تُعتبر المؤلفة والروائية ريكا يوكوموري وهي من مواليد دولة اليابان من أشهر الكُتاب الذين اشتهروا على مستوى العالم وعلى وجه الخصوص في المجتمع الياباني، إذ انتقت مواضيع رواياتها بما تتعلق بالحياة الاجتماعية داخل نطاق العائلة، ومن تلك الروايات التي عالجت ذلك الموضوع رواية تانغو طوكيو.
نبذة عن الرواية
تناولت الرواية موضوع الأحوال التي كانت سائدة في فترة الثمانينات في المجتمع الياباني، حيث تميزت بتقديم شخصية متطورة تنتقل من حالة إلى أخرى جراء التطورات التي تتغير بها، كما صورت كيفية التعامل مع المرأة في تلك الفترة من الزمن، فقد كان العمل من وجهة نظر المجتمع بالنسبة للنساء عمل هامشي، فقد كان العمل مخصص للرجال فقط، فقد كانت النساء يتقاضين أجر قليل ومن النادر أن تحقق المرأة ثروة وأموال من المهنة والعمل.
فقد كان التمييز بين الجنسين واضح بشكل كبير ضد النساء، مما دفع بعض النساء إلى الانخراط في العمل، أو البحث عن شخص يمتلك مهنة جيدة حتى تتزوج منه ويتحمل كامل مصروفاتها ونفقاتها، ومن جانب آخر كانت طريقة السرد للأحداث توضح كيفية تطور الشخصية التبعية وانتقالها إلى مرحلة الاستقلالية، وكيف يمكن للإنسان أن يصل إلى مرحلة التصالح من النفس.
الشخصيات
- سايا: بطلة الرواية فتاة في مرحلة الشباب والمراهقة تبلغ من العمر التاسعة عشر عاماً مكثت بالتخبط في الحياة بين السيطرة والتبعية وبحثت عن الاستقلالية لذاتها.
- أم سايا: سيدة قوية ومتجبرة كانت تسيطر على كافة أفراد الأسرة، وذلك بسبب ما عاشته في طفولتها وخافت من إعادة تكرارة في عائلتها.
- أبو سايا: رجل لطيف للغاية لكنه يمتاز بضعف الشخصية استسلم لجبروت زوجته كان يعاني بصمت، وفي النهاية هجرها ولحق بسيدة أخرى.
- بوغي: رجل في الثلاثينات من العمر وقعت سايا في غرامه، قضة معه مدة أربع سنوات، حيث كان يمثل بالنسبة لها أمان كان يعمل في سوق الأوراق المالية بشكل غير قانوني.
- كاورو: مؤلف على درجة من الثقافة أعجبت به سايا، لكن بعد الانتقال معه إلى نيويورك ازدادت حياتها بالملل مما جعلها تدمن الكحول.
رواية تانغو طوكيو
في البداية تناولت الرواية موضوع مهم جداً لدى المجتمع الياباني وهو تصوير حياة الأشخاص الذين استفادوا من الثورة الاقتصادية لليابان، التي كان يعيشها المجتمع في فترة الثمانينات من القرن الماضي من خلال سرد رحلة لإحدى الفتيات في دولة اليابان، حيث انتقلت من حياة التبعية والاتكال إلى حياة الاستقلالية، ومن الشخصيات التي استفادت بشكل كبير من الفورة الاقتصادية شخص يدعى بوغي، إذ حصلوا على أرباح وأموال لا تعد ولا تحصى من الأنماط الاقتصادية الريعية التي اعتمدت على أسواق المال والمضاربات التي كانت تحصل آنذاك في البورصة.
ففي تلك الفترة كانت العديد من الشركات العالمية التي تحصد أرباح خيالية من خلال خداع الناس بالحصول على الأرباح التي سوف يجدونها عند استثمارهم أموالهم في تلك الشركات ومن هنا يعملون مضاربات في البورصة، مما جعل هناك تواجد لطبقة من الناس الرأسماليين الذين يجنون الربح من غير إنتاج أي حركة اقتصادية حقيقية على أرض الواقع، إذ بدأت تلك الشخصيات تعيش حياة الرفاهية والبذح وبذر كثير من النقود على أمور ليست من الضروريات، إذ كانوا على الدوام يعيشون معظم أيام حياتهم في الفنادق والأماكن الفخمة، ويقيمون العلاقات مع الفتيات من مراحل عمرية صغيرة، وتفشى الفساد بشتى أشكاله بين الشباب في ذلك الوقت.
في ذلك الوقت كانت أحوال المقاهي في اليابان مليئة بالرفاهية والبذخ، مما يشجع الطالبات الجامعيات على اللجوء إلى مثل تلك الأعمال للحصول على أموال يحسن من خلالها المظهر الخارجي لهن في ظل مجتمع مليء بالمظاهر الجذابة، وعلى نحو يليق بطالبة الجامعة في ذلك الوقت، فقد كانت الفتيات في تلك الفترة يرتدين أفخم أنواع الماركات في الملابس.
كانت سايا في تلك الفترة في المرحلة الجامعية تعمل كمضيفة في أحد المقاهي، وعلى الرغم من أنها لم تكن في حاجة إلى النقود، إلا أنها حاولت الفرار من حياة والدتها التي لا تعرف إلا التسلط والجبروت، وكونها في مرحلة المراهقة أرادت التعرف على المجتمع الخارجي والانخراط به، وكونها كانت مجبرة على دخول الجامعة من قِبل والديها، فأرادت أن تجد شيء يشغلها عن الاضطهاد الذي تعيشه.
انخرطت سايا في الحياة العملية ففي الليل كانت تعمل في المقهى وفي النهار كانت تعمل في إحدى الشركات التجارية، ومن هنا تعرفت على بوغي، بدأت بالتعلق به إذ وجدت فيه الوالد المفقود من وجهة نظرها، كان أسلوبه في التعامل معها ليس ثابت، فأحياناً يعاملها بعنف وأنانية وأحياناً أخرى يكون لطيف ودود جداً معها، لكنها تحملت كل ذلك لأنه كان يشعرها بالأمان وعلى الرغم أنه في إحدى الفترات كان يعاني من الفقر، وعندما تتحسن أحواله يذهب لفتيات أخرى.
ومع كل ذلك قبلت بذلك الوضع، فقد كانت تشعر وكأنها استبدلت حياتها مع والدتها المتسلطة بتبعيتها لسنوات طويلة لبوغي، الذي كان يدر عليها المال ويعودها على الكسل والاتكال عليه، ومع ذلك كله كانت في بعض الأحيان تشعر بالملل والانطواء وتسليم نفسها بشكل كامل للتبعية، وفي أحد الأيام تعرفت سايا على رجل يدعى كاورو مختلف بشخصيته بشكل كامل عن بوغي.
وبعد مرور فترة بسيطة تركت بوغي وعزمت على الحياة مع كاورو في مدينة نيويورك، لكنها لم يتغير على حالتها شيء إذ بقيت على حالها لا تشعر براحة تامة على الاطلاق، فبدأت بالتوجه لتعاطي الممنوعات محاولة بذلك إلى إخراج الضعف من شخصيتها والتبعية لشخص آخر، فقررت شق طريقها بنفسها وعزمت على دراسة التخصص الذي لطالما حلمت به ألا وهو تصميم الملابس والأزياء، وأقرت لأمها بذلك، هنا شعرت الأم أنها بتسلطها وجبروتها على ابنتها قد خربت حياتها بالكامل، فعوضاً عن توجيهها للطريق والحياة الصحيحة عملت على إحداث مشاكل في حياتها، فتبدأ بتشجيعها على التخصص الذي تريد والسير معها خطوة بخطوة زارعة فيها الثقة بالنفس والاعتماد على الذات.
وبالفعل تمكنت سايا من تعلم اللغة الإنجليزية في نيويورك ودراسة تصميم الأزياء، وشقت طريقها لوحدها، وفي النهاية علمت أن بوغي قد تم إلقاء القبض عليه ووضعه في السجن جراء التصرفات التي كان يقوم بها من خلال العبث بالأوراق المالية والتلاعب بها؛ من أجل الحصول على مزيد من المال؛ حتى يتمكن من الاستمرار في حياة الرفاهية التي كان يقضيها في أشهر القصور والفنادق والخروج مع الفتيات والاستماع بالحياة.
