مفارقة راسل هي عبارة في نظرية المجموعات، والتي ابتكرها عالم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل، أظهرت عيبًا في الجهود السابقة لإضفاء البديهية على الموضوع.
متى ظهرت مفارقة راسل؟
يبدو أنّ برتراند راسل اكتشف تناقضه في أواخر ربيع عام 1901 أثناء عمله على مبادئ الرياضيات (1903)، وليس من الواضح بالضبط متى حدث الاكتشاف، فقد ذكر راسل في البداية أنّه صادف التناقض في حزيران من عام 1901، وفي وقت لاحق أفاد أنّ الاكتشاف حدث في ربيع من عام 1901، ولا يزال يفيد لاحقًا أنّه واجه المفارقة ليس في حزيران ولكن في أيار من ذلك العام.
اكتشف سيزار بورالي فورتي (Cesare Burali-Forti) مساعد جوزيبي بينو (Giuseppe Peano) تناقضًا مشابهًا في عام 1897، وذلك عندما لاحظ أنّه نظرًا لأنّ مجموعة الترتيبات مرتبة جيدًا يجب أن يكون لها أيضًا عدد ترتيبي، ومع ذلك يجب أن يكون هذا الترتيبي عنصرًا في مجموعة جميع العناصر الترتيبية وأكبر من كل عنصر.
على عكس مفارقة بورالي فورتي لا تتضمن مفارقة راسل أيًا من العدد الترتيبي أو العدد الأصلي الأساسي، بل تعتمد فقط على المفاهيم البدائية للمجموعة وتضمين المجموعة، حيث لاحظ زيرميلو (Zermelo) وجود تناقض مشابه في وقت ما بين عامي 1897 و 1902، وربما توقع راسل قبل بضع سنوات، وعلى الرغم من أنّ كاناموري لخص أنّ الاكتشاف كان من الممكن أن يكون متأخرًا حتى عام 1902.
كما يشير لينسكي (Linsky) بأنّ حجة زيرميلو على الرغم من تشابهها مع راسل فإنّه يمكن فهمها بشكل أفضل على أنّها واحدة من مجموعة من الحجج التي قدمها زيرميلو وشرودر (Schröder) وكانتور (Cantor)، والتي توقعت بالفعل الحجة الرياضية التي طورها راسل، ولكن تبين أنّ ذلك يختلف في نواحٍ صغيرة ولكنها مهمة عن حجة راسل، على أي حال كان يُعتقد أنّ الحجج ذات أهمية ثانوية حتى تم إدراك مدى ضررها لأسس جوتلوب فريج (Gottlob Frege) الحسابية.
مفارقة راسل ومنطقية جوتلب فريج:
كتب راسل إلى فريج في 16 حزيران 1902 أخبارًا عن تناقضه، حيث كانت المفارقة ذات أهمية لعمل فريج المنطقي لأنّها أظهرت في الواقع أنّ البديهيات التي استخدمها فريج لإضفاء الطابع الرسمي على منطقيته كانت غير متسقة، وعلى وجه التحديد تتطلب اكسيوم (V) من فريج أنّ تعبيرًا مثل ((ϕ (x) يعتبر كلاً من دالة الوسيطة لـِ (x) ودالة الوسيطة (ϕ).
وبتعبير أدق ينص قانون فريج على أنّ مسار قيم المفهوم (f) مطابق لمسار قيم المفهوم (g) إذا وفقط إذا اتفقت (f) و (g) على قيمة كل وسيطة، أي إذا وفقط إذا كان لكل كائن (x,f (x)=g (x، وفي الواقع كان هذا الغموض هو الذي سمح لراسل ببناء (R) بطريقة يمكن أن تكون عضوًا في نفسها ولا تكون كذلك.
والأكسيوم هو مصطلح يطلق على البديهية في المنطق، حيث مبدأ أو قاعدة أو قاعدة أولية لا يمكن إثباتها، وجدت قبولًا عامًا، أو يعتقد أنّها تستحق القبول المشترك سواء من خلال ادعاء الجدارة الجوهرية أو على أساس الاستئناف للدليل الذاتي، ومن الأمثلة على ذلك: “لا يمكن أن يكون أي شيء موجودًا ولا يكون في نفس الوقت وفي نفس الاحترام“.
وصلت رسالة راسل في الوقت الذي كان يُطبع فيه المجلد الثاني من كتاب قوانين الحساب الأساسية لفريج، وبعد إدراكه للصعوبة التي تطرحها المفارقة أضاف فريج إلى القوانين الأساسية ملحقًا مكتوبًا على عجل يناقش اكتشاف راسل، وفي الملحق يلاحظ فريج أنّ عواقب مفارقة راسل ليست واضحة على الفور.
على سبيل المثال هل يجوز دائمًا الحديث عن امتداد مفهوم لفئة؟ وإذا لم يكن كذلك فكيف نتعرف على الحالات الاستثنائية؟ هل يمكننا دائمًا الاستنتاج من امتداد مفهوم واحد يتزامن مع مفهوم ثانٍ، وأنّ كل موضوع يقع تحت المفهوم الأول يقع أيضًا تحت الثاني؟
يلاحظ فريج هذه الأسئلة التي أثارها اتصال السيد راسل، وبسبب هذه المخاوف شعر فريج في النهاية بأنّه مجبر على التخلي عن العديد من آرائه حول المنطق والرياضيات، ومع ذلك كما يشير راسل التقى فريج بخبر التناقض بصرامة ملحوظة:
“عندما أفكر في أعمال النزاهة والنعمة، أدرك أنّه لا يوجد شيء في معرفتي يمكن مقارنته بتفاني فريج في الحقيقة، فقد كان عمله بأكمله على وشك الانتهاء، وقد تم تجاهل الكثير من أعماله لصالح الرجال الأقل قدرة بشكل غير محدود”.
كما أوضح راسل بأنّ مجلد فريج الثاني كان على وشك النشر، وعندما اكتشف أنّ افتراضه الأساسي كان خاطئًا أجاب بأنّه “من الواضح أنّ المتعة الفكرية تغمر أي مشاعر خيبة أمل شخصية، فلقد كان تقريبًا خارق للبشر ومؤشرًا معبرًا عن قدرة الرجال على القيام به إذا كان تفانيهم هو العمل الإبداعي والمعرفة بدلاً من الجهود الفظة للسيطرة والمعروفة”.
بالطبع كان راسل قلقًا أيضًا بشأن عواقب التناقض، وعندما علم أنّ فريج اتفق معه حول أهمية النتيجة بدأ على الفور في كتابة ملحق لمبادئ الرياضيات الخاصة به، بعنوان الملحق ب: عقيدة الأنواع (Appendix B: The Doctrine of Types)، ويمثل الملحق محاولة راسل الأولى لتقديم طريقة مبدئية لتجنب ما يُعرف باسم مفارقة راسل.