عندما يكون الحديث عن الترجمة؛ فلا يكفي أن نذكر موضوع واحد فقط، أو نتحدّث عن جانب ونترك بقيّة الجوانب الأخرى، ومن ضمن القضايا النقدية الكثيرة التي تمّ إثارتها فيما يختصّ بالترجمة هي مدى إمكانية الترجمة بشكل عام على موازاة النص، سنتحدّث عزيزي القارئ في هذا المقال عن قضية من أهم قضايا الترجمة بعنوان (الترجمة وعتبات النص).
ما هي قضية الترجمة وعتبات النص؟
من ضمن أهم القضايا النقدية التي تم إثارتها في الفترة الأخيرة هي قضية (الترجمة وعتبات النص)، وكان الشهير (جيرارد جينيت) من أكثر الأشخاص الذين تبنّوا هذه القضيّة وتحدّثوا عنها، وعندما نذكر كلمة عتبات النص؛ فإنّنا نقصد بها كل ما يتعلّق بالنص سواء كان: غلاف الكتاب الخارجي، الإهداء، كلمة أو تقرير يختصّ بمقابلة قديمة للكاتب حول الكتاب أو ملاحظات أو أيّ دراسات قديمة أو حديثة تتعلّق بهذا النص.
هنالك مصطلح آخر يطلق على قضية (عتبات النص) وهو (النص الموازي)؛ وهذا لأن هذه الأمور التي تختص بالنص كما ذكرناها سابقاً هي عبارة عن حلقة وصل بين النص والقارئ، لعتبات النص مهمتّين رئيسيتّين وهما: وظيفة تجميل النص، أمّا الوظيفة الأخرى فهي القدرة على جذب أكبر عدد من القرّاء لأنّه كما عرّفه البعض بأنّه (الخطاب الأساسي للنص).
ما هي أزمة ترجمة المصطلح في عتبات النص؟
من الأمر الواضح أن ترجمة المصطلحات لطالما كان يشكّل واحدة من المشاكل والعوائق الكبيرة التي تقف بوجه الترجمة؛ لهذا السبب اضطرّ الكثير من المترجمين القدماء للجوء إلى أسلوب التعريب؛ فعند نظرنا لبعض الأعمال المترجمة قديماً نجد أن هنالك الكثير من المترجمين من لجأ لاستخدام كلمات معرّبة، على الرغم من أنّ لغتهم العربية وقتها كانت ذات مكان كبيرة.
من الأمثلة على ذلك هي كلمة (فلسفة) والتي لا تعتبر كلمة عربية الأصل، كذلك الأمر مع كلمات أخرى مثل: (المهندس، الأستاذ وغيرها من الكلمات الأخرى، كل هذه الكلمات كانت نوع من الوسائل التي تخفّف من تلك الأزمة، حتّى إنّه في عصر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لجأ لاستخدام كلمة ليست عربية الأصل في الحروب وهي كلمة (الخندق).
لكن الدراسات الحديثة تعدّت الحديث عن هذه الأمور والمصطلحات، بل إنّ الكثير من النقّاد في العصر الحديث اختلفوا في تعريف المصطلح ذاته؛ فمنهم من قال أن المصطلح هو النص الموازي، ومنهم من عرّفه على أنّه (القراءة والكتابة)، ومنهم من عرّف بأنّه (حيط النص الداخلي أو الخارجي)، وهذا اللبس بين عدّة مفاهيم خلق تشوّش كبير بالنسبة لترجمة المصطلح في النص.
وعندما نتحدّث عن النص الموازي فنحن نقصد أنّ هنالك نوعين لهذا النص وهما: (النص الموازي الداخلي) ويقصد به كل ما يتعلّق بالنص ويجاوره ويصاحبه، ويقصد بها العناصر التي تعتبر ملحق للنص الأساسي وتتمثّل في (المقدّمة، الإهداء، العنوان، المراجع، الهوامش، الاقتباسات وغيرها).
أمّا النوع الآخر فهو النص الموازي الخارجي وهو يتعلّق بالنص الأساسي بأي شكل من الأشكال، ويسمّى أحيانا ً (النص المرادف)، وهو عبارة عن نص آخر ولكن تربطه بالنص الأصلي بعد زماني وفضائي أيضاً، على سبيل المثال: دراسات عن النص، شهادات، مذكرات، إعلانات، وغالباً ما يكون في آخر الكتاب، ويشبه النص الموازي الخارجي للنص المواد الإعلامية كثيراً.
كل هذه الجوانب والعناصر تعتبر مهمّة بشكل كبير في الترجمة ولا يمكن تجاهلها؛ لما لها من ارتباط كبير به، ومن ضمن الأمور التي تختصّ بترجمة النص ولا يمكن التغافل عنها هي (ترجمة العنوان)، وهي من أهم قضايا عتبات النص؛ فالعنوان هو النظرة الأولى والانطباع الأوّل للقاري الذي ساعده في اتخاذ القرار الصائب فيما يختص بقراءة الكتاب أو عدمه.
وكما عرّف الكاتب (محمد مفتاح) العنوان للنص وقال: (العنوان معرفة لضبط انسجام النص وفهم ما غمض منه) (العنوان بمثابة الرأس للجسد)، وكما وصف أيضاً أن للعنوان أربع وظائف أساسية وهي: (الوصف، الإيحاء، التعيين، الإغراء)، كان موضوع ترجمة عتبة العنوان من القضايا التي شغلت الغرب أكثر من غيرهم.
اعتبر النقّاد العرب أنّه يمكن إيجاد أي قرائن لغوية للعنوان، بينما النقّاد الغرب قاموا بتأليف كتب مثل كتاب (العنوانيات) وكانوا يعتبرون أن ترجمة العنوان هي من أهم قضايا (ترجمة عتبات النص).