اقرأ في هذا المقال
ما الأمثال إلّا مقولات ذات مغزىً وتحمل بين طيّاتها العظة والفائدة، والإيجاز من غير حشو أو إطالة هو أهم مميزات الأمثال، مع عمق في المعنى وكثافة في الفكرة، وقد توارثتها الأمم مشافهةً من جيل إلى آخر، والمثل عبارة محكمة البنية بليغة، شائع استعمالها عند طبقات المجتمع كافة، وإذ يلخّص المثل حكاية عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة، فقد حظي عند الناس بثقة تامّة، فصدّقوه ذلك أنّه يُهتدى به في حلّ مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة من معضلة قديمة، وتلك المعضلة القديمة آلت إلى عبرة لا تُنسى، وقد قيلت هذه العبرة في جملة موجزةٍ قد تُغني عن رواية ما جرى هي الأمثال، وفيما يلي بين يدينا مثل عربي مشهور هو: “بنت الخوّاضة خوّاضة”.
فيم يضرب مثل: ” بنت الخوّاضة خوّاضة”
لقد عُرف العرب ببراعتهم في وصف أدقّ التّفاصيل الحياتية بأقلّ الكلمات وأبلغها، ومن هنا جاءت الأمثال كعصارة لخبراتهم وثمرة لتجاربهم، أمّا مثل: “بنت الخوّاضة خوّاضة”، فيُضرب في ابنة المرأة سيّئة السّمعة، فحينما يشبهونها بأمّها يقولون: “بنت الخوّاضة خوّاضة”.
مفردات مثل: “بنت الخوّاضة خوّاضة”
أمّا حكاية مثل: “بنت الخوّاضة خوّاضة”، فهي إحدى حكايات الصّحراء والتّراث العربي الذي فتن الكثيرين، فقاموا بتتبّع مصادره، والمقصود بالخوّاضة هنا هي المرأة رديئة السّمعة، مُنتَهكة العِرض، المشكوك في أخلاقها، وعلى الرّغم من هذا المعنى المتداول، إلّا أنّ المعنى الحرفيّ للخوّاضة مختلف، فالخوّاضة من الخوض، وتعني التي تخوض الماء أي تجتازه، ويُقال: “تخوض الحرب”، أي تشارك فيها، فهذا معناه أنّ المدلول اللفظيّ للكلمة يدلّ على الشّجاعة والإقدام، وليس على سوء السّمعة وهتك العرض.
قصة مثل: “بنت الخوّاضة خوّاضة”
حكاية مثل: “بنت الخوّاضة خوّاضة” مرتبطة برجل فارق زوجته بعد أن شكّ في سمعتها وسوء أخلاقها، وكانت قد أنجبت له طفله، فتركتها له ورجعت إلى ذويها، وكان هذا الرجل يملك قافلة صغيرة من الإبل يرعاها من وادٍ إلى وادٍ، وذات يوم بعد أن كبرت ابنته زاد السّيل في أحد الأودية، وكان الرجل يريد أن يعبر إلى الطّرف الآخر حيث ترعى إبله، لكن خافت الإبل المتقدّمة من العبور، وتراجعت وهي لا تجرؤ على خوض الماء.
بادرت الابنة بالقول: يا أبتي، خذ البكرة الفلانية، وقم بدفعها باتّجاه السّيل، وستخوض الماء وستتقدّم من بعدها القافلة، والبكرة يقصد بها النّاقة الفاتية، ففعل الرّجل كما قالت له ابنته، وبالفعل خاضت النّاقة الماء ومن بعدها بقية القافلة، فربط الرجل نفسه جيدًا وابنته بالحبل وعبرا الماء، ولمّا صارا في وسط السّيل، سأل ابنته: كيف عرفتِ أن تلك النّاقة ستخوض الماء؟
أجابت الابنة أباها، وقالت: قد كانت والدتها تخوض الماء، وبنت الخوّاضة خوّاضة، فقال أبوها حينذاك: صدقتِ ثمّ قطع الحبل الذي يربطه بها، وقام بدفعها بعيدًا، فسقطت وابتلعها السّيل، ومنذ ذلك الحين صار هذا المثل يُضرب في ابنة المرأة سيئة السّمعة، فحين يشبهونها بأمّها، يقولون: “بنت الخواضة خواضة”.