يزخر التراث العربي بالحكم والمواعظ والأمثال، وقد تكون هذه الأمثال وردت في بيت من الشعر، أو هي جاءت على هيئة نصيحة وحكمة فجرت على الألسن وتناقلها النّاس، وعلى الأغلب كانت الأمثال وليدة مواقف وأحداث مختلفة، ومثلنا اليوم: “طارت بهم العنقاء”، وهو مثل قديم، له حكاية ضمّتها صفحات أمّهات الكتب المختصة بالأمثال.
يُعدّ التراث العربيّ المصدر الأساسيّ للكثير من الأمثال والحكم والمواقف التي لا يُمكن أن تُمحى من ذاكرة الشّعوب، إذ إنّها بمثابة التاريخ الذي يروي حياة العرب على مر العصور والأزمنة، وقد خرجت الأمثال الشعبية من باطن المواقف والأحداث التي وقعت، ومن بين الأمثال العربية الشّهيرة التي صنعتها المواقف المثل القائل: “طارت بهم العنقاء”.
قصة مثل: “طارت بهم العنقاء”
في البداية لا بدّ من التّعرّف على “العنقاء”، إذ إنّه طائر كبير الحجم، وقيل أنّه قد سُمّي بهذا الاسم بسبب بياض كالطّوق يلفّ عنقه، وقيل أيضًا بسبب طول عنقه، وأمّا قصة المثل فقد ورد ذكرها عند ابن الكلبيّ، إذ قال: إنّه كان هناك نبيّ لأهل الرّس يُدعى: “حنظلة بن صفوان”، وكان لديهم جبل في أرضهم معروف باسم: “دمخ”، وقد كان مصعده ميل في السّماء.
كانت أنثى الطّائر العظيم ذات العنق الطّويل تعيش في قمة ذلك الجبل، والتي تميّزت بتفوّقها في الجمال على باقي الطّيور، وكانت تسقط منتصبة، فتنقضّ على الطّير فوق الجبل وتأكله بكلّ سهولة، وفي يوم من الأيّام فُقدت واختفت الطّيور وأصبح من الصّعوبة بمكان الحصول عليها، فقامت العنقاء بالانقضاض على صبيّ فأكلته، حتى أُطلق عليها لقب: “عنقاء مُغرب”، بمعنى أنّها تغرب كلّ شيء تأخذه، كما أنّها انقضّت على جارية وطارت بها، وهي تضمّها إلى جناحيها.
جاء النّاس إلى نبيهم: “حنظلة بن صفوان”، يشكون له سوء فعل العنقاء، فتضرّع بالدّعاء إلى الله، قائلًا: “اللهمّ خذها، واقطع نسلها، وسلّط عليها آفة”، فأصابت صاعقة العنقاء وأحرقتها، ولقد ضرب العرب المثل بالعنقاء في مقولاتهم وأشعارهم، وقولهم: “طارت بهم العنقاء” أحدها، وهو يُضرب للإشارة إلى الهلاك، كما ورد ذكرها في بعض الأشعار، كما ورد في مرثية خالد بن يزيد البيت القائل: “لقد حَلَّقَتْ بالجود فَتْخَاُء كَاسِر * كفَتْخَاء دَمْخ حَلَّقَتْ بالَحْزَوَّرِ”.