راسل ونظرية الخطأ في تحديد مفهوم الخير

اقرأ في هذا المقال


العمل الفلسفي، هل هناك خير مطلق؟ تم تسليمه في 14 آذار 1922 في اجتماع خاص لرسل كامبريدج، حيث ينفتح برتراند راسل في الأسلوب الرقيق والفاخر الذي يميل الرسل إلى الإعجاب به:

“عندما كان الجيل الذي أنتمي إليه شابًا أقنعنا مور جميعًا أن هناك خيرًا مطلقًا، واستنتج معظمنا أننا كنا جيدين تمامًا، ولكن هذا ليس جزءًا أساسيًا من موقف مور رغم أنّه أحد أكثر أجزائه جاذبية”.

فلسفة راسل في الأحكام الأخلاقية ومفهوم الخير:

سرعان ما يتجه نحو الأعمال الفلسفية فيما يجب أن يكون أحد أكثر الأوراق البحثية الأخلاقية شقاوة المسجلة والتي يبلغ طولها 809 كلمة فقط، حيث يقول أنّ جورج إدوارد مور على حق في التفكير في أنّه: “عندما نقول أنّ شيئًا ما جيد فإننا لا نعني فقط أنّ لدينا تجاهه شعورًا معينًا من الإعجاب أو الموافقة أو لا”.

في الواقع إنّ الأحكام الأخلاقية تدّعي الموضوعية، أي أنّهم يزعمون أنّهم يخبرون الأمر كما هو، ومع ذلك فإنّ هذا الادعاء في الموضوعية يجعلها كلها زائفة، وبما أنّه لا توجد خاصية للخير تقابل (الخير) اللغوي المسند فلا شيء يمكن أن يمتلكه.

ومن ثم فإنّ أي ادعاء بأنّ الصداقة أو أي شيء آخر جيد سيكون خاطئًا لأنّه لا يوجد شيء مثل الخير للصداقة أو المتعة والشيء نفسه ينطبق على الشر، وعلاوة على ذلك إذا لم يكن هناك شيء مثل الخير أو الشر فلا يوجد شيء مثل الصواب أيضًا، لأنّه لكي يكون الفعل صحيحًا حقًا يجب أن يكون من المتوقع بشكل معقول أن ينتج عنه المزيد من الخير وأقل سوءًا من أي بديل.

ولكن إذا لم يكن هناك شيء مثل الخير ليتم إنتاجه فلا يمكن توقع أن ينتج منه أي عمل أكثر من أي عمل آخر، وبالطبع يمكن أن يكون الإجراء صحيحًا نسبيًا، أي من المرجح أن ينتج المزيد مما يعتقد شخص ما أنّه جيد وأقل مما يعتقده شخص ما أنّه سيء من أي بديل آخر، ولكن لا يمكن لأي عمل أن يكون صوابًا أو إلزاميًا حقًا حيث لا توجد خصائص مثل الخير أو السيء للفاعلين الضميريين لتعظيم أو تقليل.

نظرية الخطأ للفيلسوف ماكي وفلسفة راسل:

حتى الآن هذا يشبه إلى حد بعيد نظرية الخطأ لجون ليزلي ماكي ولكن هناك تطور، فبالنسبة لماكي كما هو الحال مع راسل فإنّ كلمة (جيد) هي مسند ذو مغزى على الرغم من عدم وجود خاصية مقابلة للكلمة، لكن ماكي على عكس راسل غير منزعج من هذه الحقيقة، وبقدر ما يتعلق الأمر بماكي فإنّ المسندات ذات المغزى التي تشير إلى خصائص غير موجودة لا تشكل أي مشاكل معينة.

لكن بالنسبة إلى راسل لا يمكننا التحدث بشكل هادف عن الأشياء غير الموجودة إلّا إذا تم تعريفها من حيث الأشياء التي نعرفها، وهذا هو نتيجة لمبدأه الأساسي أنّ كل اقتراح يمكننا فهمه يجب أن يتكون بالكامل من مكونات نعرفه، كما يجب أن تتكون الجمل التي يمكننا فهمها من كلمات نعرف معناها.

ووفقاً لراسل فإنّه يبدو من الطبيعي أن نستنتج كما فعل مور أنّه بما أنّ الافتراضات التي تظهر فيها كلمة (جيد) لها معنى، فإنّ كلمة (جيد) نفسها لها معنى، وهذا مع ذلك هو (مغالطة).

المشاعر الأخلاقية في فلسفة راسل:

ليس هذا كل شيء فقد تتكون المشاعر الأخلاقية للإنسان جزئيًا من المعتقدات الأخلاقية، وما يميز الاستحسان عن الشعور الدافئ بالإعجاب ليس اختلافًا في النكهة الظاهراتية، بل الاعتقاد بأنّ الشيء الذي نوافق عليه جيد أو صحيح.

إنّ مشاعر الإنسان الأخلاقية هي مشاعر، حيث أنّ ما يلي ذلك هو حكم أخلاقي، ولكن إذا لم يكن لدى مشاعر الإنسان الموافقة أو الرفض بدون المعتقدات الأخلاقية المقابلة، فلا يمكن تفسير الأصول الفكرية للمفاهيم المشتركة عن الخير والشر من حيث المشاعر الموجودة مسبقًا بالموافقة أو الرفض.

قبل هذه المفاهيم لم تكن هناك مثل هذه المشاعر، وليس هذا هو النقد الذي أغرق النظريات الانفعالية لآير (Ayer) وستيفنسون (Stevenson)، فلا تكمن المشكلة في أنّ تحليل راسل لـ (الخير) يشكّل حلقة مفرغة بشكل مفرط لأنّه يفترض مسبقًا المفهوم ذاته الذي يدّعي تفسيره.

تكمن المشكلة في أنّ سلسلة النسب لكلمة (الخير) دائرية بشكل مفرط، وبالتالي خاطئة لأنّها تفترض مسبقًا المفهوم الذي يدعي شرحه، ولأنّ راسل بصفته مُنظّرًا للخطأ لا يعرّف (الخير) و(السيء) من حيث الموافقة والرفض، بدلاً من ذلك يعطي سلسلة نسب لهذه المفاهيم التي تلعب فيها مشاعر الاستحسان والرفض دورًا حاسمًا.

وعلى حد تعبيره هو نفسه: “إنّ مشاعر الموافقة والرفض لا تدخل في معنى الاقتراح”(M) جيد”، ولكن فقط في نشأته”.

لكن مفاهيمنا عن (الخير) و (السيء) لا يمكن أن تنجم عن مشاعر الموافقة والرفض السابقة إذا كانت هذه المشاعر تتكون جزئيًا من المعتقدات ذاتها التي من المفترض أن تسببها، ولا يمكن أن يكون سبب اعتقاد المرء بأنّ (M) جيد هو الميل إلى الموافقة على (M)، إذا لم يستطيع المرء الموافقة على (M) دون الاعتقاد بأنّ (M) جيد.

ومع ذلك فإنّ الصعوبة الحقيقية فيما يتعلق بنظرية خطأ راسل والتي من المحتمل أن يكون لها وزن مع راسل نفسه تبدو أنّها هذه، وبالنظر إلى نظرية راسل للمعنى يمكنه فهم الخصائص غير الموجودة ولكن ليس المسندات غير الطبيعية، على الأقل لا يستطيع أن يُفهم المسندات التي لا يمكن تحديدها من حيث الأشياء التي يعرفها الإنسان.

وهكذا على افتراض أنّ الإنسان ليس على دراية بالصلاح، والذي من الواضح أنّه لا يستطيع أن يكون إذا لم يكن هناك شيء من هذا القبيل حقًا، وعلى افتراض أنّ (الخير) لا يمكن تعريفه من حيث الأشياء التي نعرفها والتي تبدو جميلة معقول إذا لم يكن معادلاً لأي مسند طبيعي، فليس من الممكن حتى فهم (الخير) الأصلي.

على الأقل ليس من الممكن فهمه إذا تم تفسيره على أنّه مسند وصفي تتمثل وظيفته في الإشارة إلى خاصية سواء كانت حقيقية أو غير موجودة.

بعد عام 1922 تخلى راسل عن نظرية الخطأ وعاد إلى العاطفة التي كان يغازلها منذ عام 1913 والتي تظل أسبابه غامضة، ولكن ربما كان له علاقة بحقيقة أنّ مبدأه الأساسي عندما يقترن بحجة السؤال المفتوح (OQA)، بحيث يجعل من الصعب إن لم يكن من المستحيل فهم (الخير) باعتباره مكانًا لممتلكات غير موجودة وغير طبيعية في نفس الوقت.

منذ أن احتفظ بإيمانه بالمبدأ الأساسي كان عليه أن يتخلى عن نظرية الخطأ، وبما أنّه رفض موضوعية الأخلاق بالفعل، وهو ما يمكن أن نصفه هذه الأيام بالواقعية الأخلاقية، ولم يترك له هذا أي بديل سوى شكل من أشكال اللادراكية.


شارك المقالة: