صورة العصر في شعر عمر بن أبي ربيعة

اقرأ في هذا المقال


الشعر منذ القدم موسوعَة تاريخية تتناول في أبياته أخبار المجتمعات في جميع العصور حيث تفردت مقطوعات عمر بن أبي ربيعة  فهو مسرح للحياة في ذاك الوقت، وتحدث في مقطوعاته الكثير من مشاهد زمانه، وفي هذا المقال سنتناول أبيات عمر بن أبي ربيعة وتوضيح صور العصر في أبياته.

نبذة عن حياة عمر بن أبي ربيعة

عرف بأبي الخطاب حيث اختلف الباحثون بسبب انتمائه لجده أبي ربيعة والبعض قال إن سبب انتسابه إلى جده بطولته وحسن مظهره، وقال آخرون بأنه نسب إليه بسبب عراقة أصله وأثبتت أبيات لعمر أنه يسكن في مكة التي أسرت قلبه وتعلق بها حيث يقول:

وَأَنا اِمرُؤٌ بِقَرارِ مَكَّةَ مَسكِني

وَلَها هَوايَ فَقَد سَبَت قَلبي

وَلَقَد حَفِظتُ وَما نَسيتُ مَقالَها

عِندَ الرَحيلِ هَجَرَتنا حِبّي

وَبَدَت لَنا عِندَ الفِراقِ بِكُربَةٍ

وَلَنا بِذَلِكَ أَفضَلُ الكَربِ

قالَت رُمَيلَةُ حينَ جِئتُ مُوَدِّعاً

ظُلماً بِلا تِرَةٍ وَلا ذَنبِ

هنا المتمعن في قصائد عمر يلحظ أنه قليل الأخبار عن أهله وأسرته، ومثال على أبياته التي ذكر بها أهله وكانت تأتي على هيئة دعابة وهزل:

خَبَّروها بِأَنَّني قَد تَزَوَّج

تُ فَظَلَّت تُكاتِمُ الغَيظَ سِرّا

ثُمَّ قالَت لِأُختِها وَلِأُخرى

لَيتَهُ كانَ قَد تَزَوَّجَ عَشرا

كما ذكر في أبياته ابنته أمة الواحد وأنشد فيها:

لَم تَدرِ وَليَغفِر لَها رَبُّها

ما جَشَّمَتنا أَمَةُ الواحِدِ

جَشَّمَتِ الهَولَ بَراذينَنا

نَسأَلُ عَن بَيتِ أَبي خالِدِ

نَسأَلُ عَن شَيخِ بَني كاهِلٍ

أَعيا خَفاءٌ نِشدَةَ الناشِدِ

وأكدت مقطوعاته توبته عن الأعمال التي أرهقت كاهله بالذنوب وعرف عنه المرح محبًا للحياة واللهو وكان كثير الشوق لأيام الصبا، ومثال على أبياته التي تظهر توبته:

ضَحِكَت أُمُّ نَوفَلٍ إِذ رَأَتني

وَزُهَيراً وَسالِفَ اِبنَ سِنانِ

عَجِبَت إِذ رَأَت لِداتِيَ شَابوا

وَقَتيراً مِنَ المَشيبِ عُلاني

إِن تَرَيني أَقصَرتُ عَن طَلَبِ الغَي

يِ وَطاوَعتُ عاذِلي إِذ نَهاني

وَتَرَكتُ الصِبا وَأَدرَكَني الحِل

مُ وَحَرَّمتُ بَعضَ ما قَد كَفاني

أغلب أبياته تظهر حياة اللهو وصبوات الشباب التي بقي عليها لآخر عمره حيث يقول:

أَصبَحَ القَلبُ قَد صَحا وَأَنابا

هَجَرَ اللَهوَ وَالصِبا وَالرَبابا

كُنتُ أَهوى وِصالَها فَتَجَنَّت

ذَنبَ غَيري فَما تَمَلُّ العِتابا

فَتَعَزَّيتُ عَن هَواها لِرُشدي

حِنَ لاحَ القَذالُ مِنّي فَشابا

وهذه الأبيات توضح الزمن الجاهلي إذا كان ينتشر فيه اللهو والسمر والشرب فالطبع اللاهي اللامبالي غالب عليهم في ذلك الوقت، وتميزوا بالظرف والدعابة ومن الشواهد على هذا قول عمر لسُهيل عندما تزوج الثريا:

أَيُّها المُنكِحُ الثُرَيّا سُهَيلاً

عَمرَكَ اللَهَ كَيفَ يَلتَقِيانِ

هِيَ شامِيَّةٌ إِذا ما اِستَقَلَّت

وَسُهيلٌ إِذا اِستَقَلَّ يَمانِ

كما توضح أبيات عمر صورة الرجل العاشق في ذلك الوقت فكان يصرح باسم محبوبته دون تحرج ولا يكني بدل ذلك ومثال عليه قول عمر عندما ذكر، عائشة بنت طلحة:

لِعائِشَةَ اِبنَةَ التَيمِيِّ عِندي

حِمىً في القَلبِ ما يُرعى حِماها

يُذَكِّرُني اِبنَةَ التَيمِيِّ ظَبيٌ

يَرودُ بِرَوضَةٍ سَهلٍ رُباها

فَقُلتُ لَهُ وَكادَ يُراعُ قَلبي

فَلَم أَرَ قَطُّ كَاليَومِ اِشتِباها

سِوى حَمشٍ بِساقِكَ مُستَبينٍ

وَأَنَّ شَواكَ لَم يُشبِه شَواها

وأيضًا ما ينشده في كلثوم:

مِن عاشِقٍ صَبٍّ يُسِرُّ الهَوى

قَد شَفَّهُ الوَجدُ إِلى كُلثُمِ

رَأَتكِ عَيني فَدَعاني الهَوى

إِلَيكِ لِلحَينِ وَلَم أَعلَمِ

قَتَلتِنا يا حَبَّذا أَنتُمُ

في غَيرِ ما جُرمٍ وَلا مَأثَمِ

وَاللَهُ قَد أَنزَلَ في وَحيِهِ

مُبَيِّناً في آيِهِ المُحكَمِ

وكذلك قوله في لبابة:

وَدِّع لُبابَةَ قَبلَ أَن تَتَرَحَّلا

وَاِسأَل فَإِنَّ قَليلَهُ أَن تَسأَلا

أُمكُث بَعَمرِكَ لَيلَةً وَتَأَنَّها

فَلَعَلَّ مَا بَخِلَت بِهِ أَن يُبذَلا

قالَ اِئتَمِر ما شِئتَ غَيرَ مُنازَعٍ

فيما هَويتَ فَإِنَّنا لَن نَعجَلا

ويتضح من أبيات عمر أن الرجل في ذلك العصر لا يكتفي بمحبوبة واحدة وإنما كان يتميز بتعدد النساء اللواتي يعشقهن، ومن الصور الأخرى المذكورة في أبيات عمر لمجتمعه في موسم الحج واتخاذه مكان للهو والعبث حيث يقول:

ما نَلتَقي إِلّا إِذا

نَزَلَت مِنىً بِقِبابِها

في النَفرِ أَو في لَيلَةِ ال

تَحصيبِ عِندَ حِصابِها

اُزجُر فُؤادَكَ إِذ نَأَت

وَتَعَزَّ عَن تَطلابِها

وَاِشعِر فُؤادَكَ سَلوَةً

عَنها وَعَن أَترابِها

ومن الصور التي ذكرها عمر لوقت الحج في شعره حيث كان لا يضيع فرصة في أي وقت ومناسبة تمكنه من التواصل مع النساء والحديث معهن وخصوصًا في مواسم الحج، حيث لا يقصد من الحج الأجر إنما همه اللهو والعبث ويقول في ذلك:

يقصد الناس للطواف احتسابا

وذنوبي مجموعة في الطواف

كما يتمنى لو أن الحج كتب على البشر كل شهرين ومن ذلك قوله:

أَيُّهـا الرائِحُ المُـجِدُّ اِبتِكارا

قَـد قَـضـى مِـن تِهامَةَ الأَوطارا

مَـن يَـكُـن قَـلبُهُ سَـليـماً صَحيحاً

فَـفُـؤادي بِـالخَـيفِ أَمسى مُعارا

لَيتَ ذا الحَجَّ كانَ حَتماً عَلَينا

كُــلَّ شَهــرَيـنِ حِـجَّة وَاِعـتِـمـارا

الغناء في شعر عمر بن أبي ربيعة

تعلق العرب في الغناء والطرب وانتشر بينهم منذ الأزل وكانت مكة ويثرب مركزًا للغناء وفي ربوعها ظهر أول ألحان الطرب، كما انتشرت مجالس الغناء التي تعج بأمهر المغنين والمغنيات وكان عمر مولع بسماع الغناء والطرب ومتواجد في كل مكان يسمع به غناء أو طرب، حيث كان يطرب عند سماع القينات اللواتي يحركن مشاعره وفي ذلك يقول:

ما بالُ قَلبِكَ لا يَزالُ يَهيجُهُ

ذِكَرٌ عَواقِبَ غِبِّهِنَّ سَقامُ

ذِكرُ الَّتي طَرَقَتكَ بَينَ رَكائِبٍ

تَمشي بِمِزهَرِها وَأَنتَ حَرامُ

أَتُريدُ قَتلَكَ أَم جَزاءَ مَوَدَّةٍ

إِنَّ الرَفيقَ لَهُ عَلَيكَ ذِمامُ

قَد ساقَني قَدَرٌ وَحَينٌ غالِبٌ

مِنها وَصَرفُ مَنِيَّةٍ وَحِمامُ

كما يقول عن نقر الجواري لدفوف وكيف يهيجن المشاعر عند نقر الدف:

يهيجنَ من برداتِ القلوب

شوقاً، إذا ما ضربنَ الدفوف

إذا ما انقضى عجبٌ، لم يزلنَ

يدعون للهوِ قلباً ظريفا

صور العُذَّال والوشاة في شعر عمر بن أبي ربيعة

عُرف عن العصر الذي عاش فيه عمر قوة ارتباط الأنثى بالرجل وورد أن الأنثى كانت تلتقي بالمحبوب لكن بالخفاء دون علم الأهل، ولذلك ظهر فئة رافضة اللقاءات بين المحبين لا يتوقفون عن تقديم الإرشاد للمحبين وكانوا متساهلين معهم تارة ولائمين لهم تارة أخرى، ومنهم فئة المُبغض الذي لا يهمه إلا إفساد العلاقة بين العاشقين ولقد عانى عمر ومحبوبته من العذَّال والوشاة ومثال عليه قوله:

يا خَليلَيَّ مِن مَلامٍ دَعاني

وَأَلِمّا الغَداةَ بِالأَظعانِ

لا تَلوما في أَهلِ زَينَبَ إِنَّ ال

قَلبَ رَهنٌ بِئالِ زَينَبَ عانِ

وَهيَ أَهلُ الصَفاءِ وَالوِدِّ مِنّي

وَإِلَيها الهَوى فَلا تَعذُلاني

ويتحدث أيضًا عن صديقه عتيق:

يا خَليلَيَّ مِن مَلامٍ دَعاني

وَأَلِمّا الغَداةَ بِالأَظعانِ

لا تَلوما في أَهلِ زَينَبَ إِنَّ ال

قَلبَ رَهنٌ بِئالِ زَينَبَ عانِ

وَهيَ أَهلُ الصَفاءِ وَالوِدِّ مِنّي

وَإِلَيها الهَوى فَلا تَعذُلاني

كان المجتمع والأهل يلمون في الإسراف بالهوى لكن العاشق يرى لومهم عبارة عن بغض وكره وعن هذا يتحدث عمر عن ابن عمه الذي أسرف في نصحه:

أَلا مَن يَرى رَأيَ اِمرِئٍ ذي قَرابَةٍ

أَبَت نَفسُهُ بِالبُغضِ إِلّا تَطَلُّعا

وَما ذاكَ عَن شَيءٍ أَكونُ اِجتَنَيتُهُ

إِلَيكَ وَما حاوَلتُ سوءً فَيُمنَعا

وَكانَ اِبنُ عَمِّ المَرءِ مِثلَ مِجَنِّهِ

يَقيهِ إِذا لاقى الكَمِيَّ المُقَنَّعا

كما صور في أشعاره العاذل الذي لا يتوقف عن الزجر والتوبيخ ولا يقصد من وراء ذلك نصحًا أو إرشادًا، إنما يحمل في نفسه غِلاً وبُغضًا للعاشقين وعن ذلك يقول عمر:

كَم بِالحَرامِ وَلَو كُنّا نُحالِفُهُ

مِن كاشِحٍ وَدَّ أَنّا لا نُرى أَبَدا

حُمِّلَ مِن بُغضِنا غِلّاً يُعالِجُهُ

فَقَد تَمَلّا عَلَينا قَلبُهُ حَسَدا

وَذاتِ وَجدٍ عَلَينا ما تَبوحُ بِهِ

تُحصي اللَيالي إِذا غِبنا لَنا عَدَدا

وفي النهاية نستنتج إن الكلام المنظوم كان منذ القدم عبارة عن موسوعة يتناول في أبياته أخبار العامة، وكان شعر عمر عبارة عن مسرح للحياة صور لنا العديد من أحوال مجتمعه سواء أكان في حالهم وقت الحج أو علاقتهم بالغناء والغزل وغير ذلك من الصور.


شارك المقالة: