لا يمكن إنكار أنّ فلسفة الفيلسوف الفرنسي بيير بايل كانت لها تأثير هائل بالنظر إلى عدد القراء الواسعين لعمله، ولكن الطبيعة الدقيقة لهذا التأثير حتى في الحالات الفردية تظل مطلبًا للبحث، وتم بالفعل على الأقل اقتراح صلات بايل مع جون لوك وليبنيز وإيمانويل كانط وعصر التنوير ولربما أهم تأثير لبايل على المنهج الفلسفي كان على الفيلسوف جورج بيركلي وديفيد هيوم.
أثر فلسفة بايل على الفيلسوف جورج بيركلي:
يعتبر الأدب بايل ليس فقط كمصدر أصلي للتنوير ولكن كقناة لآراء وحجج أسلافه المباشرين في القرن السابع عشر، ومن الأمثلة الجيدة على المكان الذي لم يتم فيه تحديد دور بايل تحديدًا هو مناقشته للتمييز بين الجودة الابتدائية والثانوية، ومن المفترض أن يكون بايل قد نقل حجج فوتشر ضد التمييز بين بيركلي وهيوم، والحجة هي أنّه مثلما قدم الفيلسوف الفرنسي مالبرانش الحجج لإظهار أنّ الصفات الثانوية موجودة فقط في العقل، لذلك قام ناقده فوتشر بتوسيع تلك الحجج نفسها لإظهار أنّ الصفات الأولية موجودة أيضًا في العقل فقط.
في الواقع ومع ذلك فإنّ الحجج التي نشرها فوتشر في الواقع كانت موجهة بشكل أقل ضد مالبرانش، الذي اتخذه ببساطة ليفترض التمييز منه ضد ديكارت وخاصة روهولت، ولم تكن وجهة نظره التراجع عن التمييز ولكن لإظهار أنّه مهما كان مفهومه فإنّه يتعارض مع الثنائية الديكارتية.
الآن تستند الحجة الأكثر بروزًا مع إجراء التعديلات اللازمة التي استخدمها بيركلي ضد التمييز على نسبية الإدراك الحسي، حيث يختلف تصور كلاهما في ظل ظروف متفاوتة، لذلك إذا كان تباين الصفات الثانوية سببًا لوضعهما في العقل هو أيضًا سبب لوضع الأساسي في العقل.
بالنظر إلى أنّ مالبرانش يتم الاستشهاد به من قبل بيركلي في كثير من الأحيان في دفاتر بيركلي أكثر من أي شخص آخر باستثناء لوك، يبدو من المرجح أنّ بيركلي ذهب مباشرة إلى مالبرانش لحججه حول التمييز بين الابتدائي والثانوي.
من خلال اللجوء إلى البخل النظري وفقًا لبايل فإنّه: “قد يؤكد الديكارتيون أنّه لا يوجد شيء مثل المادة، وسواء أكان ذلك موجودًا أم غير موجود يمكن لله أن ينقل إلينا بنفس القدر كل الأفكار التي لدينا”، ومثل هذا التواصل الإلهي بالطبع هو بالضبط ما كان بيركلي يدعو إليه، وعلاوة على ذلك يوسع بايل في إحدى ملاحظاته في حجة زينو ضد الحركة بإنكار وجود هذا التمديد، وحجته هي أنّ الامتداد لا يمكن أن يتكون من نقاط رياضية أو من ذرات ولا يمكن أن يكون غير قابل للقسمة بلا حدود.
ويبقى السؤال مفتوحًا كيف يتناسب هذا مع تعليق بيركلي في دفاتر ملاحظاته والذي يكرره هناك، حيث أنّ “حجج مالبرانش وبايل لا يبدو أنّها ضد الفضاء ولكن ضد الأجسام الفردية، والمرة الأخرى الوحيدة التي يُذكر فيها بايل في كامل أعمال بيركلي كانت في تبرير نظرية الرؤية (Theory of Vision Vindicated)، حيث تم ذكره مع هوبز وسبينوزا ولايبنيز كمؤلف تُظهر شعبيته كيف ترسخت المبادئ الإلحادية.
أثر فلسفة بايل على الفيلسوف ديفيد هيوم:
إنّ تأثير بايل الهائل على هيوم أمر لا شك فيه، وقبل وقت قصير من نشر أطروحته، لفت هيوم انتباه صديقه مايكل رامس إلى أربعة نصوص تسهل قراءته لها، حيث كان أحدها المقالات الأكثر ميتافيزيقية لقاموس بايلز مثل تلك الموجودة على زينو وسبينوزا، والآن من المتصور أنّ هيوم قد واجه هذه النصوص وأدرك قيمتها الأولية فقط بعد إكمال أطروحته.
لكن هذا الاحتمال المجرد (تمت كتابة الرسالة قبل عامين من نشرها) مستبعد تمامًا في حالة بايل، وإن لم يكن من النصوص الأخرى التي أسماء هيوم، من خلال ما يسمى بالمذكرات المبكرة لهيوم وخاصة من خلال الاستخدام (غير معترف به مثل كان نموذجيًا للفترة) أنّه يصنع بالفعل من عمل بايل في النص نفسه.
من بين المدخلات الفلسفية في المذكرات المبكرة تعامل نصفها تقريبًا مع بايل، والأهم من ذلك هو استخدامات بايل النصية، ولفت كيمب سميث الانتباه منذ فترة طويلة إلى خمس قضايا كانت لبايل في رأيه تعد الأكثر تأثير ولا يرقى إليه الشك على هيوم.
أولاً: من مقال زينو (Zeno) يأخذ هيوم تقسيم بايل الثلاثي للطرق المحتملة التي يمكن أن يتشكل بها المكان والزمان وهي: من النقاط الرياضية أو من النقاط المادية أو على أنّها قابلة للقسمة بلا حدود، ولكن في حين جادل بايل بعبارات لا لبس فيها أنّ أيًا من هذه الاحتمالات كان يمكن الدفاع عنها بشكل عقلاني، فإنّ هيوم في الواقع يختار النقاط المادية بمفهومه للحساسية الدنيا غير القابلة للتجزئة (النقاط الملونة في حالة الفضاء)، وعلى الرغم من أنّ النتيجة هي حساب غير قياسي للهندسة كعلم غير دقيق يعتقد هيوم أنّه بذلك يحافظ على العقل من التناقضات التي لا يمكن حلها.
ثانيًا: من المفترض أن يكون هيوم قد تأثر برواية بايل التاريخية عن أنواع الشك واستخدامه للحجة المتشككة في مهاجمة المواقف الأرثوذكسية، وقد لا يكون من المضلل للغاية وصف حل هيوم للصعوبات المتشككة من حيث (الذوق والمشاعر) كنسخة طبيعية من قرار بايل الخارق للطبيعة من حيث النعمة التي تم وصفها بنفس العبارة.
ثالثاً: علاقة ثالثة تتعلق بميتافيزيقا الجوهر والأسلوب والهوية، حيث يأخذ هيوم من مقال سبينوزا الاعتراضات التي قدمها بايل ضد (الفرضية البشعة) لسبينوزا القائلة بأنّه لا يوجد سوى جوهر واحد وهو الله، ويطبق هذه الاعتراضات على الرأي القائل بأنّ البشر يمتلكون نفسًا هي جوهر بسيط وغير قابل للتجزئة وغير مادية، وتم رفع حجة هيوم بأكملها في ثلاث مراحل ورفضين للرد من بايل.
من المفترض أن يكون كل من الجوهر الفريد والروح الجوهرية غير قابلين للتجزئة، لكنهما في الحقيقة متطابقان مع الامتداد الذي يمثل وضعهما، وبالتالي يمكن تقسيمهما كلاهما له خصائص معاكسة وما إلى ذلك، وبالمحصلة هي أنّه كما أنّ فرضية سبينوزا (غير مفهومة) كذلك هو افتراض اللاهوتيين فيما يتعلق بالروح.
رابعًا: لفت كيمب سميث الانتباه إلى مناقشة ذكاء الحيوان في مقالة (روراريوس)، وفي هذه الحالة يكون تأثير بايل أقل وضوحًا، ومن المفترض أنّه كان يقصد الفصل التاسع من التحقيق، ولكن هنا يجد المرء أنّه التمرين الرئيسي هو تطبيق الحجة بالقياس مع التأكيد على أهمية التجربة، ومع ذلك هناك نداء نهائي للغريزة لشرح السلوك المعرفي لكل من الرجال والحيوانات، وهنا ربما يكون بايل قد لعب دورًا ما.
خامسًا: ربما يكون هيوم قد تأثر بمعالجة بايل للأسئلة الدينية وخاصة الحجة من التصميم، وهذه منطقة محيرة للغاية بسبب الأرثوذكسية المشكوك فيها لآراء بايل والتعبير عنها والعديد من الغموض نفسه، وهذا بالطبع يؤثر على آراء هيوم بشأن هذه الأسئلة على الرغم من أنّ مغايرته تبدو أقل إثارة للجدل.