غزل ابو نواس

اقرأ في هذا المقال


إن رفّاءك هذا … ألطف الأمة كفّا

وأهم شاعرين اصطدم بهما أبو نواس أبان بن عبد الحميد وفضل الرقاشى، أما أبان فكان البرامكة يقيمونه على ديوان الشعر والشعراء يقدر جوائزهم، فبخسه جائزته، ويقال بل إن البرامكة طلبوا إلى أبى نواس أن ينقل لهم كليلة ودمنة شعرا، فنصح له أبان أن لا يصنع لما يجشمه ذلك من صعاب كثيرة، فاستعفى منه، وتخلّى به أبان فترجمه، وأعطاه البرامكة على ترجمته مالا جزيلا. وعرف ذلك أبو نواس وتبين له أنه احتال عليه، فهجاه ونشبت بينهما خصومة عنيفة، كان أبو نواس ما يزال يرميه فيها بالزندقة واقتراف الآثام، وكان من أشد ماهجاه به على نفسه نعته له بصفات لا تليق بمن يكون سميرا للوزراء من أمثال البرامكة، إذ يقول فى إحدى أهاجيه مصورا ثقله:

فيك ما يحمل الملوك على الخرق…. ويزرى بالسيد الجحجاح 

فيك تيه وفيك عجب شديد … وطماح يفوق كلّ طماح

بارد الظّرف مظلم الكذب تيّاه…. معيد الحديث غثّ المزاح

وكانت هذه الأبيات سببا فى سقوط أبان عند البرامكة، وصار له كالعبد لا يلقاه ولا يذكر له إلا يجلّه. ويظهر أن اصطدامه بفضل الرقاشى يرجع إلى تقديم أبان والبرامكة له، وكان خليعا، فأتاه أبو نواس من هذا الجانب كثيرا.وله يقول:

والله لو كنت جريرا لما … كنت بأهجى لك من أصلكا

وله أهاج كثيرة فى القيان والمغنين، وحتى من أكرموه مثل الخصيب والبرامكة لم يسلموا من هجائه، وهو فيه دائما يلتمس السيئات وكثيرا ما يفضى إلى فحش وإقذاع شديد.

ولأبى نواس غزل كثير فى المرأة والغلمان، وأروع ما له من غزل فى المرأة ما نظمه فى جنان، إذ يعبّر فيه عن مشاعر صادقة، ومن الغريب أنها كانت تردّه ردّا منكرا عنيفا، وهو كلما ردّته ازداد بها غراما وعليها تهالكا، وكلف بها أشد الكلف، وله فيها مقطوعات بديعة من مثل قوله، وقد رآها تندب فى بعض المآتم :

يا قمرا أبصرت فى مأتم … يندب شجوا بين أتراب

أبرزه المأتم لى كارها … برغم دايات وحجّاب

يبكى فيذرى الدّرّ من نرجس … ويلطم الورد بعنّاب 

لا تبك ميتا حلّ فى حفرة … وابك قتيلا لك بالباب

لا زال موتا دأب أحبابه … وكان أن أبصره دابى 

وعبثا استطاع يوما أن يلقاها، مما جعله يصطلى حقّا بحبها وناره المحرقة، ويتعذب عذابا طويلا، بثّه فى كثير من أشعاره. ولعلها المرأة الوحيدة التى استأثرت بقلبه وملكت عليه كل شئ من أمره. ونراه فى بغداد يسوق غزلا كثيرا فى إمائها وجواريها، يشوبه بكثير من الفحش الذى ينبو عنه الذوق، حتى مع عنان جارية الناطفى، وكانت شاعرة ظريفة ولها أيام تستقبل فيها الشعراء وتطارحهم الشعر، ممعنة معهم فى كل ما يخوضون فيه من بذاءة تظرفا ومعابثة . وديوانه من هذه الناحية يصور الجوارى المبتذلات اللائى كان يجلبهن النخاسون إلى بغداد، وكانت كثيرات منهن يقبلن على الخلاعة والمجون، وقلما عرفن شيئا من العفة والطهارة.

ويتسع الفحش فى غزل أبى نواس الشاذ بالغلمان، حتى ليصبح وصمة فى جبين عصره، وإن كان ابن المعتز يلاحظ أنه كان يتستّر بذلك عن فسقه الحقيقي بالجوارى الخليعات. وإذا صح ذلك يكون من الخطأ أن تفسّر نفسية أبى نواس على أساس هذه الآفة الشاذة التى كان يتظاهر بها ليخفى حقيقة سريرته وحياته الماجنة. وينبغى أن نلاحظ هنا ما أشرنا إليه فى حديثنا عن إلحاده، فإن كثيرا من غزله المفحش فى الغلمان والنساء جميعا كان ينظمه فى مجالس الخمر تعابثا.

أشهر ابيات الغزل لأبو نواس

ما حُلْتُ عن سَننَ الودادِ ولا غَدَتْ … نفسي على إلف سِواك تحومُ

وهذا خروج من غزل إلى مديح أغزل منه.

ومن البديع في هذا الباب قول أبي نواس من جملة قصيدته المشهورة التي أولها: أجارةَ بَيْتَنا أبوكِ غيورُ فقال عند الخروج إلى ذكر المدوح:

تقول التي في بيتها خَفَّ مَرْكبي … عزيزُ علينا أن نراك تسير

أمَا دُونَ مصرٍ للغنىَ مُتَطَلبُ … بلى إن أسباب الغنى لكثيرُ

فقلتُ لها واسَتعْجَلتها بوادرُ … جرت فجرى في إثرهن عبيرُ

ذريني أكَثر حاسديك برحلة … إلى بلد فيها الخصيبُ أميرُ

والشعراء متفاوتون في هذا الباب، وقد يقصر عنه الشاعر


شارك المقالة: