يعود تأليف الرواية إلى الكاتب والأديب كورت فونيجت وهو من أبرز الروائيين في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم، حيث صدر عنه عدد كبير من الأعمال الأدبية، ومن أكثر الروايات التي حققت شهرة واسعة هي رواية ليلة الأم، والتي تم تجسيدها إلى العديد من الأفلام السينمائية العالمية، تُرجمت إلى الغالبية العظمى من اللغات العالمية ومن ضمنها اللغة العربية، وقد تم العمل على نشر الرواية لأول مرة في شهر فبراير من سنة 1962، تم اقتباس عنوان الكتاب من إحدى المسرحيات التي تعود إلى الأديب الشهير يوهان غوته وتحمل عنوان مسرحية فاوست.
رواية ليلة الأم
في البداية كانت تدور وقائع وأحداث الرواية حول مذكرات كتبتها الشخصية الرئيسية وهي عبارة عن شخص يدعى هاورد دبليو كامبل جونيور أثناء مكوثه في السجن، إذ أنه في ذلك الوقت كان ينتظر محاكمته بسبب التهم التي ارتكبها لجرائم عدة في الحرب، بالإضافة إلى أفعاله وتصرفاته وسلوكياته التي كانت توصف بأنها تدعو إلى النازية، لقد قام بسرد الأحداث شخص يدعى كامبل، وهو من أصول أمريكية انتقل مع والديه للعيش في دولة ألمانيا، وقد كان في ذلك الوقت ما زال في مرحلة الطفولة وبالتحديد في سن الحادية عشرة.
وفي تلك الأثناء كان الحزب النازي ما زال يؤسس في سلطته، ولكنه بدلًا من مغادرة البلاد مع والديه بقي في البلاد، ومع مرور الوقت عزم على مواصلة مسيرته المهنية ككاتب مسرحي، كانت علاقاته الاجتماعية جميعها ترتبط بالنازيين؛ ويعود ذلك إلى كونه ينبع من التراث الآري على نحو كافي، وبعد سنوات أصبح كامبل عضو رئيسي في الحزب ولكن بالاسم فقط، حيث كان غير مبالي بالجانب السياسي وكامل اهتمامه هو فنه وزوجته هيلغا والتي كانت بدورها تجسد دور البطولة في جميع أعماله المسرحية.
وفي أحد الأيام التقى كامبل مع شخص يدعى فرانك وهو من أهم العملاء في وزارة الحرب الأمريكية، لقد طلب فرانك من كامبل القيام بالتجسس كعميل مزدوج للولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية التي كانت على وشك البدء، لكن كامبل رفض العرض، كما أضاف فرانك أنه يقدم له فرصة في التفكير بالأمر، وحينما بدأت الحرب بدأ كامبل في شق طريقه من خلال إحدى المنظمات التي كانت تحت قيادة شخص يدعى يوزف غوبلز والتي كانت خاصة بالدعاية، وقد أصبح في نهاية المطاف صوت البث الذي يهدف إلى تحويل الأمريكيين إلى القضية النازية، ولكن دون علم النازيين، ومن هنا تبدأ تشكل كافة خواص خطابات كامبل، من وقفاته المقصودة والسعال وما إلى ذلك، جزءًا من المعلومات المشفرة التي يمررها إلى مكتب الخدمات الاستراتيجية الأمريكي، لكن لم يُخبَر كامبل أي شخص حول المعلومات التي يرسلها ولا يكتشفها أحد أبدًا.
وبعد منتصف الحرب تقريبًا ذهبت هيلغا إلى الجبهة الشرقية من أجل إقامة عرض مسرحي وتسلية القوات الألمانية، ولكن كامبل انفعل كثيرًا جراء ذلك بسبب سماعه اجتياح القوات السوفيتية للمعسكر الذي تتواجد به هيلغا في شبه جزيرة القرم فظن أنها توفيت، وقبل غزو قوات الجيش إلى مدينة برلين بشكل مباشر زار كامبل عائلة زوجته، وخلال الزيارة تبادل الحوار مع شقيقة زوجته الصغرى والتي تدعى ريسي حول توقعاته حول ما سوف يحدث في سنوات لاحقة، ولكن في تلك اللحظة تم اعتقال كامبل من قبل القوات الأمريكية، وهنا عمل فرانك جاهداً من أجل التوصل إلى اتفاق يتم من خلاله إطلاق سراحه، بالإضافة إلى منحه حق المرور إلى مدينة نيويورك.
وبعد مرور ما يقارب على خمسة عشر عامًا، كان خلالها كامبل يعيش حياة مجهولة الهوية، وكل ما تستند عليه هو ذكريات زوجته التي تسيطر على تفكيره وبعض من الفضول اللامبالي حول المصير الذي ينتظره في النهاية، وفي ذلك السجن كان من يمثل أنه صديقه هو من يدعى جورج كرافت، وهو الجار الوحيد الذي يوجد على غراره، والذي تشابه مع كامبل في أن يكون عميلاً كذلك، ولكن الفرق أنه كان يعمل لصالح المخابرات السوفيتي، وقد اكتشف ذلك الأمر من خلال مصادفة غير عادية، حاول ذلك الرجل مراراً وتكراراً أن يقوم بخداع كامبل بشتى الطرق في الشروع بالهروب باتجاه مدينة موسكو من خلال نشر هويته وموقعه.
وفي تلك الأثناء كانت إحدى المنظمات المتطرفة الخاصة بالبيض تجعل من قضيته قضية شهيرة، وباستمرار تدعوه إلى التحدث إلى المجندين الجدد، وفي أحد الأيام ظهر زعيم المجموعة وقد كان طبيب أسنان ويدعى ليونيل جونز، كانت تلك المفاجأة هي سيدة تدّعي أنها ذاتها هيلغا، حيث صرحت أنها ما زالت على قيد الحياة وتتمتع بصحة جيدة، وهنا تزعم أن حبها إلى كامبل أبدي، وعلى إثر ذلك عادت رغبة كامبل للحياة، وبقيت رغبته على هذا الحال حتى بعد اكتشافه أنها ليست هيلغا في الحقيقة بل شقيقتها ريسي، ثم بعد ذلك خططوا للهروب إلى مدينة مكسيكو بعد حضورهم أحد اجتماعات جونز الفاشية.
وفي غضون ذلك ظهر فرانك من أجل أن يقوم بتحذير كامبل من المؤامرة التي يقوم بها كرافت الصديق الحقود وريسي، وهنا قرر كامبل بالرغم من كسر قلبه أن يواجه تلك التمثيلية، وبالفعل تصدى لكرافت وريسي ولكن ما تفاجأ به هو أن ريسي قد أقسمت بصدق مشاعرها نحوه، وهنا تمت مداهمة مكتب التحقيقات الفدرالي المكان وأخذ كامبل رهن الاعتقال، بينما ريسي انتحرت بتناولها لمجموعة من الحبوب المنومة، وكما كان الحال في السابق استخدم فرانك نفوذه من أجل تخليص وتحرير كامبل، وحينما عاد كامبل إلى منزله أدرك أنه ليس لديه أي سبب حقيقي للاستمرار في الحياة، وقرر تسليم نفسه إلى الإسرائيليين لمحاكمته.
وأثناء فترة سجنه في إسرائيل التقى كامبل بشخص يدعى أدولف أيخمان، والذي بدوره قدم له نصيحة في كيفية كتابة سيرة ذاتية، وفي النهاية أدرج رسالة كان قد تلقاها للتو من فرانك، والذي أشار من خلالها إلى وصول الأدلة التي أكدت أنه كان جاسوس لصالح أمريكا في الحقيقة، كما كتب فيها فرانك أنه سوف يشهد على ولاء كامبل الحقيقي في المحكمة، ولكن بدلًا من الشعور بالارتياح شعر كامبل بحالة من الغثيان، وقد كان ذلك بسبب إزاء فكرة إنقاذه من الموت ومنحه الحرية فقط حينما لا يتمكن من الاستمتاع بأي شيء قد تقدمه الحياة له، وأخيراً قال كامبل للقارئ إنه لم يقوم بشنق نفسه على جرائمه التي ارتكبها ضد الإنسانية، بل على الجرائم التي ارتكبها بحق نفسه.