دور الفيلسوف فرانسيس بيكون في التعليم

اقرأ في هذا المقال


كان الفيلسوف فرانسيس بيكون محاميًا ورجل دولة وكاتب مقالات ومؤرخًا ومصلحًا فكريًا وفيلسوفًا وبطل العلم الحديث، وفي بداية حياته المهنية ادعى أنّ كل المعارف هي مقاطعته ومجاله، وبعد ذلك كرس نفسه لإعادة تقييم وإعادة هيكلة التعلم التقليدي بالجملة، ليحل محل التقليد الراسخ من مجموعة متنوعة من المدرسية والإنسانية والسحر الطبيعي.

واقترح نظامًا جديدًا بالكامل يعتمد على المبادئ التجريبية والاستقرائية والتطور النشط للفنون والاختراعات الجديدة، وهو نظام يكون هدفه النهائي هو إنتاج المعرفة العملية، كما كرس نفسه في نهاية حياته بدوام كامل لأعماله الأدبية والعلمية والفلسفية المستمرة، تاركًا وراءه إرثًا ثقافيًا يتضمن في السراء والضراء معظم أسس انتصار التكنولوجيا والعالم الحديث كما نعرفه حاليًا.

العمل الفلسفي منشأة كبيرة لبيكون:

(Instaurationis Magnae) أي المنشأة الكبيرة وهي عمل فلسفي قدّمه بيكون مكتوبًا باللغة اللاتينية.

في وقت مبكر من عام 1592 في رسالة مشهورة إلى عمه اللورد بيرغلي أعلن بيكون أنّ كل المعرفة هي مقاطعته ومجاله، وتعهد بالتزامه الشخصي بخطة لإعادة التأهيل وإعادة تنظيم التعلم على نطاق واسع، وفي الواقع كرس نفسه لمشروع طويل الأمد للإصلاح الفكري ويمكن النظر إلى التوازن في حياته المهنية على أنّه جهد مستمر للوفاء بهذا التعهد.

في عام 1620 بينما كان لا يزال في ذروة نجاحه السياسي، نشر الوصف الأولي والخطة لعمل ضخم من شأنه أن يلبي تمامًا طموحاته المعلنة سابقًا، وكان من المقرر أن يُطلق على العمل المخصص لجيمس اسم (Magna Instauratio) أي الصرح الكبير أو التأسيس العظيم، وسوف يمثل نوعًا من الخلاصة أو تتويجًا لكل أفكار بيكون حول مواضيع تتراوح من المنطق ونظرية المعرفة إلى العملية العلم، أو ما كان يُطلق عليه في أيام بيكون الفلسفة الطبيعية، حيث كانت كلمة العلم آنذاك مرادفة عامة لكلمة الحكمة أو التعلم.

مثل العديد من مشاريع بيكون لم يتم الانتهاء من (Instauratio) في شكله المتصور، ومن الأجزاء الستة المقصودة تم الانتهاء من أول جزأين فقط بينما تم الانتهاء من الأجزاء الأخرى جزئيًا فقط أو بالكاد بدأت، وبالتالي فإنّ العمل كما لدينا هو أقل شبهاً بالنصب التذكاري الواسع ولكن المنحوت جيدًا الذي تخيله بيكون أكثر من كونه نوعًا من التنوعات الفلسفية أو حقيبة الاستيلاء.

نُشر في عام 1623 الجزء الأول من المشروع (De Dignitate et Augmentis Scientiarum) وهي تسعة كتب عن الكرامة وتقدم التعلم، كما إنّها في الأساس نسخة مكبرة من إتقان التعلم والنهوض به (Proficience and Advancement of Learning) السابقة والتي قدمها بيكون لجيمس عام 1605.

بينما يقدم الجزء الثاني جديد العضوية (Novum Organum) شرحًا مفصلاً للمؤلف وشرحًا للإجراء الصحيح لتفسير الطبيعة، وظهرت لأول مرة في عام 1620، ويقدم هذان العملان معًا العناصر الأساسية لفلسفة بيكون، بما في ذلك معظم الأفكار والمبادئ الرئيسية التي توصلنا إلى ربطها بمصطلحي (بيكون) و(بيكونية).

فلسفة بيكون في تقدم التعلم:

في وقت مبكر نسبيًا من حياته المهنية حكم بيكون ذلك، ويرجع ذلك أساسًا إلى التبجيل غير الضروري للماضي، بالإضافة إلى الاستيعاب المفرط للغرور الثقافي والعبث، ووصلت الحياة الفكرية في أوروبا إلى نوع من الجمود أو التوقف التام أو الركود، ومع ذلك كان يعتقد أنّ هناك طريقة ما وراء هذا الركود إذا كان الأشخاص المتعلمون المسلحين بأساليب ورؤى جديدة يفتحون أعينهم وعقولهم ببساطة على العالم من حولهم.

كانت هذه على أي حال الحجة الأساسية لأطروحته الأساسية في عام 1605 بعنوان الاحتراف وتقدم التعلم (The Proficience and Advancement of Learning)، والتي يمكن القول إنّها أول عمل فلسفي مهم يُنشر باللغة الإنجليزية، حيث في هذا العمل رسم بيكون الموضوعات والأفكار الرئيسية التي واصل صقلها وتطويرها طوال حياته المهنية، بدءًا من فكرة وجود عقبات أو أمراض واضحة للتعلم يجب تجنبها أو التخلص منها قبل أن يكون هناك مزيد من التقدم ممكنًا.

فلسفة بيكون في مشكلات التعلم:

يحدد بيكون أنّ هناك ثلاث حالات من الغرور في الدراسات حيث يتم تداول التعلم بشكل كبير، وهكذا يمضي بيكون في الكتاب الأول من التقدم في الإشارة إلى هذه الأشياء الزائفة على أنّها (مشكلات التعلم) الثلاثة ويحددها بأسلوبه المميز الذي لا يُنسى وهي:

  • التعلم الخيالي.
  • التعلم المثير للجدل.
  • التعلم الدقيق.

ويتم تحديدها بإسلوبه الرائع على أنّها:

  • تخيلات باطلة.
  • مشاحنات عبثية.
  • عواطف عبثية.

من خلال التعلم الخيالي أي التخيلات الباطلة كان بيكون يدور في ذهنه ما نسميه اليوم بالعلم الزائف: أي مجموعة من الأفكار التي تفتقر إلى أي أساس حقيقي أو جوهري، والتي يعلنها بشكل رئيسي دعاة السحر والتنجيم، والتي يتم حمايتها بعناية من النقد الخارجي، والذي يتم تقديمه إلى حد كبير لجمهور من المؤمنين الحقيقيين الساذجين، حيث أنّه في أيام بيكون كان هذا العلم التخيلي مألوفًا في شكل علم التنجيم والسحر الطبيعي والكيمياء.

من خلال التعلم المثير للجدل أي المشاحنات العبثية كان بيكون يشير بشكل أساسي إلى الفلسفة واللاهوت الأرسطي وخاصة إلى التقليد السكولاستيكي الخاص بتقسيم الشعر المنطقي والمراوغة الميتافيزيقية، ولكن العبارة تنطبق على أي مسعى فكري يكون الهدف الرئيسي فيه ليس معرفة جديدة أو فهمًا أعمق ولكن نقاشًا لا نهاية له يعتز به من أجل حد ذاته.

كان التعلم الدقيق أي التأثيرات الباطلة هو تسمية بيكون للنزعة الإنسانية الجديدة، بقدر ما في رأيه لم يكن مهتمًا بالاستعادة الفعلية للنصوص القديمة أو استعادة المعرفة السابقة، ولكن فقط بإحياء الزخارف الخطابية لشيشيرون و استنساخ أسلوب النثر الكلاسيكي، ومثل هذا الانشغال بـ:

  • الكلمات أكثر من المادة.
  • اختيار العبارة.
  • السقوط اللطيف للجمل.

باختصار بالأسلوب على الجوهر بدى لبيكون (المصمم الدقيق في حد ذاته) الأكثر إغراءً وانحطاطًا نائب أدبي في عصره.

وهنا قد نلاحظ أنّه من وجهة نظر بيكون فإنّ اختلالات أو مشكلات التعلم تشترك في عيبين رئيسيين وهما:

  • البراعة الضالة: أي أنّ كل ضغينة تمثل إهدارًا فخمًا ومؤسفًا للموهبة، حيث أنّ العقول الإبداعية التي يمكن توظيفها في مساعي أكثر إنتاجية تستنفد طاقتها على المشاريع الصغيرة أو الصبيانية بدلاً من ذلك.
  • النتائج العقيمة: أي بدلاً من المساهمة في اكتشاف معرفة جديدة، وبالتالي في تقدم عملي للتعلم وفي النهاية إلى حياة أفضل للجميع، فإنّ اختلالات ومشكلات التعلم هي في الأساس تمارين في المجد الباطل الشخصي، الذي يهدف إلى المزيد قليلاً من التنظير الخامل أو الحفاظ على أشكال المعرفة القديمة.

باختصار من وجهة نظر بيكون تعرقل الاضطرابات التقدم الفكري الحقيقي من خلال استدراج المفكرين الموهوبين إلى مشاريع غير مثمرة أو خادعة أو تخدم مصالحهم الشخصية، وما هو مطلوب وهذا موضوع تكرر في جميع كتاباته اللاحقة حول التعلم والتقدم البشري هو برنامج لإعادة توجيه نفس الطاقة الإبداعية إلى اكتشافات جديدة مفيدة اجتماعيًا.


شارك المقالة: