جاجة حفرت على راسها عفرت

اقرأ في هذا المقال


كلّ الشّعوب تمتلك موروثات ثقافيّة تميّزها عن غيرها، وهي بدورها تعبّر عن الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التّاريخ، ولعلّ من أكثر أنواع التّراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، إذ يقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبّرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجدّ من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي بين أيدينا هو: “جاجة حفرت على راسها عفرت”.

أصل مثل: “جاجة حفرت على راسها عفرت”

مثل: “جاجة حفرت على راسها عفرت”، من الأمثال الشّعبية الأردنيّة المشهورة، وأصله: “دجاجة حفرت على رأسها عفرت”، ومعناه أنّ دجاجة حفرت في الأرض، فعفرت التّراب على رأسها، والمثل يُضرب فيمن يتدخّل فيما لا يعنيه؛ لأنّه سيسمع ما لا يرضيه، فمن دفعه الفضول للتّدخل في شؤون غيره، لا بدّ أن يجد ما لا يعجبه من الآخرين، وبهذا يكون من جلب السّوء لنفسه، ذلك أنّه دسّ أنفه في شؤون غيره.

قصة مثل: “جاجة حفرت على راسها عفرت”

حكاية مثل: “جاجة حفرت على راسها عفرت”، هي من الحكايا الموروثة، والتي اعتادت الجدّات روايتها لأحفادهنّ، إذ يُروى أنّه كان هناك بعض الأطباء البيطريين الذين يدّعون الفذلكة واختراع الأمور، وذات مرّة أجروا عملية جراحيّة لدجاجتين، فحولوهما إلى ديكين، وكي لا ينكشف أمر الدّجاجتين أرسلوهما إلى مزرعة بعيدة وزوجوهما من بعض الدّجاج، وكان في تلك المزرعة ديك شرس قوي البنية عالي الصوت، اعتاد أن يؤذّن للفجر كلّ يوم.

ذلك الحال لم ينل إعجاب الدّجاجات زوجات الدّيكين المتحولين، وأصررن على زوجيهما أن يؤذّنا لصلاة الفجر، ويظهرا قوّتهما للدّيك الشّرس، وتحت ضغط الدّجاجات، أذعنت الدّيوك المتحوّلة، وذهبا إلى شيخ المسجد يطلبان حقهما في رفع الأذان، حينها قال الشّيخ: إنّ الدّيك الشّرس هو ديك الحيّ، ولا مناص من الذّهاب إليه لاستئذانه، فخافت الدّجاجتان المتحولتان أن يُكشف سرّهما، وعلى الرّغم من ذلك فضّلتا الصّمت، ولمّا جاء ديك الحيّ، وشاهدهما عرف وزنهما وأصلهما، فابتسم ووافق على طلبهما، ولكن شرط أن يبيتا معه ليلة كاملة يعلّمها فيها طريقة رفع الآذان.

حين انفرد الدّيك بالدّجاجتين وأظهر لهما أنّه قد عرف حقيقتهما، دارت معركة شديدة بين الدّجاجتين، إذ إنّ كلّ واحدة منهما كانت تريد الدّيك لها وحدها، وأخذت كلّ واحدة منهما تحفر بالأرض لتلقي التّراب على الأخرى، فتعفّر رأساهما، وتهشّما بفعل العراك، وكان شيخ المسجد يتابع ما يحدث، فلما علم بحقيقتهما أمر بذبحهما ليريحهما من عارهما ومما أصابهما، ولمّا سأله النّاس عن سر ذبحهما، قال: “دجاجة حفرت وعلى رأسها عفرت”.

ثمّ إنّ المثل تمّ اختصاره، ليصبح: “جاجة حفرت على راسها عفرت”، وهو يعبّر عن كلّ من يرتدي ثوبًا غير ثوبه، ويتمادى في الذي يفعله، ويصدّق نفسه، فينقلب الأمر عليه في النّهاية، وحتى لا يتدخل المرء فيما لا يعنيه، فيفتح على نفسه أبوابًا لن يستطيع أن يغلقها، وهذا المثل معروف في بلاد الشّام.


شارك المقالة: