كل الأمم تتميز بميراثها الثقافي الذي تملكه، والذي بدوره يصور الكثير من الوقائع والمناسبات، التي حصلت خلال التاريخ، ولعل من أكثر أنواع التراث شهرة “الأمثال الشعبية” والحكم، ويقوم الناس باستخدام هذه الأمثال أو الحكم إذا مرّوا بظرف أو حدث مشابه للحدث الأصلي الذي قيلت فيه تلك الأمثال، فيعبرون عنه بمثل أو حكمة، وهكذا تبقى محفوظة، ويتداولها الناس جيلًا بعد جيل مع إضافة ما استجد من أمثال تعبر عن أحداث الحاضر، والمثل الذي سنتناوله لاحقًا، هو: “خالف تُذكر”.
فيم يضرب مثل: “خالف تعرف”؟
مثل: “خالف تعرف”، وفي صيغة أخرى: “خالف تُذكر”، من الأمثال العربية الرائجة، والتي تشيع على ألسنة الناس، وهو يُضرب للإشارة إلى بعض الأشخاص الذين يحبون أن يخالفوا السير، أو يخرجون عن المنهج المعهود لكل الناس، ويسلكون طريقًا آخر.
قصة مثل: “خالف تعرف”:
في قديم الزمان، وتحديدًا في العصر الأموي، اشتهر شاعر بهجائه اللاذع، واسمه: ” جرول بن أوس العبسي”، المعروف بالحطيئة، وفي يوم من الأيام مضى الحطيئة إلى الكوفة، وهناك قابل رجلًا، فتبادل معه أطراف الحديث، وقال له: دلني على أكثر هذا البلد طائلًا، فرد عليه الرجل، وقال: عليك بعتبة بن النهاس العجلي، حيث أشار الرجل بيديه على بيت عتبة، ومضى الحطيئة نحوه، وتصادف مع رجل فسأله: أنت عتيبة، فرد عليه الرجل، وقال: لا، إن اسمك لشبيه بذلك، فقال : أنا عتبة فمن أنت؟، فقال: أنا جرول فسأله عتبة: ومن جرول، فقال: أبو مكيكة، فقال عتبة: والله ما ازددت إلا عمى، عند ذاك، قال له: أنا الحطيئة، فقال عتبة: مرحبًا بك، فسأله الحطيئة قائلًا: حدثني عن أشعر الناس، من هو؟، فقال له: إنه أنت، فقال الحطيئة: خالف تذكر، بل أشعر مني من قال:
“ومن يجعل المعروف من دون عرضه يفره، ومن لا يتق الشتم يشتم “،
“ومن يك ذا فضله فيبخل بفضله على قومه يستغن عنه ويذمم” ،
عند ذاك أدرك عتبة الذي يقصده الحطيئة، وخرج الخطيئة من بيته، وهو يقول: سئلت فلم تبخل، ولم تعط طائلًا، فسيان حالك ،لا ذم عليك ولا حمد.