يُعتبر الكاتب والمؤلف جيمس هيلتون وهو من مواليد مملكة بريطانيا العظمى من أهم وأبرز الكُتاب الذين برزوا في القرن التاسع عشر، إذ صدر عنه العديد من الأعمال الأدبية المميزة والمتقنة، ومن أكثر الروايات التي لاقت انتشار واسع حول العالم وحققت نسبة مبيعات عالية هي رواية الوداع يا سيد تشيبس، وقد جسدت إلى العديد من الأفلام السينمائية العالمية، كما تمت ترجمتها إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، وقد تم العمل على نشرها سنة 1934م.
نبذة عن الرواية
تناولت الرواية في مضمونها الحديث حول الحياة التي عاشها أحد المعلمين خلال فترة الكساد الكبير، حيث أنه قد صدرت المسودة الأصلية للرواية في سنة 1933 في إحدى الجرائد اليومية التي تعرف باسم جريدة ويكلي البريطانية والإنجيلية، وقد برزت بشكل أوسع حين تم إعادة طبعها كعمل أدبي رئيسي وكامل في شهر أبريل من عام 1934م في واحدة من المجلات الشهيرة والتي تعرف باسم مجلة ذا أتلانتيك، وقد ساهم هذا الانتشار الواسع للرواية في نجاح هذا العدد إلى أن أصبح من أكثر المنشورات الواعدة، ثم بعد ذلك تم العمل على نشرها في شكل كتاب للمرة الأولى في شهر يونيو من عام 1934م.
كانت أزمة الكساد العظيم التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية قد أثرت بشكل كبير على مختلف مجالات التجارة والاقتصاد في مختلف الدول الأوروبية، كما تسببت بحدوث بأزمة كبيرة للغالبية العظمى من دور النشر والطباعة، ولم يتم استثناء شركة براون للنشر من تلك المخاطر والمخسر، إلا أنها على الرغم من ذلك قامت بنشر أول نسخة مطبوعة صغيرة، كما كان هناك طلب كبير وجيد عليها وهذا ما دفع شركة براون إلى إعادة طباعتها مرة أخرى من جديد وبشكل فوري في ذات الشهر، وقد بقي الطلب طوال العام منافس قوي جداً، واستمرت تلك شركة في نشر وإعادة طبع الكتاب في الكثير من الإصدارات لعدة أشهر مع طباعتين على الأقل في كل شهر.
ذهبت الطبعة البريطانية الأولى إلى الصحافة في بداية الأمر، ومن ثم كان الناشرون هودر وستوكتون قد لاحظوا نجاح الكتاب أول صدوره في الولايات المتحدة مما شجعهم على إصدار أول نسخة مطبوعة وبشكل أكبر وأوسع، وتم بيع ما يقارب خمسة عشر ألف نسخة في يوم النشر، وسرعان ما وجدوا أنفسهم في إعادة طباعتها حيث أثبت طلب جمهور القراءة على الكتاب أنه لا ينتهي، ومع النجاح الهائل لهذا الكتاب أصبح جيمس هيلتون ضمن الكتاب الأفضل مبيعًا لذاك العام.
رواية الوداع يا سيد تشيبس
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول إحدى الشخصيات الرئيسية وهو رجل يدعى السيد شيبين، وقد كان السيد شيبين يعمل كمدرس في إحدى المدارس، كما كان إنسان مرغوب بوجوده ومحبوب إلى درجة كبيرة بين مختلف الفئات من طلاب ومدرسين ومدراء، حيث كان قد أمضى خدمة طويلة في تلك المدرسة والتي تعرف باسم مدرسة بروكفيلد، إذ أن تلك المدرسة كانت تعتبر من المدارس الداخلية والعامة، وهي كذلك من المدارس التي كانت من نسج خيال الكاتب، والتي وصفها أنه توجد في دولة بريطانيا، كما أنها من المدارس التابعة إلى إحدى القرى التي تعرف بقرية بروكفيلد والتي كانت كذلك من نسج خيال الكاتب.
وقد كان الطلاب في المدرسة ينادون المدرس بلقب السيد شيبس، إذ أنه كان يعتبر من المدرسين التقليدين، كما كان ما يعرف عنه أنه مدرس شديد وصارم إلى حد كبير في أفكاره ومعتقداته، كما أنه كان من الأشخاص الذين يسيرون على خط الانضباط الراسخ خلال الفصل الدراسي، وفي أحد الأيام التقى المدرس بفتاة شابة تدعى كاثرين، وقد كان ذلك اللقاء في إحدى عطل نهاية الأسبوع في إحدى المقاطعات التي تعرف بمقاطعة ليك، ومن هنا وقعا كلاهما في علاقة غرامية سوياً، ولم يمضي وقتاً طويلاً حتى تم عقد زواجهم.
ومع مرور الوقت تتسع آرائه وتبدأ تتفكك طريقته التربوية العتيقة والتقليدية، ولكن على الرغم من ذلك كان لكاثرين كذلك تأثير سحري على عدد من المدرسين في المدرسة بالإضافة إلى المكانة التي كانت تحتلها عند المدير، وقد كانت تنتصر لصالح الطلاب في المدرسة باستمرار وأنه من حقهم تلقي التعليم بأسلوب حديث، ولكن ما حدث بشكل مفاجئ هو أن زواج المعلم من السيدة كاثرين لم يدوم طويلاً، حيث أنها في أحد توفيت أثناء الولادة، وبعد وفاتها لم يقم بعدها المدرس بالزواج مرة أخرى من أي سيدة، كما أنه لم يكن لديه أي اهتمامات رومانسية اتجاه أي سيدة.
وفي ذلك الوقت كان من أكثر المواضيع المؤثرة والمثيرة للجدل في الكتاب هو أن المعلم كان من أكثر المدرسين تفوقاً على جميع أقرانه في المجال التعليمي والأكاديمي، ولكن المشكلة كانت في أن مواده الأكاديمية كانت تختص في مجال اللغة اليونانية الكلاسيكية واللاتينية القديمة، وتلك اللغات كانت في ذلك الوقت لغات ميتة، وقد كان ذلك الأمر جعل منه شخص صاحب نمط مختلف في الحياة اليومية، ومن جهة أخرى كان يتم وصفه بأنه شخص غريب الأطوار من وجهة نظر الأخرين، وعلى الرغم أنه معلم يحظى بتقدير كبير من قبل مجموعة كبيرة من الطلاب ومديري المدرسة، إلا أنه لا يحظى بإعجاب من جميع فئات المجتمع.
ومع مرور الوقت تعرضت المدرسة للتراجع في مستواها، وقد أصبحت ذات مستوى متدني، وهذا الأمر قد دفع المعلم إلى تطوير حسه الفكاهي وروح الدعابة؛ وذلك للحصول على رضا الجموع من حوله، ولكن على الرغم من جميع محاولاته كان هناك ما يعرف بالمفارقة التاريخية إلى حد ما، إذ أنه كان يوصف بأن نمطه قديم ومدرس للغات كلاسيكية قديمة ومنقرضة، بالإضافة إلى ذلك كان إنسان منعزل، وهذا يثير شفقة الجميع عليه.
وبقي حال المعلم هكذا إلى أن جاء اليوم الذي أصبح فيه على فراش الموت، وهنا تحدث عن الإنجازات التي شعر به حينما كان مدرس للطلاب، وهذا الأمر قد جعل قراءة الرواية تتم من نواحي كثيرة، كما يمكن قراءتها كحالة تأملية في أن الحياة لا مثيل لها وينبغي على الإنسان أن يعيشها بكل هدوء.
وعلى الرغم من أن الكتاب كان يطغى عليه العاطفة والأحاسيس، إلا أنه كذلك صور العديد من التغييرات الاجتماعية الكاسحة التي مر بها المعلم طوال حياته، إذ بدأت فترة إقامته في المدينة في شهر سبتمبر من عام 1870م، وقد كان يبلغ من العمر في ذلك الوقت اثنان وعشرون عاماً، وبعد انتهاء فترته التعليمية اندلعت الحرب الفرنسية البروسية، وتوفي خلالها في شهر نوفمبر من عام 1933م عن عمر يناهز الخمسة والثمانون عامًا.