اقرأ في هذا المقال
- ظهور مفهوم الظاهراتية الذاتية للوعي
- الإدراك الداخلي
- الشخصية الظاهراتية – التجربة الحسية
- عملية التفكير
- الطبيعة القصدية والوعي
لعبت قضايا الظواهر دورًا بارزًا في فلسفة العقل الحديثة جدًا، ولاحظنا قضيتين عند البحث في علم الظواهر: أولها شكل الإدراك الداخلي الذي يجعل النشاط العقلي ظاهريًا واعيًا، وثانيها الطابع الظاهراتي للنشاط العقلي الإدراكي الواعي في الفكر والإدراك والعمل.
ظهور مفهوم الظاهراتية الذاتية للوعي:
منذ مقال ناجيل عام 1974 (ما هو شكل الخفاش؟) شكلت فكرة ما يشبه تجربة حالة أو نشاط عقلي تحديًا للمادية الاختزالية والوظيفية في نظرية العقل، ويُنظر إلى هذه الخاصية الظاهراتية الذاتية للوعي على أنّها تكوينية أو نهائية للوعي، فما هو شكل تلك الشخصية الظاهراتية التي نجدها في الوعي؟
يؤكد خط التحليل البارز أنّ الطابع الظاهراتي للنشاط العقلي يتكون في شكل معين من الإدراك لهذا النشاط، وهو وعي يجعله واعياً بالتعريف، فمنذ الثمانينيات تم تطوير مجموعة متنوعة من النماذج لهذا الوعي، فهناك نماذج تحدد هذا الإدراك كمراقبة عالية المستوى فإما إدراك داخلي للنشاط (شكل من أشكال الحس الداخلي لكانط) أو الوعي الداخلي (حسب برينتانو) أو فكرة داخلية عن النشاط، وهناك نموذج آخر يحلل هذا الوعي كجزء لا يتجزأ من التجربة، كشكل من أشكال تمثيل الذات في التجربة.
الإدراك الداخلي:
يمكن القول إنّ نموذجًا مختلفًا إلى حد ما أقرب إلى شكل الوعي الذاتي الذي سعى إليه برينتانو وهوسرل وسارتر في النموذج (النموذجي)، ويأخذ الإدراك الداخلي للتجربة شكل إدراك انعكاسي متكامل (لهذه التجربة بالذات)، حيث يعتبر هذا الشكل من الوعي عنصرًا مكوِّنًا للتجربة التي تجعلها واعية.
وكما قال سارتر فإنّ الوعي بالذات هو أحد مكونات الوعي، لكن الوعي بالذات هو (ما قبل انعكاس)، وهذا الإدراك الانعكاسي ليس إذن جزءًا من مراقبة عالية المستوى قابلة للفصل ولكنّه مدمج في الوعي بحد ذاته، ففي النموذج المشروط هذا الإدراك هو جزء من الطريقة التي تتكشف بها التجربة أي ذاتيًا وظاهريًا ووعيًا، وتم تفصيل هذا النموذج في دي دبليو سميث (2004 -عالم العقل) في مقال (العودة إلى الوعي) كما ذكر بالتفصيل وفي أماكن أخرى.
الشخصية الظاهراتية – التجربة الحسية:
مهما كان الشكل الدقيق للشخصية الظاهراتية فإننا نسأل كيف تتوزع هذه الشخصية على الحياة العقلية، فما هي ظاهرة في أنواع مختلفة من النشاط العقلي؟ فهنا تنشأ قضايا الظواهر المعرفية، فهل الظواهر مقصورة على (الإحساس) بالتجربة الحسية؟ أم أنّ الظواهر موجودة أيضًا في التجارب المعرفية للتفكير كذا وكذا، أو الإدراك الحامل للمحتوى المفاهيمي والحسي، أو أيضًا في الفعل الجسدي الإرادي أو المخروطي؟ وقد تم استكشاف هذه القضايا في
Bayne and Montague (eds.) (2011) – Cognitive Phenomenology.
ترى وجهة النظر التقييدية أنّ التجربة الحسية فقط هي التي تتمتع بطابع ظاهري مناسب وما يشبه ذلك، ورؤية لون وسماع نغمة وشم رائحة والشعور بألم ما هذه إلّا أنواع من التجارب الواعية لها طابع استثنائي، ولكن لا يوجد غيرها في هذا الرأي.
قد تحصر التجريبية الصارمة التجربة الظاهراتية في الأحاسيس النقية على الرغم من أنّ هيوم نفسه قد أدرك (الأفكار) الهائلة التي تتجاوز (انطباعات) المعنى الخالص، حيث إنّ وجهة النظر الأكثر توسعية إلى حد ما ستحمل أنّ التجربة الإدراكية لها طابع ظاهري مميز حتى عندما يتم إبلاغ الإحساس بالمفاهيم، فالفرد عند رؤية ذلك الكناري الأصفر وعند سماع صوت Middle C الواضح على بيانو Steinway، وعندما يشم رائحة اليانسون الحادة وعندما يشعر بألم من ضربة إبرة الطبيب عند تلقي حقنة، ما هذه إلّا أنواع من الخبرة الواعية لها طابع ما هو عليه.
وكذلك هي شخصية مستمدّة من محتوى مفاهيمي (محسوس) أيضًا ومن وجهة النظر هذه نرى إنّ التفسير الكانطي للتجربة المفاهيمية الحسية أو (الحدس) سيؤيد الطابع الهائل في هذه الأنواع من التجارب، وفي الواقع (الظواهر) في المصطلح الكانطي هي بالضبط الأشياء كما تظهر في الوعي لذا فإنّ مظهرها بالطبع له طابع استثنائي.
عملية التفكير:
الآن لنرى وجهة نظر أكثر شمولية بأنّ كل تجربة واعية لها طابع ظاهري مميز، فتفكير الفرد في أنّ الرقم 17 هو عدد أولي، وكذلك اعتقاد الفرد أنّ اللون الأحمر في غروب الشمس ناتج عن انحناء موجات ضوء الشمس بسبب الغلاف الجوي واعتقاده بأنّ كانط كان أكثر صوابًا من هيوم بشأن أسس المعرفة ومعتقدًا أنّ المبادئ الاقتصادية هي أيضًا سياسية، فحتى هذه الأنشطة المعرفية للغاية لها طابع ما يشبه التفكير وفقًا لهذه النظرة الموسعة.
من المؤكد أنّ علماء الظواهر الكلاسيكية مثل هوسرل وميرلو بونتي افترضوا وجهة نظر موسعة للوعي الظاهراتي، فكان من المفترض أنّ (الظواهر) التي هي محور الظواهر تقدم شخصية غنية من التجربة الحية، لكن حتى هايدجر بينما كان يقلل من أهمية الوعي (الخطيئة الديكارتية!) ركز على (الظواهر) كما يظهر لنا (إلى الدازاين – to Dasein) في أنشطتنا اليومية مثل دق مسمار.
مثل ميرلو بونتي جورويتش Merleau-Ponty Gurwitsch يدرس عام 1964 بوضوح (المجال الظاهر) متضمنًا كل ما يتم تقديمه في تجربتنا، ويمكن القول بالنسبة لهؤلاء المفكرين لكل نوع من أنواع الخبرة الواعية طابعها الظاهراتي المميز (الفينومينولوجيا) – حيث مهمة الفينومينولوجيا (النظام) هي تحليل تلك الشخصية، لاحظ أنّه في النقاشات الأخيرة والتي غالبًا ما يُطلق على الطابع الظاهراتي للتجربة اسم (الفينومينولوجيا)- بينما في المصطلح الراسخ يطلق مصطلح (الفينومينولوجيا) على النظام الذي يدرس مثل هذه (الفينومينولوجيا).
الطبيعة القصدية والوعي:
بما أنّ القصدية هي خاصية حاسمة للوعي وفقًا لبرنتانو وهوسرل وآخرون فإنّ طبيعة القصدية نفسها تعتبر ظاهرة كجزء مما يشبه تجربة نوع معين من التجربة المقصودة، ولكن ليس الإدراك والفكر المتعمد فقط هما اللذان لهما سمات ظاهرة مميزة، سيكون للفعل المتجسد أيضًا طابع استثنائي مميز يتضمن شخصيات (حية) من الإحساس الحركي بالإضافة إلى المحتوى الإرادي المفاهيمي فعلى سبيل المثال في الشعور بركل كرة القدم، فإنّ (الجسد الحي) هو بالضبط الجسد كما هو الحال في الفعل الإرادي المتجسد اليومي مثل الجري أو ركل الكرة أو حتى التحدث.
كتب هوسرل مطولاً عن (الجسد الحي) في الأفكار الثانية، ومن ثم تبعه مريلو بونتي Merleau-Ponty بتحليلات غنية للإدراك المتجسد والعمل في فينومينولوجيا الإدراك، ولكن الآن لا تزال هناك مشاكل تتضمن القصدية بشكل أساسي المعنى، لذا فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يظهر المعنى في الشخصية الظاهراتية.
الأهم من ذلك أنّ محتوى التجربة الواعية يحمل عادةً أفقًا لمعنى الخلفية مما يعني أنّ ذلك ضمني إلى حد كبير وليس واضحًا في التجربة، ولكن بعد ذلك لن يكون لمجموعة كبيرة من المحتوى الذي تحمله تجربة ما ذات طابع ظاهري واعي لذلك قد يقال هذا خط من نظرية الظواهر ليوم آخر.