حياة الفيلسوف كامو الأدبية

اقرأ في هذا المقال


كان ألبير كامو صحفيًا فرنسيًا جزائريًا وكاتبًا مسرحيًا وروائيًا وكاتب مقالات فلسفيًا وحائزًا على جائزة نوبل، وعلى الرغم من أنّه لم يكن فيلسوفًا من خلال التدريب المتقدم أو المهنة، إلّا أنّه قدم مساهمات مهمة وقوية في مجموعة واسعة من القضايا في الفلسفة الأخلاقية في رواياته ومراجعاته ومقالاته وكتاباته وخطبه وذلك من الإرهاب والعنف السياسي إلى الانتحار و عقوبة الإعدام، غالبًا ما يوصف بأنّه كاتب وجودي على الرغم من أنّه هو نفسه تنصل من هذه التسمية.

فلسفة كامو في كتاباته الأدبية:

بدأ حياته الأدبية كصحفي سياسي وكممثل ومخرج وكاتب مسرحي في وطنه الجزائر، وفي وقت لاحق أثناء إقامته في فرنسا المحتلة خلال الحرب العالمية الثانية أصبح ناشطًا في المقاومة ومن عام 1944 إلى عام 1947 شغل منصب رئيس تحرير صحيفة (Combat)، وبحلول منتصف القرن بناءً على قوة رواياته الثلاث (الغريب والطاعون والسقوط) ومقالتان فلسفيتان بطول كتاب (أسطورة سيزيف والمتمرد) حقق شهرة وقراء دوليين.

في هذه الأعمال قدم وطور الأفكار الفلسفية المزدوجة -مفهوم العبث وفكرة الثورة- التي جعلته مشهورًا، وهذه هي الأفكار التي فكر بها الناس على الفور عندما سمعوا اسم ألبير كامو الذي يتحدث اليوم، ويمكن تعريف العبثية على أنّها توتر ميتافيزيقي أو معارضة ناتجة عن وجود الوعي البشري -مع مطالبته الملحة دائمًا بالنظام والمعنى في الحياة- في كون أساسي لا معنى له وغير مبالٍ.

اعتبر كامو أنّ العبث سمة أساسية بل ومميزة لحالة الإنسان الحديثة، ويشير مفهوم الثورة إلى كل من مسار العمل الحازم والحالة الذهنية، ويمكن أن يتخذ أشكالًا متطرفة مثل الإرهاب أو الأنانية المتهورة وغير المقيدة (وكلاهما مرفوض من قبل كامو)، ولكن بشكل أساسي وبعبارات بسيطة يتكون من موقف من التحدي البطولي أو المقاومة لكل ما يضطهد البشر.

في منح كامو جائزته للأدب في عام 1957 أشارت لجنة جائزة نوبل إلى جهوده الدؤوبة لإلقاء الضوء على مشكلة الضمير البشري في عصرنا، وتم تكريمه من قبل جيله ولا يزال يحظى بالإعجاب حتى اليوم لكونه كاتبًا للضمير وبطلًا للأدب الخيالي كوسيلة للبصيرة الفلسفية والحقيقة الأخلاقية، وكان في ذروة حياته المهنية -في العمل على رواية عن سيرته الذاتية، وكان يخطط لمشاريع جديدة للمسرح والسينما والتلفزيون ولا يزال يبحث عن حل للاضطراب السياسي الممزق في وطنه- عندما توفي بشكل مأساوي في حادث سيارة في يناير 1960.

كامو الأديب:

في عام 1938 انضم إلى فريق عمل صحيفة يومية جديدة الجزائر الجمهورية، حيث غطت مهامه كمراسل ومراجع كل شيء من الأدب الأوروبي المعاصر إلى المحاكمات السياسية المحلية، وخلال هذه الفترة نشر أيضًا أول عملين أدبيين له وهما:

1- ما بين و بين (Betwixt and Between): وهي مجموعة من خمس قطع شبه سيرة ذاتية وفلسفية قصيرة في عام 1937.

2- أعراس (Nuptials): وهي سلسلة من الاحتفالات الغنائية التي تتخللها تأملات سياسية وفلسفية حول شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.

كامو وإنجازاته في فترة الأربعينيات:

شهدت الأربعينيات صعود كامو التدريجي إلى مرتبة المثقف الأدبي العالمي، وبدأ العقد كمؤلف وكاتب مسرحي مشهور محليًا ولكنه كان شخصية غير معروفة تقريبًا خارج مدينة الجزائر، ومع ذلك فقد أنهى العقد كروائي وكاتب مسرحي وصحفي وكاتب مقالات فلسفي وبطل الحرية معترف به دوليًا.

كما بدأت هذه الفترة من حياته بشكل مشؤوم -الحرب في أوروبا واحتلال فرنسا والرقابة الرسمية واتساع نطاق قمع المجلات اليسارية- كما كان كامو لا يزال بدون عمل ثابت أو دخل ثابت عندما تزوج من زوجته الثانية فرانسين فور في كانون الأول من عام 1940 غادر ليون حيث كان يعمل كصحفي وعاد إلى الجزائر.

للمساعدة في تغطية نفقاته قام بالتدريس بدوام جزئي (التاريخ والجغرافيا الفرنسية) في مدرسة خاصة في وهران، وطوال الوقت كان يضع اللمسات الأخيرة على روايته الأولى الغريب (The Stranger)، التي نُشرت أخيرًا في عام 1942 استجابةً نقدية مواتية بما في ذلك مراجعة مطولة وثاقبة قام بها جان بول سارتر ودفعته الرواية إلى شهرة أدبية فورية.

عاد كامو إلى فرنسا عام 1942 وبعد عام بدأ العمل في صحيفة (Combat) السرية، وهي الذراع الصحفي لحركة المقاومة الفرنسية وصوتها، وخلال هذه الفترة أثناء مواجهته للنوبات المتكررة من مرض السل ونشر أيضًا أسطورة سيزيف، وتشريحه الفلسفي للانتحار والعبثية وانضم إلى دار نشر غاليمارد (Gallimard) كمحرر وهو المنصب الذي شغله حتى وفاته.

بعد التحرير واصل كامو عمله كمحرر لـ (Combat) وأشرف على إنتاج ونشر مسرحيتين سوء الفهم (The Misunderstanding) وكاليجولا (Caligula) وتولى دورًا رائدًا في المجتمع الفكري الباريسي بصحبة سارتر وسيمون دي بوفوار من بين آخرين، وفي أواخر الأربعينيات من القرن الماضي توسعت سمعته المتنامية ككاتب ومفكر من خلال نشر الشاطئ (The Plague) وهي رواية استعارية ومثال خيالي عن الاحتلال النازي وواجب التمرد، ومن خلال جولات المحاضرات في الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية.

كامو وإنجازاته في فترة الخمسينيات:

في عام 1951 أصدر كتابه المتمرد (The Rebel) وهو انعكاس لطبيعة الحرية والتمرد ونقد فلسفي للعنف الثوري، وهذا العمل القوي والمثير للجدل مع إدانته الصريحة للماركسية اللينينية وإدانتها الشديدة للعنف غير المقيد كوسيلة لتحرير الإنسان، وأدى في نهاية المطاف إلى خلاف مع سارتر وإلى جانب معارضته لجبهة التحرير الوطني الجزائرية ووصفه بأنّه رجعي من وجهة نظر العديد من الشيوعيين الأوروبيين، ومع ذلك فقد جعله موقعه أيضًا نصيرًا صريحًا للحرية الفردية وناقدًا متحمسًا للاستبداد والإرهاب سواء مارسه اليسار أو اليمين.

في عام 1956 نشر كامو الرواية الطائفية القصيرة السقوط (The Fall)، والتي ستكون للأسف آخر أعماله الرئيسية المكتملة والتي يرى بعض النقاد أنّها الأكثر أناقة والأقل تصنيفًا من بين جميع كتبه، وخلال هذه الفترة كان لا يزال يعاني من مرض السل، وربما كان أكثر تأثرًا بالوضع السياسي المتدهور في وطنه الجزائر والذي تصاعد الآن من المظاهرات والهجمات الإرهابية وحرب العصابات العرضية إلى أعمال عنف وانتفاضة علنية.

لا يزال كامو يأمل في دعم نوع من التقارب الذي من شأنه أن يسمح للسكان المسلمين الأصليين وأقلية النوار الفرنسية بالعيش معًا بسلام في دولة جديدة منزوعة الاستعمار ومتكاملة إلى حد كبير وإن لم تكن مستقلة تمامًا، للأسف في هذه المرحلة كما أدرك بشكل مؤلم أصبحت احتمالات مثل هذه النتيجة غير مرجحة بشكل متزايد.

في خريف عام 1957 بعد نشر مجموعة الروايات القصيرة المنفى والمملكة صُدم كامو بنبأ حصوله على جائزة نوبل للآداب، واستوعب الإعلان بمشاعر مختلطة من الامتنان والتواضع والذهول، ومن ناحية أخرى كانت الجائزة بمثابة شرف عظيم، ومن ناحية أخرى لم يشعر فقط أنّ صديقه وزميله الروائي المحترم أندريه مالرو كان أكثر استحقاقًا بل كان يدرك أيضًا أنّ نوبل نفسه كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنّه نوع من الأوسمة التي تُمنح عادةً للفنانين في نهاية مسيرة طويلة.

ومع ذلك كما أشار في خطاب القبول الذي ألقاه في ستوكهولم فقد اعتبر أنّ حياته المهنية لا تزال في منتصف الرحلة، ولا يزال أمامها الكثير من الإنجازات بل وحتى تحديات أكبر في الكتابة فقد أوضح بأنّ كل شخص وبالتأكيد كل فنان يريد أن يتم الاعتراف به، وكذلك الحال بالنسبة لكامو، ولكنه لم يستطع استيعاب قراره دون مقارنة تأثيره المدوي مع وضعه الفعلي.

فكامو أصبح في نطاق مشاعر مختلطة بين الفرحة والذهول فهو يرى نفسه رجل يكاد يكون شابًا وغني بشكوكه فقط ومع استمرار عمله، وكيف يمكن لمثل هذا الرجل ألّا يشعر بنوع من الذعر عند سماع مرسوم ينقله فجأة إلى مركز الأضواء الساطعة؟ وبأي مشاعر يمكن أن يتقبل هذا التكريم في وقت يُحكم فيه على الكتاب الآخرين في أوروبا ومن بينهم أعظمهم بالصمت وحتى في وقت يمر فيه البلد الذي ولد فيه ببؤس لا ينتهي؟

بالطبع لم يكن بإمكان كامو أن يعرف لأنّه أوضح هذه الأمور والمشاعر التي كانت في الواقع وراءه معظم حياته المهنية في الكتابة، وعلى مدار العامين التاليين نشر مقالات واستمر في كتابة وإنتاج وتوجيه المسرحيات بما في ذلك اقتباسه عن مسرحية دوستويفسكي الممسكون (The Possessed)، كما صاغ مفاهيم جديدة للسينما والتلفزيون وتولى دورًا قياديًا في مسرح وطني تجريبي جديد، واستمر في حملته من أجل السلام والحل السياسي في الجزائر، ولكن لسوء الحظ لن يتم تنفيذ أي من هذه المشاريع الأخيرة.


شارك المقالة: