكل من الحالة الحالية يتم تمثيل الذات والدولة العليا كدولة مستقبلية محتملة.

بما أنّ كلاهما يمثلان هذا الشخص ينشأ التوتر مع الرغبة في حل التوتر، حيث لذلك يوجد في شخصية المرء نوع من الحركة نحو استعادة وحدة الذات من خلال التغلب على الثنائية الموجودة بالضرورة في أي إرادة، وفي وقت لاحق يتم تقديم هذا النوع من الصراع في نظرية برادلي الأخلاقية من حيث تطور الذات الصالحة والنفس الشريرة والصراع بينهما.

يقول برادلي بعد ذلك أنّ ما نرغب فيه حقًا ليس فقط أن نكون كاملون بل كلًا لا نهائيًا، وهذا يقدم عقيدة ميتافيزيقية خاصة، وربما لبعض العقول أنّه إذا كان (A) يعتمد على (B) فإنّ (A) ليس حقيقيًا في حد ذاته لأنّه محدد من خلال علاقته بـ (B)، فإنّه حقيقي مستقل، حيث إنّه ما هو عليه من حيث ميزاته ووظائفه (من وجهة النظر هذه فإنّ كلمة “الحقيقي” هو مصطلح معياري) فالشيء الذي ليس له علاقات خارجية تمس ما هو وما يمكنه فعله هو شيء لا نهائي، وعلى النقيض من ذلك فإنّ الكيان المحدود لديه شيء يحده.

يتعلق هذا بتحليل الذات في العمل الأخلاقي لأنّه بالنظر إلى هذا المفهوم لما يعنيه أن تكون حقيقيًا حيث يتطلب الاستقلال التام عن أي شيء آخر وبالتالي التحرر من جميع العلاقات وسيكون هدف الذات تحليليًا، ولا يمكن تحقيق الإدراك إلّا إذا كان يمكن للمرء أن يصبح كلًا لا نهائيًا في هذا المعنى التقني لـ (اللانهائي) لدى برادلي.


شارك المقالة: