شاكه أبا يسار

اقرأ في هذا المقال


ما الأمثال إلّا مقولات ذات مغزىً وتحمل بين طيّاتها العظة والفائدة، والإيجاز من غير حشو أو إطالة هو أهم مميزات الأمثال، مع عمق في المعنى وكثافة في الفكرة، وقد توارثتها الأمم مشافهةً من جيل إلى آخر، والمثل عبارة محكمة البنية بليغة، شائع استعمالها عند طبقات المجتمع كافة، وإذ يلخّص المثل حكاية عناء سابق وخبرة غابرة اختبرتها الجماعة، فقد حظي عند الناس بثقة تامّة، فصدّقوه ذلك أنّه يُهتدى به في حلّ مشكلة قائمة بخبرة مكتسبة من معضلة قديمة، وتلك المعضلة القديمة آلت إلى عبرة لا تُنسى، وقد قيلت هذه العبرة في جملة موجزةٍ قد تُغني عن رواية ما جرى هي الأمثال، وفيما يلي بين يدينا مثل عربي مشهور هو: “شاكِه أبا يسار”.

فيم يضرب مثل: “شاكه أبا يسار”؟

لا شكّ أنّ العرب قد اشُتهروا ببراعتهم في وصف أدقّ التّفاصيل الحياتية بأقلّ الكلمات وأبلغها، ومن هنا جاءت الأمثال كعصارة لخبراتهم وثمرة لتجاربهم، أمّا مثل: “شاكِه أبا يسار”، فيُضرب حين يبالغ الإنسان في وصف شيء ما، ولربّما تأتي هذه المبالغة نتيجة لشعوره بفخامة الشيء، أو كنوع من السّخرية، وحينما تحدث المبالغة في وصف الأشياء نجد هناك من يردّها إلى طبيعتها.

قصة مثل: “شاكه أبا يسار”

أمّا قصّة مثل: “شاكه أبا يسار” قبل أن نبدأ بها، لا بدّ في البداية من أن نعرف معنى المشاكهة التي أتى منها الفعل “شاكه”، فهي تعني “المشابهة”، وقد قيل أن أصل هذا المثل يعود إلى رجل كان لديه فرس يعرضها للبيع، فجاءه رجل يُدعى: “أبو يسار”، وقال له: “أهذه فرسك التي كنت تصيد الوحوش عليها؟”، وربّما كان أبو يسار يسخر من الفرس أو من صاحبه، وربّما كان يمازحه أيضًا.

حينذاك لم يعجب تشبيه أبي يسار صاحب الفرس، فقال: “شاكه، أبا يسار”، والمقصود من ندائه هنا على أبي يسار أن يقول له: “اقصد في وصفك، وقارب الموصوف من صفته الحقيقية دون مبالغة كاذبة“، أي لا داعي للمبالغة المفرطة التي لا تأتي بمنفعة أو ضرر، وربّما أراد صاحب الفرس أن يردّ إلى أبي يسار سخريته أو مزحه السخيف، فأجابه بهذه العبارة التي أصبحت مثلًا سائرًا على ألسنة النّاس منذ ذلك الوقت.

الكثير من النّاس يشبهون “أبا يسار” في مسلكهم، إذ يبالغون في كلامهم حدّ الكذب، الأمر الذي يجعل معظم من حولهم لا يقبلون بهذا الأمر حتى وإن بدا مزاحًا في هيئته، وذلك لأنّ المبالغة تتشكل في نهاية الأمر بهيئة الكذب الذي لا يمكن تصديقه، بالمقابل يوجد من يقول لأمثال هؤلاء الذين يبالغون في أوصافهم للأشياء: “شاكه أبا يسار”، وذلك لردّ المبالغة في الوصف.


شارك المقالة: