وضعت مخططات الفيلسوف توماس هيل جرين ومقترحاته الأساس لدولة الرفاهية، حيث كان الاشتراكيون فابيان (Fabian) مدينين له بطرق مختلفة، من قوانين في المعاشات التقاعدية القديمة ونظام التأمين للعاطلين عن العمل وتعويضات العمال بحيث في كل هذه الأمور كان هو جرين الرائد، كما أنّه في تقييمه لجرين قال ديفيد طومسون: “في ربع قرن قبل عام 1914 حيث تم تمرير الكثير من التشريعات الاجتماعية من قبل الحكومات الليبرالية، فقد تغلغلت أفكار جرين في الفكر الاجتماعي في إنجلترا في التقليد الإنجيلي المباشر للإنسانية الخيرية”.
فلسفة جرين في الملكية والعمل الحر:
من الملاحظ أنّ فلسفة جرين لا تهتم فقط بالملكية الخاصة ولكن بالملكية الناتجة عن العمل الحر للفرد، ومن ثم يكتب جرين عن الفرد الذي يشارك في عملية يساهم فيها كل فرد أثناء العمل بحرية أو لنفسه، أي على النحو الذي يحدده مفهوم مصلحته في نفس الوقت في الصالح الاجتماعي، ولا ينبغي للدولة أن توزع البضائع بحرية على الأشخاص القادرين على العمل من أجلها بأنفسهم، بل يجب على الدولة أن توزع البضائع فقط بهذه الطريقة عندما لا يستطيع الفرد كسب الموارد لنفسه، فعلى سبيل المثال لأنّه من ذوي الحاجات الخاصة، وذلك للسعي للحصول على الملكية الخاصة ذو قيمة مفيدة.
وتشمل عواقب هذه الحرية إنشاء مستويات مختلفة من حيازات الموارد بين الأفراد، أي أنّ المجتمع الناتج ليس مساواة، ومع ذلك فإنّ التوزيع غير المتكافئ للموارد يمكن الدفاع عنه أخلاقياً في نظر جرين لأنّه بهذه الطريقة يتم تحقيق المواهب المختلفة التي يمتلكها أشخاص مختلفون إلى أقصى حد ممكن، ومن ثم من الأفضل تقديم خدمة الأغنياء والفقراء بهذه الطريقة، ويدرك جرين سذاجة وبساطة دعم التفاوت الشديد في الثروة على أساس أنّ النظام الذي سمح بذلك ضروري للتطور الأخلاقي للفقراء، ووجهة نظره هي أنّ هذه التفاوتات ضرورية لرفع مستوى معيشة الجميع إلى مستوى كافٍ للتطور الأخلاقي.
لماذا يؤمن جرين بهذا؟ يمكن القول إنّ السوق الرأسمالية تعمل بالضرورة بطريقة تجعل بعض الناس يعانون حتمًا من الفقر المدقع بحيث تصبح حياتهم بلا معنى، وهذه حجة يقرها جرين ويحاول استكشافها، وهو يدرك أنّ هناك العديد من الأشخاص رغم أنّهم قادرون رسميًا على التخصيص إلّا أنّهم لا يملكون القوة الحقيقية للقيام بذلك، ولقد تركوا بلا وسيلة لتوفير وسائل لحياة أخلاقية حرة لتطوير وإعطاء الواقع أو التعبير عن حسن النية لمصلحة في الرفاه الاجتماعي.
ومن ثم يشير جرين إلى نمو طبقة العمال الفقيرة والمتهورة، فالعمال يتم تربيتهم بشكل سيء وتغذيتهم ليكونوا عمالاً أكفاء، ولهذا السبب لا يمكنهم الحصول على أجر في السوق كافٍ لتمكين قدرتهم الرسمية على الملاءمة، ولن يكلفوا أنفسهم عناء الادخار لأنّهم متشائمون للغاية بشأن آفاقهم للتقدم الذاتي ويتكاثرون بسرعة كبيرة لدرجة أنّهم يديمون هذه الشرور.
وعلاوة على ذلك فإنّ فقرهم يجبرهم على قبول حالة من شبه العبودية، بحيث يتحملون ظروف عمل وساعات ومساكن سيئة تؤدي إلى اعتلال الصحة وحتى الموت، وبالتالي يضطرون إلى البحث عن الراحة في تناول الكحول والأوقات الضحلة وإهمال تعليمهم وتعليم أطفالهم، وباختصار هناك انخفاض في القوى الأخلاقية للمجتمع، وهذا الموقف مهم بشكل خاص لأنّه إذا تُركت لنفسها أو لتشغيل عملية الإحسان العرضي فإنّ السكان المتدهورين يديمون ويزيدون أنفسهم.
معيار جرين لتقييم عدم شرعية أي ممارسة اقتصادية هو ما إذا كان مجموعة واحدة من الرجال مؤمنة في القدرة على الحصول على وسائل تحقيق إرادتهم والاحتفاظ بها بحيث يُحرم الآخرون عمليًا من السلطة، وفي الواقع هذا هو الأساس الذي يقوم بتحليله، وعلى سبيل المثال تشريعات المصانع المعاصرة وقوانين الترخيص.
فلسفة جرين في الملكية الخاصة وحيازة الأراضي:
يجادل بأنّ السبب الأساسي لظروف الطبقات العاملة هو الطريقة التي تم بها الحصول على حيازات الأراضي الحالية، ويشير إلى أنّه في معظم الأحيان كان الملاك الأصليون فاتحين وكان لهذا تأثيران على الأقل:
1- أولاً :عنى ذلك المواطنون الذين لا يملكون أرضًا والذين كان أجدادهم أقنانًا هم آباء الطبقة العمال في المدن الكبرى، حيث تم تكييف العمال لأخذ الأوامر وعدم ممارسة أحكامهم الخاصة، وإنّهم مجبرون على قبول أي عمل يمكنهم العثور عليه وبالتالي تحمل الأجور المنخفضة والظروف السيئة، وهذا يؤدي إلى القليل من الحافز للادخار أو وضع خطط طويلة الأجل، وهكذا فإنّ طبقة العمال لم تعتبر نفسها قادرة على الحرية أو تستحقها ولا تتحمل أي مسؤوليات عائلية حقيقية، وبهذه الطريقة حرم العمال من القدرة على التطور ولا يمكنهم تحقيق إمكاناتهم ليصبحوا كائنات واعية وذاتية تقرير المصير.
2- ثانياً: تم منح الملاك حقوقاً لا ينبغي أن يمتلكوها، أي الحقوق التي تتعارض مع تطور النوع، وأحد الأمثلة على ذلك هو الحق في التملك غير المحدود للأرض، وبالتالي على الرغم من أنّه يمكن الاستيلاء على أشياء أخرى غير الأرض بشكل شرعي دون قيود فإنّه يجب تنظيم حيازة الأرض، والأرض هي الشرط المسبق لجميع أشكال الملكية الأخرى وبالتالي يجب منحها للجميع إلى حد ما.
ويتمثل أحد الاختلافات الجوهرية بين الأرض والأشياء الأخرى (خاصة رأس المال) في أنّه لا يمكن لرجل واحد الحصول على المزيد من الأراضي دون أن يمتلك الآخرون أقل، وعلى سبيل المثال يجب على الجميع احتلال مساحة من الأرض حتى لو كانت مجرد الأرض التي تقع تحت قدميك، وإذا كانت جميع الأراضي بشكل خاص مملوكة لأصحاب العقارات فيمكن بحق استبعاد أي شخص آخر من العالم وسيكون هذا انتهاكًا لا يُصدق لتطور الوعي الأبدي.
وبعبارات أكثر واقعية تسمح السيطرة الخاصة على الأرض بالسيطرة الخاصة على ما يحدث على تلك الأرض، وعندئذ سيكون للملاك سلطة تقييد ممارسة العمال الحرة لضمائرهم والتنفيذ الحر لخطط حياتهم، وتشمل هذه القيود المفروضة على الممارسة الحرة وبالتالي تطوير إرادتهم وبناء منازل في أماكن غير صحية أو بنية غير صحية وإيقاف وسائل الاتصال، أو منع إقامة مصليات معارضة.
كما يلفت جرين الانتباه إلى التعدي على حرية العمال في ظل نظام القرى المفتوحة و المغلقة، وأساس الحقوق – خدمة الوعي الأبدي – متناقض، فبدون حرية حقيقية يُحرم الأفراد من فرصة إدراك مفهومهم الشخصي عن الخير، وليس لديهم الفرصة لتنفيذ خطط طويلة الأجل ولا الانضباط الذاتي الذي تجلبه الحياة المستقلة، وهذا سبب آخر يجعل الحقوق في الأرض غير مطلقة -الأرض الحرام هي ملك لأغراض لا تتوافق مع المصلحة العامة-، وإحدى النقاط المثيرة للاهتمام هي أنّ أصحاب العقارات يمكنهم -وفي بعض الأحيان فعلوا- أن يخدموا الوعي الأبدي من خلال حظر المنازل العامة من أراضيهم، ومع ذلك فإنّ هذا التعزيز للوعي الأبدي لا يؤثر على نقطة جرين الأساسية والصحيحة للغاية.
لقد ضاعت المنافع المشتركة التي تتحكم فيها ملكية الأرض – بشكل مثير للاهتمام إذا كان مسموحًا بها على الإطلاق- بسبب هذه الحقوق غير المشروعة والعادات السيئة التي تقيد بشكل متناقض حرية الملاك في استخدام الأرض، ومع ذلك فإنّ الكيفية التي يجب أن تنظم بها الدولة الملكية الخاصة في الأرض سوف تعتمد على الظروف والتاريخ الوطنيين، وبالنظر إلى تناقض جرين مع الملكية الخاصة للأرض فقد تكون أنظمة الملكية الجماعية ذات الاستخدام الخاص مقبولة له، فهي على الأقل متوافقة بشكل عام مع نظريته الأخلاقية الأوسع.