يعتقد كريسيبوس أنّ دراسة الفيزياء والمنطق كانت ضرورية من أجل صياغة نظام أخلاقي صحيح، وعلم كريسيبوس أنّ العالم مشبع بالعقل الإلهي أو الشعارات التي وجهت وشكلت كل شيء في العالم المادي، حيث كان لكل شيء مادي شخصية غير مرئية أعطته شكلاً ووجودًا متميزين، وكانت صفات الروح مثل البر جزءًا من هذه الشخصية غير المرئية.
ما هي الحجة المتنامية لكريسيبوس؟
لأسباب مماثلة لتلك الخاصة بالفلاسفة الأبيقوريين كان الرواقيون ماديين، فقط ما يمكن أن يؤثر أو يتأثر يمكن أن يقال أنّه موجود وهكذا تستمر الحجة، وفقط ما هو مادي قد يؤثر أو يتأثر، ومع ذلك فإنّ وجهة نظرهم تعترف بنوع من الثنائية، حيث أنّ كل شيء في الكون هو نتيجة لمبدأ نشط أي الله على ركيزة سلبية أو خاملة سببيًا غير محددة، كما يصف المشاة الأمانة بأنّها مادة أو شيء فردي والبني كخاصية أو تعديل لها، فيعتبر كريسيبوس والرواقيون بشكل عام الأمانة العامة خاصية أو تعديلًا للعنصر المنفعل واللون البني سيكون بدوره تصرفًا فيه.
يجادل العالم كلاسيكي والبريطاني وأستاذ الفلسفة المنتسب أنتوني آرثر لونج (Anthony Arthur Long) والفيلسوف والمؤرخ البرطاني ديفيد سيدلي يبدو أنّ التمييز الوجودي الرباعي قد ظهر ردًا على النقد الأكاديمي، ويبدو أنّ كريسيبوس كان المستجيب الرئيسي، فقد استفاد الأكاديميون من حجة تُعرف باسم الحجة المتنامية والتي تُعزى إلى شاعر القرن الخامس الهزلي المسمى إبيكارموس (Epicharmus)، من أجل إثارة الشكوك فيما يتعلق بفكرة أنّ الكائن الحي قد يتحمل أو يوجد بشكل غير متزامن.
تبدأ الحجة باستخدام تشبيه يمكن تكييفه ليناسب أغراضنا، ولدفع الفكرة إلى المنزل قد نفترض أنّ المكدس لا يتكون كما كان من بنسات بل من خمسين دولارًا، ولنفترض أنّ الفرد قد أعاد هيلينا يوم الثلاثاء وأنّها قد تكون لديها كومة من الفواتير بشرط أن تقوم بتنظيف المرآب، فإذا قام الفرد بإزالة إحدى الخمسينيات قبل أن يعطيها الفرد المكدس فيمكنها أن تحتج بشكل عادل على أنّ الفرد لم يعطيها نفس المجموعة التي وعدها بها.
ومن ثم فإنّ المعنوي الذي يجب استخلاصه هو أنّه عندما يتعلق الأمر بالمكدسات أو الكتل فإنّ إزالة (أو إضافة) واحد (أو أكثر) من المكونات يؤدي إلى تدمير الكتلة أو المكدس القديم (أو إنشاء كتلة جديدة)، كما كان الأكاديميون يميلون للإشارة من وجهة النظر الرواقية يتكون الناس بالكامل من المادة، ومن يستطيع أن ينكر أنّه في شرب فنجان من القهوة أو كأس من النبيذ على سبيل المثال هناك تدفق (وبعد ذلك سيكون هناك تدفق) من المكونات المادية؟
علاوة على ذلك تضمن العمل المركزي لعلم الكونيات الرواقي دراسة العمليات الطبيعية، فعندما يكون النمو والانحلال من بين أهم هذه العوامل الأساسية تحدى الأكاديميون فكرة أنّه يمكن تقديم أي حساب متماسك هنا، وأولئك الذين هم على دراية بمعالجة الفيلسوف جون لوك للهوية التاريخية في مقال حول فهم الإنسان (The Essay Concerning Human Understanding) سوف يكتشفون تشابهًا معينًا في استجابة كريسيبوس.
بالنسبة إلى كريسيبوس يبدو أنّه يعتقد أن شيئًا واحدًا وفقًا لأوصاف مختلفة قد يكون له خصائص غير متوافقة تُنسب إليه، وتحت وصف كتلة المادة هذه قد تتغير هوية المرء باستمرار من لحظة إلى أخرى، وتحت وصف هذا الشخص لا يجب أن يكون هذا هو الحال، وعلاوة على ذلك بالنسبة لكريسيبوس فإنّ المادة المكونة للشيء هي (hupokeimenon).
وكركيزة كما يقر كريسيبوس لا توجد الأشياء بشكل غير متزامن، ومع ذلك تمتلك كتل المادة مجموعات فريدة من الصفات، ويمكن تصنيفها ضمن الفئة الثانية من الأنطولوجيا الرواقية، ويمكن القول أنّ هذه العناصر هي شخصية خاصة (مؤهلات بشكل خاص)، والتي يمكن أن تستمر بالفعل عبر الزمن، وبهذه الطريقة يقال أنّ الكائنات الحية موجودة بشكل غير متزامن.
هجوم كريسيبوس والحجة المتنامية:
بعد أن نزع سلاح الحجة المتنامية بهذه الطريقة يبدو أنّ كريسيبوس أخذ قضيته في موقف هجوم، حيث النص الذي يتعين علينا العمل عليه مستمد من فيلو الإسكندرية في بيانه بأنّ كريسيبوس العضو الأكثر تميزًا في مدرستهم، ففي عمله على الحجة المتزايدة (On the Growing Argument) يخلق غريبًا من النوع التالي، وبعد أن أثبت لأول مرة أنّه من الممكن لشخصين مؤهلين بشكل خاص أن يشغلوا نفس المادة معًا يقول: “من أجل الجدل دعنا نعتبر فردًا كامل الأطراف وحيث الآخر ناقص قدم واحدة، ويدع كامل الأطراف يسمى ديون والمعيب ثيون، وثم تُبتر إحدى قدمي ديون”.
تحمل تجربة كريسيبوس الفكرية هنا تشابهًا مذهلاً مع أحجية أكثر حداثة ناقشها ديفيد ويجينز في عام 1968 وهي: فعند التفكير في قطة باسم تيبليس وركز في الوقت الحالي على ذلك الجزء من تيبلز الذي يتضمن كل شيء باستثناء تيبلز حكاية، فقد عيّن الجزء الذي يتضمن كل شيء ما عدا حكاية تيبلز بالاسم تيب، ولا يشغل كل من تيبلز وتيب حتى الآن نفس المساحة في نفس الوقت، وبالتالي فإنّ تيبلز و تيب ليسا متطابقين.
لنفترض مع ذلك أننا بترنا حكاية تيبلز، كما يشغل كل من تيبلز وتيب الآن نفس المنطقة من الفضاء، وإذا كانت تيبلز لا تزال قطة فسيكون من الصعب تمييز معيار يمكن من خلاله إنكار أنّ تيب هي قطة، ومع ذلك فإنّ تيبلز وتيب هما أفراد متميزان لأنّ لهما تاريخًا مختلفًا، ومن ثم هناك قطتان تحتلان وبالطبع لا تشغلان نفس المكان (هكذا يدير الاختزال)، واللغز بالنسبة إلى ويجينز هو معرفة أين ضل المنطق، ولغز كريسيبوس مشابه جدًا حيث يقال أنّ ديون وثيون يشغلان نفس المادة (بدلاً من نفس المساحة)، وحيث يكون لديون قدم اليمنى ويفتقر ثيون إلى واحدة.
ومع ذلك عندما يتم بتر قدم ديون فإنّ نهج كريسيبوس ليس هو اعتبار الاستنتاج مستمدًا بشكل صحيح من مقدمات معيبة، وبدلاً من ذلك يرفض كريسيبوس فكرة استمرار وجود ثيون، ففي جميع المظاهر يبدو أنّ كريسيبوس جادل بأنّه بعد البتر عندما يطرح أحد المارة السؤال لمن قطعت قدمه؟ فإنّ الإجابة المعقولة الوحيدة هي: إجابة ديون، ونظرًا لأنّ ثيون لا يمكن أن يفقد قدمًا لم يكن لديه من قبل وكل من يتم تضميده هناك فقد قدمه، وديون هو المرشح الأفضل للبقاء على قيد الحياة بالطبع، ولا يمكن القول بأنّ التناقض مبني على فرضيات رواقية.
يجادل ديفيد سيدلي بأنّ كريسيبوس يعيد الحجة المتنامية إلى الأكاديميين من خلال إظهار أنّه على الرغم من أنّهم يفترضون أنّ النمو المادي والتضاؤل قاتلان لفكرة وجود كيان دائم، فإنّ التقليل هو في الواقع جزء من حالة ديون الدائمة، في حين أنّ ثيون غير المنقوص وغير المتغير هو الذي يموت.