يُعد المؤلف والأديب أنطون تشيخوف وهو من مواليد دولة روسيا من الكُتاب الذين اشتهرت رواياتهم بالتعبير الصادق والحقيقي عن المشاعر الإنسانية التي يمر بها الإنسان في حياته، حيث تم تصنيفه من قبل الأدباء والمؤرخين أنه من كبار الأدباء الروس في مجال كتابة الأدب الروسي والقصص، وقد ساهم إلى حد كبير في التأثير بالكُتاب من بعده، وقد تم النشر له مجموعة كبيرة من الروايات والقصص التي تعدت المئات.
نبذة عن الرواية
تناولت الرواية الحديث حول موضوع المشاعر والأحاسيس التي تختلج داخل النفس الإنسانية كما قدم وصف دقيق لتلك العواطف، وقد كان الأسلوب في سرد الرواية يمتاز بالإبداع، حيث قدم الكاتب من خلال الرواية حالة شخصية تعمل في مجال الطب وتعرضت للإصابة بأحد أنواع الأمراض وكيفية المعاناة منها ومدى تأثيرها على نفسية المريض.
رواية الحمى
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول اللحظة التي كان القطار يسير بها بين المناطق بسرعة كبيرة حيث كان قد غادر من مدينة بتروغواد ويتوجه نحو مدينة موسكو، وفي واحدة من العربات في القطار كان يجلس أحد الضباط الذين يعملون في الشرطة ويدعى كليموت، وهو شاب في مقبل العمر لكن ما كان يبعثره هو إصابته بأحد الأمراض الخطيرة، وعلى أثر ذلك المرض ظهرت عليه بعض العلامات الناتجة عن شدة الألم، وكان يجلس بجانبه رجل كبير في العمر ولكنه ما زال يتمتع بصحة جيدة، فقد كان يظهر عليه أثار حياة الرفاهية والعيش الكريم.
كان يظهر الرجل المسن بصورة مسكه لغليون من الدخان كما كان لديه أسلوب في الكلام شره لدرجة كبيرة، فقد كان يتحدث إلى كليموت عن السبب وراء قدومه إلى مدينة موسكو، كما تحدث عن وجود شقيق له يعمل كضابط في الشرطة، وفي تلك الأثناء كان كليموت تنتابه حالة من الدوار ودوخة في الرأس بالإضافة إلى ملازمة الصداع شديد له طوال الوقت، لكن الرجل مع كل الحالة التي يمر بها الضابط لم يتوقف عن الحديث بل استمر بالكلام وكأنه لم يرى الحالة التي يشعر بها كليموت.
كان الضابط بالكاد أن يقوى على الإجابة عن الأسئلة التي يفرضها الرجل المسن عليه، هنا بدأ الغضب والبغضة تثور داخل كليموت فهو في حالة مزرية لا تسمح له بالحديث، وفي لحظة ما يرغب في أن يقوم بأخذ الغليون من الرجل ويذرف بها على أرضية القطار، وكان يحدث نفسه قائلاً: ما أفظع تلك النوعية من البشر وما أبغضهم إلى النفس إنهم يمتازون بثقالة على القلب، فقد كان الضابط قد ضاقت به النفس من جراء تصرفات الرجل.
وبعد مرور لحظات ازداد شعور الضابط كليموت بمزيد من الأعراض للمرض مما جعله يدخل في وعكة وكآبة وألم بشكل أكبر، فبدأت تزداد ظهور العوارض على ملامحه إذ أنّ وجهه صار بلون شاحب جداً ويتماشى الجفاف والظمأ إلى أعضاء جسده، كما ثقلت عليه رأسه وازداد عليه الشعور بألم الصداع، وبالنسبة له كان يرى أن الوقت يسير بشكل بطيء جداً في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى يسير بسرعة، وكان يلاحظ من شباك القطار أنّ كل القطارات الأخرى التي تمر من جانب قطاره تمر بشكل سريع، أمّا عن قطاره يتأنى في السير، وبقي الرجل على حاله يدخن على الغليون وينثر دخانه في الهواء، وهذا ما زاد من كآبة الجو وبدأ يشعر الضابط وكأنه داخل كابوس يطبق على صدره.
أخذ الضابط في عدة محاولات أن يريح جسده بمده على المقعد، ولكنه لم يقوى على النوم وبقيت الخواطر السوداء تشغل تفكيره، وفي تلك اللحظة توجه الرجل المسن إلى الخلود إلى النوم لفترة، وأول ما مدّ جسده، بدأ يصدر منه صوت شخير عالي ومزعج، وعندما استيقظ من قيلولته سرعان ما أشعل غليونه مرة أخرى، وهنا كان كليموت يضغط على نفسه في أن تتحمل الحالة التي يمر بها، ولكن ما إن مرت فترة من الوقت لم يقوى على التحمل، إذ كان بحاجة إلى الماء فتوجه نحو إحدى السيدات بصعوبة كبيرة وطلب منها الماء، وعند عودته وجد الرجل المسن قد استولى على المقعد بكامله وأخذ بالتدخين عليه ولم يأبه لحالة كليموت، حينها أخبره الضابط أنه قد تحمله بما فيه الكفاية وأنّ صبره قد نفذ.
وهنا بدأ الرجل المسن يسأل كليموت العديد من الأسئلة، لكن في كل مرة كان يجيبه كليموت بأنه لا يعلم بأي شيء، وبدأ الرجل الحديث حول أحد أشقائه الذي يعمل في مجال الملاحة، لكن الضابط لم يعيره أي اهتمام فقد كان مشغولاً في آلامه محولاً تناسيها من خلال تصوره لأحد الفراشات وتذكر شقيقة التي تدعى كاثي وكم كانت تحن عليه، لكن سرعان ما عادت الأصوات إلى أذنه حين بدأ جرس القطار يتحرك بقوة ويزيد من ألمه، ومن هنا بدأت الأمور تشتد عليه أكثر فأكثر فتسرب إلى عظامه ولم يقوى على الحركة، وفي تلك اللحظة يهب من النافذة تيار بارد جداً مما يطغى على ظهره ويعجزه عن الحركة تماماً، فازداد وضعه سوءاً فدخل في سبات عميق يتخلله الاضطراب.
وبعد خلوده إلى النوم لفترة ليست بقليلة شاهد النهار قد بزغ، وهمّ الركاب بأخذ حقائبهم ومغادرتهم المحطة، وفي ذلك الوقت أخذ كليموف معطفه ونزل من القطار، وبينما كان يسير في الطريق بدأ يشعر وكأنه ليس هو ذاته بل مخلوق آخر، إذ كان مصاب بارتفاع في درجة حرارة جسده، واعتقد حينها أن تلك هي آثار الجو المضغوط الذي كان داخل القطار، وفي تلك الأثناء أوقف سيارة من خارج المحطة ووضع أمتعته فيها.
وحينما وصل منزله استقبلته خالته وأخته، لكنه سرعان ما توجه إلى غرفته وخلد إلى فراشه، فقد كان لا يبصر ما يدور حوله وبدأ يئن من شدة الألم، وحين استيقظ وجد نفسه مجرد من الثياب في فراشه، وفي تلك اللحظة بدأ يلاحظ وجود الخادم وبيده إبريق من الماء، لكنه لم يشعر بتحسن فقد كان لسانه قد تشقق من شدة الجفاف وظلت ذاكرته تدور حول الرجل العجوز وكلامه الشره وجد بجوار الخادم رجل بلحية سوداء وقد كان الطبيب الذي قدم له العلاج.
كان كل ذلك في وضح النهار فالشمس تسطع الغرفة بنورها ودفئها، ثم بعد ذلك حلت العتمة في المساء، وقد كان الطبيب ما يزال متواجد وكل ما حدث أثناء الرحلة في القطار ما يزال عالق في ذاكرة كليموت، ومع شدة ظلام الليل بدأت تحوم حوله الأشباح والظلال، وكانت شقيقته تردد دعاء بشكل خفي وصامت بجانبه، وعندما بدأت وطأة الحمى تنخفض عنه، بدأت أشعة الشمس تدخل من الشبابيك، ومن هنا بدأ يستعيد حاسة السمع لديه، فسمع صليل العجلات من حوله وغمرته السعادة العارمة دخلت البهجة إلى قلبه وسرعان ما طلب الطعام وسأل خالته عن الحالة التي أصابته فأجابت مرض التيفويد.
وأول ما سأل عنه هو أخته كاثي فقد كان يعتقد أنها في الامتحان، فردت خالته وهي ترتعش من شدة البكاء لقد انتقلت لها العدوى منك وانتقلت إلى مكان بعيد ودفنت بالتراب، حينها ارتعش قلبه وأحس بالفجيعة وودع بهجته فسأم من الحياة وضجر من العيش فيها وانصدع من تلك الفاجعة التي لا يمكن تعويضها.