نقد نظرية قوة الوعي للفيلسوف جرين

اقرأ في هذا المقال


توماس هيل جرين هو مدرس اللغة الإنجليزية والمنظر السياسي والفيلسوف المثالي لما يسمى بمدرسة نيو كانتي، ومن خلال تعليمه مارس جرين تأثيرًا كبيرًا على الفلسفة في إنجلترا في أواخر القرن التاسع عشر، وتركزت معظم حياته في أكسفورد حيث تلقى تعليمه وانتخب زميلًا له في عام 1860 وعمل كمحاضر، وفي عام 1878 تم تعيينه أستاذًا للفلسفة الأخلاقية، وقدمت محاضراته الأساس لأهم أعماله.

نقد نظرية قوة الوعي للفيلسوف جرين:

هل فهم الإنسان للوعي الأبدي غامض للغاية لدرجة أنّ نظرية جرين عديمة الفائدة كدليل عملي للأفراد؟ يلاحظ نيكلسون اتهامات المعلقين المتكررة بالغموض لكنه يجادل بأنّ مثل هذه الاتهامات غالبًا ما تستند إلى سوء فهم فكر جرين.

يسعى المصلح الحقيقي إلى تحقيق تلك الحالة التي يشعر بصدق أنّها تحسين للوضع الحالي للعالم، وإنّه يعمل بدافع شخصي وهو نتيجة طبيعية لامتلاكه للوعي الأبدي، كما يكتب جرين: “يشعر بمسؤولية شخصية لإدراك ما هو جزء لا يتجزأ من الفكرة العملية نفسها لشكل الوعي الذي نصفه على هذا النحو”، وهكذا في معظم الحالات يعرف الرجل المثير للجدل حقًا بشكل غريزي القواعد والممارسات التي يجب اتباعها في المجتمع والتي يسعى إلى تغييرها بسبب الوعي الأبدي المتطور جزئيًا داخل نفسه.

ومثلما يتطلب التقدم الأولي للإنسان شرارة الوعي الأبدي، كذلك فإنّ أفعال الإنسان الصالح تنبثق من مبدأ الإدراك الذاتي المتجسد في طبيعته (شخصيته) وخلفيته الاجتماعية (ظروفه).

وقد يتم توجيه الاتهام إلى أنّ هذا يمنح كل فرد ترخيصًا للتصرف كما يفضل في ذلك الوقت، ومع ذلك لا داعي لجذب جرين إلى هذا الاستنتاج، وكما قيل فإنّ الوعي الأبدي حي في كل شخص كصوت إرشادي على الرغم من أنّه مكتوم بدرجات متفاوتة حسب الفرد، كما أنّها موجودة وإن كانت غير كاملة في المؤسسات الاجتماعية التي يتكون منها المجتمع.

إنّ حقيقة أنّ الفرد قد يقاوم استنتاجات حسه الأخلاقي، وبالتالي قد يتبع أنانيته قصيرة النظر لخدمة الذات هي نقطة مهمة، ولكنها ليست اعتراضًا على نظرية جرين ما لم تكن أيضًا اعتراضًا على ما يقرب من كل نظرية أخلاقية أخرى كذلك، وفي الواقع يرى جرين أنّه مع تقدم البشرية سيصبح من الطبيعي أن يتبع الأفراد حقًا ضمائرهم بسهولة أكبر.

أثر نقد فلسفة الفيلسوف جرين:

قد يستمر انتقاد الغموض في إنّ الحجة القائلة بأنّ الوعي الأبدي غير كامل لدى الجميع، ولكنه أكثر تطوراً في البعض ولها عواقب مهمة لمثل هذه الانتقادات:

  1. أولاً: سيكون هناك بعض الأشخاص القادرين على بمعنى معين تجاوز قانون الرأي للتوقعات الاجتماعية، ولكنهم يفعلون ذلك فقط من خلال تفسيره وفقًا لروحه العليا، وبهذه الطريقة يتم الاعتراف بالواجبات الجديدة في العالم ويتقدم الإنسان، وهؤلاء الأفراد قديسون ومصلحون.
    ومع ذلك اعتمادًا على التأثيرات السابقة للوعي الأبدي على عقل الفرد سيقدم كل مصلح معين تفسيرات مختلفة لهذه الروح العليا: “إنّها تتحدث بأصوات مختلفة”، ومع ذلك فإنّ كل تفسير عندما يقدمه فرد مثير للجدل يميل إلى الكشف عن جوانب العقلانية الكامنة وراء هذه الآراء الاجتماعية، وهنا يردد جرين زعم ​​ميل بأنّ “كل شخص يصبح أكثر قيمة لنفسه وبالتالي يكون أكثر قيمة للآخرين”.
  2. ثانيًا: عند عيش حياتهم الجيدة فإنّ معظم الناس سيتبعون فقط المعايير الاجتماعية المقبولة، ويشعرون بأنّهم غير قادرين على العثور على خطأ أو تحسينها، والمصلح والقديس استثناء في المجتمع، ومن ثم كتب جرين أنّه: “في أداء الواجبات التي سيعترف بها على أنّها تنتمي إلى مكانته في الحياة من قبل أي شخص اعتبر الأمر بلا عاطفة ونادرًا ما نخطئ وعندما نفعل ذلك بالكامل نادرًا ما يكون أكثر مما يمكننا فعله” وفي المناسبات النادرة التي يعاني فيها الفرد من ارتباك الضمير يمكن إرجاع الصعوبات إما إلى المفاهيم المختلفة لمصالح الرجل أو الأفكار المختلفة حول أفضل الوسائل لتحقيق أهداف الفرد الاجتماعية.

ومع ذلك لا يزال الناس يتوقعون الكثير في كثير من الأحيان للتكرار، حيث يمكن للفلسفة الأخلاقية كما يتصور جرين أن تأخذ واحدًا فقط حتى الآن، بحيث لا يمكنها حل كل مشكلة أخلاقية ومعضلة عملية، ونظرًا لأنّ الوعي الأبدي يتجلى بشكل مختلف في الناس فلا يمكن للفلسفة أن تقدم قواعد عامة للإرشاد باستثناء أنّه يجب على المرء أن يفحص دوافع المرء بعناية في كل حالة معينة، ويجب أن يكون الهدف النهائي هو تحقيق تصور المرء للنهاية الأخلاقية للإنسان، وعندئذ تكون قواعد سلوك الفرد حاضرة بمعنى ما داخل نفسه.

وبهذه الطريقة بالنسبة إلى جرين فإنّه لا يوجد شيء مثل تضارب في الواجبات، وبالنظر إلى أكثر من مسار عمل محتمل فإنّ المشكلة تكمن في تحديد مسار العمل الذي من واجب المرء حقًا اتباعه، وهذه المشكلة غالبًا ما تكون مشكلة الاختيار بين الأوامر الزجرية الصادرة عن السلطات الخارجية.

وبمعنى ما فإنّ مهمة الفيلسوف هي السماح للفرد بأن يقرر أي سلطة خاطئة وبالتالي خارجية وأيها جيدة وبالتالي داخلية من حيث أنّها تخدم على أفضل وجه انكشاف الوعي الأبدي، ويؤدي الفيلسوف هذه الوظيفة من خلال توعية الفرد بالغايات التي تخدمها أعراف وعادات ومؤسسات وقوانين مجتمعه، ومساعدته على إدراك أنّ “القواعد تصنع للإنسان وليس للإنسان للقواعد”.

ومع ذلك لا يجب على الفيلسوف مجرد محاولة هدم المؤسسات القائمة واستبدالها بضمير مرتجل، أي بمعنى بشكل شخصي بحت والتي يجعل الفرد هو المصدر العملي الوحيد للقانون، ولا يجب أن ننسى أنّ الفرد يجب أن يكون له مجتمع إذا كان لديه ضمير على الإطلاق، ولا يمكن لأي فرد أن يصنع ضميرًا لنفسه، ويحتاج دائمًا إلى مجتمع ليصنعه من أجله، وهكذا من نواحٍ عديدة فإنّ مهمة الفيلسوف هي تعزيز التفاهم والانسجام العقلاني في المجتمع من خلال السماح للأفراد بالتوصل إلى اعترافهم بالعقلانية المتأصلة في أنفسهم وفي مجتمعهم، ويجب أن يشجعوا الحرية الشخصية بدلاً من الترخيص الشخصي.


شارك المقالة: