بعض النواحي في فلسفة المادة لدى ديكارت وسبينوزا

اقرأ في هذا المقال


أحد الطريق المختلفة إلى حد ما لوصف المفهوم الفلسفي للمادة والأكثر عمومية، هو مصطلح فلسفي (المادة) الذي يتوافق مع الكلمة اليونانية (ousia) والتي تعني (الوجود) وتنتقل عبر المادة اللاتينية، والتي تعني الشيء الذي يقف تحت الأشياء أو يؤسسها، ووفقًا للمعنى العام فإنّ المواد في نظام فلسفي معين هي تلك الأشياء التي وفقًا للنظام هي الكيانات الأساسية أو الأساسية للواقع.

كيف تكون المادة مستقلة؟

يعرّف رينيه ديكارت الجوهر من حيث الاستقلال، وهذا مع ذلك ليس سوى مطالبة عامة للغاية، ولفهم تفسير ديكارت للمادة بشكل أفضل نحتاج إلى تكوين فكرة أفضل عن الطريقة التي تكون بها المواد مستقلة، ومن ناحية في تفكيره حول المادة يعمل ديكارت مع المفهوم التقليدي للاستقلالية والذي وفقًا له يكون وجود المادة مستقلاً بطريقة لا يكون وجودها كذلك لأنّ المواد هي مواضيع نهائية، فوفقًا لذلك دعنا نقول أنّ المواد مستقلة عن الذات، ومن ناحية أخرى في وصفه للمادة يعمل ديكارت أيضًا بإحساس سببي بالاستقلالية.

بعد كل شيء السبب في أنّ الله هو المادة الوحيدة (على عكس المادة المخلوقة) هو أنّ جميع الأشياء الأخرى لا يمكن أن توجد إلّا بمساعدة موافقة الله، ويفهم ديكارت هذا على أنّه الادعاء السببي بأنّ كل الأشياء الأخرى هي من صنع الله وتتطلب حفظه المستمر، وبناءً على ذلك رأى العلماء ديكارت على أنّه يؤيد ذلك بشكل عام بأنّ:

  • الله مستقل سببيًا وذاتيًا (الله ليس في النهاية نمطًا لأي شيء آخر).
  • المواد المخلوقة مستقلة سببيًا عن كل شيء ما عدا الله ومستقلة ذاتيًا.
  • تعتمد الأنماط على كل من السببية والذاتية من حيث أنّها تعتمد على حفظ الله المستمر وعلى المواد المخلوقة كأفراد.

كم عدد المواد المادية؟

هذه المواد المخلوقة مستقلة سببيًا عن كل شيء ولكن الله يقترح استنتاجًا مذهلاً، وأنّه على الرغم مما يبدو أنّ ديكارت يقوله فإنّ الأجسام ليست مواد مادية لأنّها ليست مستقلة بشكل كافٍ، وتعتمد الأجسام سببيًا على أجسام أخرى بمجموعة من الطرق المختلفة، على سبيل المثال يتم تدمير الجثث بواسطة أجساد أخرى، أي الشخص هو من نتاج والديهم ويمكن أن يموت نتيجة اصطدامه بسيارة، وفي الواقع وفقًا لتقليد علمي واحد هناك شيء مادي واحد فقط يرضي تعريف ديكارت للمادة المخلوقة أي الكون المادي ككل.

مرة أخرى باتباع التقليد يمكننا أن نطلق على هذا الرأي التفسير الأحادي، والرأي المعارض بأنّ هناك العديد من المواد المادية والتفسير التعددي، ويبدو إذن أنّ هناك أدلة فلسفية على الوحدانية، وبعبارة أخرى يبدو أنّ آراء ديكارت حول المادة المخلوقة تلزمه بالاعتقاد بأنّه يمكن أن يكون هناك مادة مادية واحدة فقط، ويدّعي مؤيدو هذا التفسير أنّ هناك أدلة نصية أيضًا مشيرين إلى مقطع في ملخص التأملات.

يقرأ الأحاديون الجسد المأخوذ بالمعنى العام على أنّه يشير إلى الكون المادي ككل، وبالتالي فإنّهم يرون أنّه يدّعي أنّ الكون المادي هو مادة، ولكن جسم الإنسان ليس كذلك لأنّه مكون من تشكيل من الأطراف والحوادث، وبافتراض أنّ الأحاديين على حق يظهر سؤالان على الفور وهما:

1- إذا لم تكن الأجساد من المواد فما هي؟ حيث يدّعي الأحاديون عادة أنّ الجثث هي أنماط، وهذا منطقي أي إذا لم تكن الأجساد مادية فيجب أن تكون أنماطًا نظرًا لأنطولوجيا ديكارت.

2- إذا كان ديكارت لا يعتقد أنّ الأجسام هي مواد فلماذا كثيرًا ما يتحدث وكأنها كذلك؟ فيجيب الأحاديون أنّ ديكارت يتحدث بشكل فضفاض في هذه السياقات باستخدام مصطلح (مادة) بالمعنى الثانوي أو الاشتقاقي للمصطلح.

اعترض التعدديون على عدد من الأسباب ومنها:

  • طعن أنصار التعددية في الأدلة النصية للوحيدين وقدموا قراءات بديلة للملخص.
  •  لقد تحدوا دافع الوحدوية مشيرين إلى أنّ التفسير الأحادي يتطلب مفهومًا قويًا للغاية للاستقلال السببي، وأنّه ليس من الواضح أنّ هذه هي وجهة نظر ديكارت.
  • يلاحظ أنصار التعددية أنّه على الرغم من أنّ ديكارت يكتب عن الأجساد على أنّها مواد في مناسبات عديدة، إلّا أنّه لم يشير إليها أبدًا بوضوح على أنّها أنماط.
  • نفى أنصار التعددية أنّ ديكارت كان يمكن أن يعتقد أنّ الأجسام هي أنماط، مشيرًا إلى أنّه بالنسبة إلى ديكارت فأنّها أجزاء من الأشياء ليست أنماطًا لها والأجسام هي أجزاء من الكون المادي، وقد أثار هوفمان في عام 1986 لفترة وجيزة كل من هذه الاعتراضات.

كيف يمكن للمادة أن يكون لها أكثر من خاصية؟

كما يبدو أنّه بالنسبة إلى الفيلسوف رينيه ديكارت كل مادة لها صفة واحدة -وواحدة فقط- ومن ناحية أخرى تدّعي حجة سبينوزا حول أحادية الجوهر أنّ هناك مادة تمتلك كل الصفات، فسبينوزا يبرر هذه الخطوة دفاعية، كما يدّعي سبينوزا أنّه لا يوجد شيء نعرفه عن السمات يستلزم أنّها يجب أن تنتمي إلى مواد مختلفة، وبالتالي لا يوجد شيء غير شرعي في الادعاء بأنّ مادة ما قد تحتوي على أكثر من سمة واحدة، على الرغم من أنّ هذا هو الدفاع المعلن لسبينوزا، فقد ادعى عدد من العلماء أنّ سبينوزا لديه الموارد الفلسفية لتقديم حجة أقوى بكثير.

على وجه التحديد يزعمون أنّ لديه حالة إيجابية، وفي الواقع أنّ المادة التي تمتلك أي شيء أقل من جميع الصفات (وبالتالي واحدة فقط) أمر مستحيل، وباختصار يطلب منا لين عام 2007 أن نفترض أنّ سبينوزا خاطئ، وأنّه من الممكن أن تكون هناك مادة تحتوي على عدد أقل من جميع الصفات (ولكن واحدة على الأقل)، وسبينوزا هو مؤيد قوي لمبدأ السبب الكافي والذي وفقًا له يوجد تفسير لكل حقيقة.

ويترتب على ذلك وجود تفسير لسبب فشل المادة المعنية في الحصول على جميع السمات، ومع ذلك فإنّ أي تفسير من هذا القبيل يجب أن يستأنف السمة (أو السمات) الحالية للمادة، ومع ذلك فإنّ السمات مستقلة من الناحية المفاهيمية، وبالتالي لا يمكن للمرء أن يلجأ إلى سمة موجودة لشرح عدم وجود سمة أخرى.

مادة ممتدة وغير قابلة للتجزئة؟

على عكس ديكارت يرى سبينوزا أنّ المادة غير قابلة للتجزئة، وهذا يثير عددًا من الأسئلة حول اتساق وصف سبينوزا للمادة، على سبيل المثال كيف تتوافق عدم قابلية المادة للتجزئة مع ادعاءات سبينوزا بأنّ للجوهر العديد من الصفات التي تشكل جوهرها، وهذه المادة ممتدة؟

عادةً ما يُفهم جوهر سبينوزا الممتد أو الله الذي يعتبر تحت صفة الامتداد، على أنّه يشمل الواقع الممتد بأكمله، ووفقًا لتقليد فلسفي يعود على الأقل إلى أفلاطون فيدو، فإنّ التوسيع أو الجسدي يعني أن يكون لديك أجزاء وأن تكون قابلة للقسمة وبالتالي تكون قابلة للفساد، ومع ذلك يرى سبينوزا أنّ “الأمر يتعلق بطبيعة وجود الجوهر”، ونتيجة لذلك يبدو أنّ سبينوزا لا يستطيع التمسك باستمرار بتوسيع هذه المادة.

كان سبينوزا مدركًا جيدًا لهذه الحجة وتم العثور على رده الرسمي في أحدى مقالاته، وتكمن مشكلة الحجة في أنّها مؤسسة فقط على افتراض أنّ المادة المادية تتكون من أجزاء، ففي ظاهره هذا ادعاء محير حيث إذا كانت المادة الموسعة أو المادية هي مجرد الواقع الممتد بأكمله، فمن المؤكد أنّها تحتوي على أجزاء، على سبيل المثال هناك جزء من الامتداد الذي يتكون من جسم بشري فردي وجزء يتكون من المحيط الأطلسي وجزء يشكل الأرض وما إلى ذلك.

على الرغم من صياغته لا ينكر سبينوزا أنّ المادة الممتدة لها أجزاء بكل معنى الكلمة، وبدلاً من ذلك يهتم سبينوزا بشكل خاص بمقاومة فكرة أنّ مادته الممتدة هي مادة مركبة، ومبنية من أجزاء هي نفسها مواد ويمكن تقسيمها أو حلها، وهذا منطقي حيث:

  • ليس لها أجزاء هي المشكلة، ولكن كونها قابلة للفساد.
  • هذا الحساب للمادة الممتدة باعتبارها قابلة للقسمة إلى مواد ممتدة أخرى هو بالضبط ما يبدو عليه ديكارت (أحد التأثيرات الرئيسية على فكر سبينوزا) لعقد.

يطرح سبينوزا قضيته بطريقتين وهما:

1- أولاً يشير سبينوزا إلى الحجج الموجودة حول عدم قابلية الجوهر للتجزئة.

2- يقدم سبينوزا الثاني حجة جديدة تركز بشكل خاص على الجوهر الموسع وهو حجة من المثير للاهتمام بأنّها لا تفترض مسبقًا الجهاز السابق للأخلاق.

بوضع استنتاجات سبينوزا السابقة جانبًا فإنّ الهدف الواضح لسبينوزا هو إظهار أنّ وجهة نظر مثل وجهة نظر ديكارت، والتي بموجبها تحتوي أي مادة ممتدة على أجزاء هي نفسها مواد ممتدة وتفشل في شروطها الخاصة، وبشكل عام يجادل سبينوزا على النحو التالي.

فعند وضع في الاعتبار مادة ممتدة مثل عجلة الجبن، وإذا كانت أجزاء هذه العجلة نفسها مواد ممتدة فمن الممكن -على الأقل من حيث المبدأ- تدمير جزء أو أكثر من الأجزاء دون أي عواقب للأجزاء الأخرى، فالفكرة هنا هي أنّه نظرًا لأنّ المواد هي موضوعات مستقلة، فإنّ إبادة أحد الموضوعات لا يمكن أن يكون لها أي عواقب بالنسبة للآخرين، ولنفترض إذن أنّ وسط عجلة الجبن لدينا قد هلك، وهكذا تبقى لنا (دونات) من الجن، فالمشكلة في هذا أنّ الثقب في الجبن قابل للقياس وله قطر ومحيط وما إلى ذلك، وباختصار تم تمديده.

ومع ذلك فقد افترضنا أنّ المادة الممتدة -موضوع التمديد- في الوسط قد تم تدميرها، وبالتالي يُترك لنا مثال على السمة والامتداد بدون مادة كموضوع لها وهو استحالة وفقًا لمعايير ديكارت وسبينوزا.


شارك المقالة: