فلسفة الأكويني في فعل الوجود وقوة الروح

اقرأ في هذا المقال


في عام 1975 قيل أنّ الروح كانسجام مع عملية الفهم الخاصة بها هي موضوع الوجود (أن نكون – esse) في حد ذاته، بينما في حالة الحيوانات الأخرى يكون الحيوان نفسه والمادة الحية وأي موضوع فعل الوجود وللنفس والجسد وجود من خلال الجوهر.

فلسفة الإكويني في وجود الإنسان:

في حالة الإنسان يُقال أنّ الروح هي موضوع فعل الوجود لأنّ لها عمليتها الخاصة، وبالطبع سقراط هو مادة ذات عمليات تتعلق به وأنشطة حيوانية ولكن أيضًا عملية العقل، فسقراط هو الذي يفكر بحكم عقله، ولذا فهو أيضًا موضوع فعل الوجود.

ومع ذلك فإنّ العملية التي بموجبها تكون الروح موضوع فعل الوجود والنشاط الفكري هي العملية التي بموجبها يكون سقراط موضوع فعل الوجود، ومرة أخرى ليس نفس النوع من العملية ولكن نفس الشيء رمز العملية، ولذلك فإنّ سقراط وروحه لهما نفس فعل الوجود، ومبدأ استخلاص هذا الاستنتاج الأخير هو أنّ تشغيل الذات ينبع من فعل وجود هذه الذات، حيث أنّ حقيقة القوة تنبع من حقيقة الوجود.

لذا فإنّ سقراط باعتباره مادة حيوانية حية ليس مطابقًا لروحه، أي لا املك روحًا (Anima mea non est ego) كما أكد توماس في تعليقه على رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنثوس (أنا لست روحي)، ومع ذلك فإنّ سقراط وروحه يتشاركون كذات فعل الوجود، ولأن وجود روح سقراط هو فعل وجود سقراط فإنّ العملية الفكرية للروح هي عملية سقراط الفكرية.

وبسبب هذه المشاركة في فعل الوجود أيضًا يمكن للروح أن تكون الشكل الأساسي للحيوان البشري الحي، ولأن الروح هي شكل جوهري فهي ليست كاملة في طبيعتها، ولا يمكن أن تكون جوهرًا روحيًا مثل الملاك إذا تحدثنا بشكل صحيح، وهكذا تستقبل النفس فعل وجودها كروح إنسان ولا يمكنها أن تسبق الإنسان الذي هو روحه، ومع ذلك كما جادل الفيلسوف توما الأكويني في سؤال (75.6) فإنّه لا تخضع النفس لفساد الكائن البشري المعرض للموت، وبالتالي يمكنه النجاة من موت الإنسان.

فلسفة الأكويني في قوة الروح:

كنتيجة مهمة من الأسئلة الفلسفية في الطبيعة البشرية للفيلسوف توما الأكويني هي أنّ الروح لا تتكون من قوتها وكأنها مجموعة موحدة منها، وتحدث توماس غالبًا عن أجزاء الروح، كالجزء الجذاب أو الجزء العقلاني على سبيل المثال، ومع ذلك فإنّ طريقة الحديث هذه هي لأغراض تصنيف القوى، حيث أنّه لا يشير إلى الأجزاء الوجودية الفعلية للروح، وذلك باعتبارها الفعل الأول للجسد، فالروح مثل كل فعل بسيطة وجوديًا وغير منقسمة وغير مكونة، والقوى تتدفق من جوهر الروح كحوادث ضرورية للجوهر.

كما يخبرنا توماس أنّهم مرتبطون رسميًا بالروح كمبدأ لهم، فيما يسميه أرسطو في التحليلات اللاحقة الوضع الثاني للإسناد في حد ذاته، وهذا الوضع الذي يدخل فيه موضوع الإسناد في تعريف المسند كواحد لتعريف المسند، ومن هذا يترتب على أنّه إذا كانت الروح البشرية غير قابلة للفساد، فإنّ سلطات سقراط التي هي قوى للأعضاء الجسدية تتوقف مع موت سقراط.

فلسفة الشكل العقلاني الذي يميّز الإنسان عن الحيوان:

إنّ قوة العقل كقوة الروح بدون عضو مادي تظل غير قابلة للفساد مع الروح البشرية، ومع ذلك فإنّ توماس واضح في إنكاره أنّ العقل وحده هو الذي ينجو من موت الإنسان، حيث لا يمكن للمرء أن يكون لديه قوة عائمة غير قابلة للفساد في الوجود دون وجود موضوع السلطة، والروح هي الأخرى من القوى، وبالتالي فإنّ القوة الفكرية غير قابلة للفساد كقوة لروح غير قابلة للفساد كموضوع لها، وحتى القوى الأخرى تظل في الروح من حيث المبدأ.

يظهر كل هذا التركيز على وحدة الإنسان بوضوح في فهم الأكويني لنمط النشاط البشري باعتباره التصرف عن علم وإرادة، ويتم التعبير عن مثل هذا التصرف عن علم وإرادة على أنّه نشاط عقلاني للحيوان، أي كنشاط حيواني مميز رسميًا على أنّه عقلاني، فالعقلانية هي الشكل المميز الذي يتخذه الذكاء في البشر كحيوانات.

كما تنطوي العقلانية على انتقال الجدل ذهابًا وإيابًا من شيء معروف إلى آخر، وكذلك التقدم في المعرفة من خلال هذه الحركة، وهكذا فبالنسبة لتوماس بينما يمكن القول أنّ الملائكة والله أذكياء فإنّهم ليسوا عقلانيين.

هذه الحركة في الفهم ضرورية للبشر لأنّهم كحيوانات لديهم فقط فهم جزئي لطبيعة الأشياء، وبقدر ما تعتمد معرفتهم على الخبرة الحسية غير الكاملة والجزئية للعالم، ولكن التجربة الحسية وكذلك الحركة الذاتية التي تنبع منها هي التي تضع الإنسان ضمن جنس الحيوان، لذا فإنّ فهم الإنسان وإرادته مرتبطان جوهريًا بالنشاط الحسي للحيوان، ونتيجة لذلك العقلاني هو الشكل الذي يتخذه هذا الحيوان.

ولا يتسبب العقل في الأكل كشيء منفصل عنه وكسبب فعال، وعلى العكس من ذلك فإنّه لا يتم وصف الأكل البشري بشكل رسمي بشكل كافٍ ما لم يتم وصفه بالأكل العقلاني، وإنّ الفشل في تناول الطعام بعقلانية ليس فشلًا في سببه بل في الأكل نفسه.

والحيوان البشري لا يوصف بشكل كافٍ إلّا على أنّه حيوان عاقل، ولا يقدم العقل أي مادة أخرى أو تعبيرًا عن الشق بين الروح أو العقل والجسد، بل الوصف المناسب تمامًا لمادة الإنسان، فالعقل لا يميزنا عن الحيوانات بل يميزنا كحيوانات، ولذلك وفقًا لتوما الأكويني في حين أنّه من الصحيح أنّ أنشطة العقل والإرادة ليست من حقائق أي عضو فيزيائي فهي مع ذلك أنشطة حيوان بشري حي، وسقراط هو الحيوان الذي يعرف ويريد وليس عقله يتفاعل مع جسده.

نتيجة أخرى لهذا الإصرار من جانب الأكويني هو أنّه من غير المناسب وغير الدقيق التحدث عن الأنشطة التي نتشاركها مع أنواع أخرى من المخلوقات، ومن المؤكد أنّ هناك أوصافًا تنطبق بشكل متساوٍ على ما نقوم به وما تفعله الحيوانات الأخرى، على سبيل المثال وصف الأكل أو الوصف التكاثر، ولكن هذه أوصاف عامة لا تعبر بشكل كافٍ عن الفعل البشري على عكس فعل الحصان أو الكلب، حتى يتم تحديد الأفعال البشرية رسميًا على أنّها عقلانية.

لذا فإنّ الخير الذي هو أهداف للقوى البشرية لم يتم تحديده بشكل كافٍ من خلال الأوصاف العامة مثل متابعة الأكل والتكاثر والصداقة وما إلى ذلك، كما لو أنّ البشر والحيوانات الأخرى يسعون وراء نفس الخير، وفقط البشر يجلبون سببًا للتأثير على ذلك الخير من النوع المتطابق.

كل هذا قد يقود المرء إلى الاعتقاد في ذلك الوقت أنّه لكون الأكويني ليس ثنائيًا، ويجب أن يكون فيزيائيًا حيث لا يوجد سوى موقعين عريضين محتملين، والآن فإنّ صعوبات تقديم تفسير مناسب لماهية الفيزيائية معروفة جيدًا.

ولكن لنفترض أننا نأخذ الحد الأدنى من توصيف الفيزيائية على أنّها تنطوي على الادعاء بأنّ هناك بعض العلوم الفيزيائية المميزة أو مجموعة من العلوم الفيزيائية، وباستخدام مصطلح الفيزيائي اسميًا واجتماعيًا فقط كما نستخدمه في بعض العلوم اليوم، والتي من الناحية المثالية ستوفر حساب مناسب تمامًا لكل ما هو موجود والخصائص الأساسية للواقع.

ومن ثم لا يمكن فهم الأكويني على أنّه فيزيائي لأنّ نتيجة تحليله للإدراك والفكر كانت تقول إنّ هذه الأنشطة غير مادية، وهو ما يعني أنّه لم يتم التقاطها بشكل كافٍ من خلال أنواع الأوصاف المادية التي تفسر بشكل مناسب الكثير من الوجود والتغيير الذي نلاحظه في العالم، وهناك بالفعل العديد من الاختلافات في الثنائية والفيزيائية في الفلسفة الحديثة.

ومع ذلك فإنّ صعوبة وضع الأكويني في الخطوط العريضة لهذا الوضع يجب أن تكون واضحة الآن، وبدون إثبات فعلي على أنّ وجهة نظر الأكويني غير متماسكة فإنّ إحدى المساهمات الدائمة لفكره هي إظهار أنّ الفصل الحصري المفترض بين المادية والثنائية غير كافٍ، وإنّه يطرح علينا تحديًا للتفكير على نطاق أوسع وعميق في الوجود البشري.


شارك المقالة: