بين الرواية والقصة

اقرأ في هذا المقال


لا يرتبط الاختلاف الأساسيّ بين القصة القصيرة والرّواية بنثر المزيد من الكلمات، إنّما هو مرتبط بحجم وعمق النّثر، فالقارئ بحاجة إلى فكرة معقّدة جديرة بالاستكشاف، والقصص القصيرة تملك شكلها الفنيّ الذي يخصّها، غير أنّه إذا ما رغب الكاتب في أن يجرّب كتابة رواية، فقد يُحسّ بأنّها تجربة صعبة للغاية، إذًا فما هو الفرق بين القصّة القصيرة والرّواية؟

الفرق بين الرواية والقصة:

من أجمل ما قيل في الرّواية أنّها رحلة ممتعة، ليس للشخصيات والأبطال فحسب، بل هي للكاتب والقارئ كذلك، وما القصّة القصيرة إلّا تجربة تتميز بالكثافة، شيء يطول ويتذوقه القارئ، وتظهر هذه الفروقات في بضع نقاط، والتي يجب وضعها في الاعتبار في عين الاعتبار.

الطول والمدة:

لعلّ الفرق الأوضح بين الرّواية والقصة القصيرة هو الطّول، إذ أنّه لا توجد قواعد محدّدة حول طول القصة القصيرة، أو المدّة التي يجب أن تكون عليها الرواية، إذ سيمضي الكاتب في التأليف وقتًا أطول، لهذا وجب عليه أن يتأكد من أنّه يملك فكرة معقدة ومستدامة مستمرة، ويلزم أن يكون مُتهيّئًا كي يُخصّص مقدارًا كبيرًا من الوقت والجهد في كتابة رواية، لا شكّ أنّه من السّهل على الكاتب كذلك أن يفقد مسار كتاباته؛ لهذا فإنّه واجب عليه أن يحتفظ بملخصات الفصول في جدول بيانات، أو أن يستخدم برنامجًا إلكترونيًّا كي يُنظّم الفصول والمشاهد التي تخصّ كتاباته، إذ من الممكن أن هذا الأمر سيكون مفيدًا.

يقول بعض الباحثين أنّه كلّما طالت مدة القصة، زاد تفكير الكاتب في السّرعة كذلك؛ إذ يتوجب عليه أن يقنع القارئ بالاستمرار في العمل لفترة أطول، وتتأثر السّرعة بعدد أحداث الحبكة التي يحتوي عليها السّرد، أو ما يُطلق عليه: “تسريع الوتيرة”، هذا بالإضافة إلى مستوى التفاصيل في كتابته فيما يُطلق عليه: “إبطاء الوتيرة”، فالاختلاف والتوازن هما المفتاح.

المؤامرات والحبكات الفرعية:

ممّا لا شكّ فيه أنّ المزيد من الكلمات والعبارات ليس يعني المزيد من الحبكة و العمل، إذ يكاد يكون من البديهيّ أنّ الكاتب يعتقد أنّه بحاجة إلى المزيد من الأمور والأحداث التي تحدث في رواية ما أكثر ممّا يحتاجه في كتابة قصة قصيرة، وينتهي الأمر بالعديد من المبتدئين بحبكات واسعة ومعقدة بسبب هذا الافتراض، وعلى الرّغم من ذلك، فهو لا يحتاج إلى الكثير والكثير من الأحداث في الرّواية، بل هو مُحتاج بكلّ بساطة إلى المزيد من تطوير الأحداث التي عنده، مثل: ردود الفعل الداخلية والخارجية من الشّخوص الفرعيّة والرّئيسية، وكذلك المزيد من التّفاصيل وملخص أقلّ، ولا ننسى أنّه من الممكن أن يستخدم الكاتب الحبكات الفرعيّة في كلّ من القصص القصيرة والرّوايات، غير أنّها تّستخدم على الأغلب في الرّوايات، في الحقيقة إنّها قصص متوازية تسير جنبًا إلى جنب، وهي استمرار لاتّصال بالقصّة الرّئيسية التي تثري وتُغني الحبكة أو الموضوع بطريقة ما.

تعقيد الصراع:

القصص القصيرة تضمّ بين طيّاتها على مشاكل ومعضلات من الممكن أن تُحلّ بسرعة، وفي العادة ما يركّز الكاتب على جانب واحد فقط من حياة الشّخوص، أو جانب واحد حتّى من مشكلة أو علاقة في حياة الشّخصية، أمّا القضايا والصراعات في الرّواية فتميل إلى أن تكون أعمق، وكما أنّه من الممكن للأفكار أن تتّسع في أكثر من اتّجاه، إذ أنّ الاختلاف يبرز في حجم المشكلة، ومدى سهولة حلّها.

العمق:

لا يختلف الباحثون في أنّ الفرق الأكبر بين القصّة القصيرة والرّواية هو مدى عمق الكتابة، حيث تحتوي الرّواية على متّسع لتحتوي استكشافًا أعمق لعدد كبير من الشخوص، وكذلك التّفاصيل والأفكار وغير ذلك الكثير، وكما أنّها من الممكن أن تحمل وجهات نظر مختلفة وكثيرة بسهولة كبيرة.

أمر أكيد أنّ الرّواية تحتوي على المزيد من العمق، وهو لا يعني بشكل حتميّ أنّها تحمل معنىً أكبر، حيث تتمتّع القصص القصيرة كذلك بإمكانيات كبيرة للمعنى والصّدى كما تفعل الروايات، وفي الحقيقة، من الممكن للإيجاز في أحيان كثيرة أن يزيد من جوانب الكتابة هذه، الأمر الذي يخلق أثرًا فيما يتمّ تركه دون أن يُقال أكثر مما هو موجود مباشرة على الصّفحة، وعوضًا عن ذلك، فإنّ مقدار التّفاصيل التي يمكن للكاتب الدّخول فيها، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بكلّ من الطّول والتّعقيد والسّرعة.


شارك المقالة: