وُلد بيتر أبيلارد الابن الأكبر لأقل طبقة نبل في لا باليه في بريتاني في عام 1092 في فرنسا، وتوفي في 21 نيسان 1142، ودُفن في باراكليت وهو الدير الذي أسسه مع هيلواز، واليوم تم دفن جثتي أبيلارد وهيلواز في مقبرة بير لاشيز في باريس، عالم اللاهوت وفيلسوف فرنسي معروف بحله لمشكلة الكون، واستخدامه الأصلي للديالكتيك.
حياة الفيلسوف أبيلارد:
عن عمر يناهز 13 عامًا تخلى أبيلارد عن ميراثه وسام الفروسية، وبدأ تعليمًا فلسفيًا استثنائيًا مع أعظم العقول الفلسفية واللاهوتية في عصره من مثل روسيلين من كومبينر ووليام شامبوكس وأنسلم من لاون، على الرغم من أنّ كل من هؤلاء الرجال كان في ذروة سمعته الفكرية إلّا أنّ أبيلارد سرعان ما أصبح محبطًا تجاههم جميعًا.
حيث انتقل أولاً من روسيلين إلى ويليام ثم أسس مدرسته الأولى في ميلون عام 1102 معتقدًا أنّه قادر على القيام بعمل أفضل، وأدار هذه المدرسة بنجاح لمدة عامين حتى أُجبر على العودة إلى بريتاني، ويدّعي أنّ هذا كان بسبب اعتلال الصحة، وتكهن كتاب السيرة الذاتية الحديثين أنّ الأمر يتعلق أكثر بالاضطرابات السياسية التي تورط فيها راعيه ستيفن دي جارلاند.
في عام 1108 عاد إلى باريس للدراسة مرة أخرى مع ويليام، وربما كان الصراع حتميًا بين الباحث الراسخ الذي اشتهر بكونه المفكر الرائد في باريس والشاب العبقري الذي شعر أنّه يستحق تاجًا أكبر، وبين عامي 1108 و1110 كان لدى أبيلارد وويليام نزاعاتهم الشهيرة حول طبيعة المسلمات، ويدّعي أبيلارد أنّه طرد ويليام من مدارس باريس خجلًا، ولكن في الواقع غادر ويليام باريس ليصبح أسقفًا لشالون سور مارن وسفيرًا بابويًا في بلاط الإمبراطور هنري الخامس، وربما لا يكون هذا مخجلًا كما يقترح أبيلارد لكن آراء ويليام حول المسلمات لم يعتنقها فيلسوف آخر بجدية منذ ذلك الحين.
استمر أبيلارد في التدريس بنجاح حتى عام 1113 عندما غادر لدراسة اللاهوت مع أنسيلم من لاون، وكان أبيلارد محبطًا بنفس القدر من أنسيلم لكنه لم يكن محظوظًا تمامًا في هذا النزاع، ونصّب أبيلارد نفسه كمحاضر منافس ولقد اجتذب العديد من طلاب أنسيلم لنفسه، لكنه اكتسب العداء الدائم للآخرين، وكان تلاميذ أنسيلم المظلومون يلازمون أبيلارد طوال حياته المهنية، وسرعان ما استحوذوا على سانت برنارد من كليرفو كبطل لهم، حيث احتاج برنارد إلى القليل من الإقناع.
لقد أساء إلى محاولة أبيلارد تطبيق أدوات المنطق والجدلية على الأسئلة التي شعر برنارد أنّها صوفية وروحية بشكل صحيح، ونظّم برنارد مرتين مجالس حيث أدينت أعمال أبيلارد، وفي سواسون عام 1122 حيث أُجبر أبيلارد على حرق كتابه الخاص معرض اللاهوتيين (Theologia Summi Boni)، وفي سنس عام 1140 تمت إدانة نسخة منقحة علماء اللاهوت (Theologia Scholarium) وحُرم أبيلارد وأتباعه كنسياً.
كانت هذه الإدانات في المستقبل عندما عاد أبيلارد إلى باريس عام 1113 لتولي كرسي نوتردام الذي أخلاه ويليام شامبو، ومرة أخرى درس أبيلارد بنجاح لبضع سنوات، وفي عام 1116 أو ما يقرب من ذلك بدأ أبيلارد علاقة مع هيلواز تلميذه وابنة أخت فولبرت قانون نوتردام، وكان من المقرر أن تصبح واحدة من أعظم عقول القرن الثاني عشر في حد ذاتها، وقصصهم هي قصة الحب المأساوية الكبرى في العصور الوسطى.
وقعا في الحب ورزقا بطفل وتزوجا سرًا وتبادلا سلسلة من رسائل الحب التي أصبحت مادة أسطورة، ولسوء الحظ أبقوا زواجهما سرًا من فولبرت، ومارس عم هيلواز الحق التقليدي للعائلات المتضررة في مثل هذه الحالات وقام بإخصاء أبيلارد.
على مدى السنوات العشر التالية قام أبيلارد بمهنة راهب فاشلة، وبسبب سمعته أراد العديد من الأديرة المطالبة به على أنّه ملكهم، وبسبب شخصيته نادرًا ما نجح هذا بشكل جيد، وغادر القديس دينيس بعد إثبات أنّ مؤسس الدير لا يمكن أن يكون القديس دينيس كما ادعوا، بل كان القديس دينيس مختلفًا وأقل أهمية، وفي عام 1126 تم تعيينه رئيسًا للقديس جيلداس، ولقد انتخب من قبل الاخوة بناء على شهرته الملتهبة، ولقد أصيبوا بخيبة أمل شديدة لأنّهم وصلوا إلى أبيلارد مصلحًا صارمًا للنظام الرهباني، ويدّعي أبيلارد أنّ الرهبان حاولوا قتله.
عاد أبيلارد إلى باريس للمرة الأخيرة عام 1133 حيث قام بالتدريس والكتابة حتى مجلس سينس عام 1141، وعمل القديس برنارد بجد خلف الكواليس لضمان إدانة أبيلارد وأعماله، واعترافًا بأنّ المجلس لم يكن منتدى لمناقشة الأفكار بل هو عبارة عن لجنة تم تجميعها لتأكيد استنتاج محدد مسبقًا، وكان أبيلارد صامتًا بشكل مشهور عند استجوابه، واستأنف القرار مباشرة لدى البابا في روما، ومرة أخرى انتصرت صلات برنارد الفائقة ومهاراته الدبلوماسية.
قبل أن يتمكن أبيلارد من مغادرة فرنسا كان برنارد قد دبر بالفعل إعلانًا من البابا يؤيد قرار المجلس، ورفع البابا الحرمان لكن حكم على أبيلارد بالصمت، وعاش أبيلارد أيامه تحت حماية بطرس المبجل رئيس دير كلوني.
أعمال الفيلسوف أبيلارد:
أشهر كتابات أبيلارد هي سيرته الذاتية تاريخ المصائب (Historia Calamitatum)، والرسائل التي تبادلها مع هلواز (Heloise) وكذا و لا (Sic et Non)، وكتاب التاريخ الذي كتب بعد هروب أبيلارد من سانت جيلداس، ويوضح تفاصيل صعود أبيلارد إلى الشهرة ومآسي سقوطه، حيث إنّها موجهة إلى صديق مجهول على أمل أن يشعر هذا الصديق بتحسن بشأن معاناته بعد قراءة أبيلارد.
كان الهدف الحقيقي على الأرجح هو تذكير الناس بشهرة أبيلارد السابقة وتمهيد الطريق للعودة إلى باريس، وتناقش رسائل أبيلارد وهيلواز قضايا تتراوح من علاقتهما إلى الأمور اللاهوتية والفلسفية التي تؤثر على راهبات هيلواز في باراكليت، ففي القرن الماضي كان هناك جدل كبير حول صحة هذه الرسائل أو على الأقل حول رسائل هيلواز، ومن المقبول عمومًا الآن أنّ الحروف أصلية، وأنّ هيلواز كانت شخصية هائلة في الحياة الواقعية كما تظهر في رسائلها.
لا يحتوي (Sic et Non) بالمعنى الدقيق للكلمة على أي من أفكار أبيلارد الأصلية، وبدلاً من ذلك جمع أبيلارد قائمة من 158 سؤالاً لاهوتياً مثيراً للجدل وقام بتجميع كتابات من السلطات بعضها لـ (Sic) والبعض عارضها (Non)، ويجب أن يكون القارئ قادرًا على حل النزاع الظاهر بين السلطات وأن يفهم الإجابات على الأسئلة المطروحة من خلال المناقشة العقلانية.
تمت كتابة معظم أعمال أبيلارد في المنطق والميتافيزيقيا في تلك الفترات التي كان يدرّس فيها في باريس وما حولها، والنتيجة هي أقدم أعمال أبيلارد وهي سلسلة من اللمعان تسمى مقدمة الأطفال الصغار (Parvulorum) قريبًا في الأعوام من 1100 إلى 1104، وهذه عبارة عن شرح سطري تقريبًا للنصوص المنطقية القياسية المتوفرة في الغرب اللاتيني:
1- مقدمة أرسطو.
2- فلسفة المنطق الجزيئي.
3- الموضعية والاختلافات.
4- تصنيفات أرسطو وإضفاء الطابع الرسمي عليها.
تُظهر هذه التعليقات النصية القريبة مدى تأثر فكر أبيلارد المبكر بمعلمه الأول روسيلين، ويشرح أبيلارد هذه النصوص -حتى الفئات- على أنّها تتعلق بالكلمات واللغة وليس الأشياء في العالم.
في مهمته الثانية في التدريس في باريس كتب أبيلارد سلسلة أخرى من التعليقات على نفس الأعمال المكونات المنطق (Logica Ingredientibus) وأطروحة في المنطق واللهجات (Dialectica) حوالي 1115-1119، وهذه الأعمال أكثر اتساعًا، وهنا طور أبيلارد شكله المميز من الاسمية وطور أفكاره الأكثر تأثيرًا في المنطق.
يعكس التحول من غناء روسيلين نظرية الكلمات إلى نظريته الاسمية ونظرية الأسماء وفهمًا أكثر تعقيدًا لعلم الدلالات والميتافيزيقيا تم تطويره أثناء الجدل مع ويليام، ويحتوي منطق العريضة (The Logica Nostrorum Petitioni Sociorum)، وهو تعليق لاحق على أرسطو ربما من مهمته الثالثة في باريس، وعلى إعادة صياغة وربما عدة تغييرات طفيفة في نظريته عن المسلمات.
في فترة تعليمه الأخيرة في ثلاثينيات القرن الحادي عشر، وتحول أبيلارد بشكل أساسي إلى الأخلاق واللاهوت، وحظيت محاضراته حول المنطق بحضور جيد لكن جون من سالزبوري يشير إلى أنّ أبيلارد لم يعد في طليعة حياته المهنية، وكُتب كلا العملين الأخلاقيين الرئيسيين لأبيلارد وهما الأخلاق أو اعرف نفسك والحوار بين فيلسوف ويهودي ومسيحي (أو كولونيشن) في أواخر عام 1130.
على مدار حياته المهنية كتب أبيلارد ثلاث رسائل متميزة عن الثالوث، وإنّ تسلسل وتطور الفكر الثالوثي لأبيلارد معروف بشكل أفضل من بعض الجوانب الأخرى لفكر أبيلارد، فمعرض اللاهوتيين أدين في مجلس سواسون عام 1122، وتظل اللاهوت كريستيانا الأكثر تأثيراً من بين الثلاثة، وهذا لأنّ علماء اللاهوت الثالث نفسه أدين بمشورة سنس حيث تم طرد أبيلارد وأتباعه كنسياً، بالإضافة إلى هذه الأعمال الواسعة حول الثالوث كتب أبيلارد العديد من التعليقات على كتب الكتاب المقدس والمناجاة والقصائد الأخلاقية والدينية ودراسات المذاهب المختلفة.