فلسفة آدامز في المذهب الراديكالي

اقرأ في هذا المقال


إذا تم تعريف الراديكالية على أنّها تتحدى هياكل السلطة الحالية، فإنّ الفيلسوفة جين آدامز كانت الأقل نخبوية والأكثر راديكالية من بين الفلاسفة الأمريكيين في عصرها، حيث اتخذت آدامز باستمرار دعمًا بليغًا للمواقف الشاملة التي سعت إلى مصلحة المجتمع، ولا بد من الإشارة بأنّ مصطلح الراديكالية هي المواقف السياسية وتطلعها إلى التغيير التام في المجتمع.

راديكالية آدامز في التقدم الجانبي:

دعا البراغماتيون عادة للتقدم الاجتماعي، كما قامت آدامز بتطرف مدى هذا التقدم الاجتماعي، وبدلاً من تحديد التقدم من خلال إنجازات الأفضل والأذكى تنادي آدامز بتحسين الكل فيما تسميه (التقدم الجانبي)، وبالنسبة إلى آدامز كان التقدم الجانبي يعني أنّه لا يمكن الإعلان عن التقدم الاجتماعي من خلال الاختراقات أو ذروة الأداء لعدد قليل من الأشخاص.

لكن لا يمكن العثور عليه إلّا في المكاسب الاجتماعية المشتركة، حيث تستخدم آدامز استعارة لشرحها المفهوم الذي تصف فيه الرجل الذي يصر على الموافقة والذي ينتقل مع الناس، وملزم بالتشاور مع الحق الممكن وكذلك الحق المطلق.

وغالبًا ما يكون هذا الرجل مجبرًا على تحقيق أفضل ما يمكن لنكولن فقط، وغالبًا ما يكون لديه شعور مقزز بالتنازل مع أفضل قناعاته، وعليه أن يتحرك مع أولئك الذين يحكمهم نحو هدف لا يراه هو ولا هم بوضوح شديد حتى يصلوا إليه، وكذلك عليه أن يكتشف ما يريده الناس حقًا ثم يوفر القنوات التي يجب أن تتدفق فيها القوة الأخلاقية المتنامية في حياتهم.

ومع ذلك فإنّ ما حققه ليس نتيجة كفاحه الفردي كمتسلق جبلي منعزل بعيدًا عن مرأى من جموع الوادي، ولكنه مدعوم بمشاعر وتطلعات كثيرين آخرين، وكان التقدم أبطأ بشكل عمودي لكنه أكبر بما لا يقاس لأنّه أفقي، فلم يعلّم معاصريه تسلق الجبال لكنه أقنع القرويين بالصعود بضعة أقدام أعلى.

وسواء كان المرء يشير إليهم على أنّهم بارونات السارقون أو قادة الصناعة، فإنّ صعود التجارة في الولايات المتحدة قد تم تحديده من قبل الفائزين في اللعبة وهم أولئك الذين جمعوا الثروة، حيث تمتع الأثرياء بتقدم هائل في الرعاية الصحية والتعليم والرفاهية المادية، ولم تكن آدامز راضية عن التطور الاجتماعي الضيق وأعادت تعريف التقدم وفقًا لتجربة الشخص العادي.

لا تزال إعادة التعريف هذه بعيدة المنال أمامنا اليوم مع استمرار تزايد التفاوت الطبقي في الولايات المتحدة، ومن المفارقات أنّ آدامز غالبًا ما يتم توبيخها لشرح قيم الطبقة الوسطى، والتي كانت النقطة المرجعية لها عندما بدأت هال هاوس، ولكن تجارب آدامز دفعتها إلى فهم وتقدير فقراء المهاجرين في الحي بشكل كامل.

التقدم الجانبي وقضية النقابات العمالية:

طبقت آدامز فكرة التقدم الجانبي على العديد من القضايا، وعندما تناقش دور النقابات العمالية قالت إنّه في محاولتها لتحسين ظروف جميع العمال تؤدي النقابات وظيفة حيوية أبطلها المجتمع، وتوضح آدامز التي لديها سجل حافل في دعم العمالة، أنّها لا تنظر إلى المفاوضة الجماعية على أنّها غاية في حد ذاتها، وتنظر آدامز إلى النقابات على أنّها رواد يحصلون على ظروف عمل تفيد في نهاية المطاف الجميع في المجتمع: “تحاول النقابات العمالية أن تفعل لنفسها ما يجب على الحكومة تأمينه لجميع مواطنيها، وفي الواقع تم تأمينها في كثير من الحالات”.

لا تهتم آدامز بتحسين نصيب مجموعة من العمال على حساب أخرى، فأي شعور بالانقسام والشك هو أمر قاتل في شكل ديمقراطي للحكومة، لأنّه على الرغم من أنّ كل جانب قد يبدو أنّه يؤمن أكثر لنفسه، وعند التشاور مع مصالحه الخاصة فقط يجب أن يكون الاختبار النهائي لمصلحة المجتمع ككل، وبالنسبة إلى آدامز تعتبر النقابات مهمة بقدر ما تعمل على تحسين ظروف العمل ورفع الأجور وتقليل ساعات العمل والقضاء على عمالة الأطفال لجميع الأمريكيين أي التقدم الجانبي.

راديكالية آدامز وموقفها تجاه الأثرياء والفقراء:

على الرغم من أنّ الفصل الأول من كتاب آدامز للديمقراطية والأخلاق الاجتماعية هو ظاهريًا نقدًا للعاملين في الأعمال الخيرية ومفاهيمهم المسبقة عن احتياجات المعوزين، إلّا أنّه يكشف أيضًا عن تصرف آدامز تجاه الفقراء والمضطهدين، وتستنكر الموقف التاريخي المتمثل في إلقاء اللوم على الضحية: “في السابق عندما كان يُعتقد أن الفقر مرادف للرذيلة والكسل، وأنّ الرجل المزدهر هو الرجل الصالح حيث كانت الصدقات تُدار بقسوة بضمير صالح، ولأنّ الوكيل الخيري ألقى باللوم حقًا على الفرد في فقره، وأعطته حقيقة ازدهاره المتفوق وعيًا معينًا بالأخلاق الفائقة”.

يعمل مثل هذا الحكم على فصل الأثرياء عن الفقراء، ووفقًا لذلك يمكن للأثرياء أن يحرزوا تقدمًا فكريًا وماديًا وتقنيًا وما إلى ذلك، بينما يُعتقد أنّ الفقراء قد تخلفوا عن الركب إلى حد كبير بسبب أفعالهم، وتجادل آدامز بأنّ الفقراء غالبًا ما يكونون ضحايا للظروف وأنّ من مسؤولية المجتمع أن يفهم أولاً أولئك الذين تم تهميشهم ثم تطوير وسائل لمشاركتهم في التقدم الجانبي.

الصدقة على الرغم من كونها جيدة ليست تقدمًا جانبيًا، وإنّ التحويل المؤقت للثروة على الرغم من نبيله، لا يشكل تقدمًا حقيقيًا في التخفيف من التفاوت الاقتصادي، ولم تعتبر آدامز نفسها عاملة خيرية ولم تصف عمل هال هاوس بأنّه مؤسسة خيرية: “أنا آسف دائمًا لكون هال هاوس يعتبر عملًا خيريًا”، وما سعت إليه آدامز كان تقدمًا جانبيًا يمكن تحقيقه من خلال الإرادة الجماعية ويتجلى من خلال المؤسسات الاجتماعية، وهي تعتقد أنّه لن تكون هناك حاجة للمستوطنات إذا أعيد بناء المجتمع لدرجة تقديم فرص متساوية للجميع.

لا تدافع آدامز عن نسخة رأسمالية قائمة على عدم التدخل من تكافؤ الفرص تكون مجردة وقائمة على الحقوق، بحيث تؤثر اقتصاديات السوق الحرة على الفهم الحديث للديمقراطية على أنّها مجرد ضمان للفرصة الكافية للمشاركة، وتم وضع نهج آدامز لتكافؤ الفرص في سياق الديمقراطية النشطة حيث يبحث المواطنون والمنظمات الاجتماعية عن بعضهم البعض لأنّ لديهم جميعًا مصلحة في التقدم الجانبي أو ما يمكن تسميته اليوم بالاشتراكية الديمقراطية.

كان للبراغماتية الراديكالية لآدامز في نهاية المطاف بُعد نسوي لأنّها أعطت باستمرار صوتًا لتجربة المرأة، وتناولت قضايا المرأة ورأت أنّ الديمقراطية الاجتماعية النابضة بالحياة ممكنة فقط إذا كانت هناك مشاركة كاملة من قبل كل من الرجال والنساء، وعندما يتعلق الأمر بقضايا مثل حق المرأة في التصويت تظهر آدامز براغماتية نسوية، حيث إذا لم يكن لدى النساء أصوات لاختيار الرجال الذين أصبح إصلاحها الاجتماعي يعتمد عليهم، فقد يتم تعديل بعض المشاريع العزيزة من قبل الهيئات التشريعية غير المطلعة أثناء عملية التشريع، بحيث أنّ القانون كما تم إقراره أضر بأشخاص كان من المفترض أن تحميهم.

لقد اكتشفت النساء أنّ غير الممثلين معرضون دائمًا لأن يحصلوا على ما لا يريدون من قبل المشرعين الذين يرغبون فقط في استرضائهم، ولاحظت أنّ آدامز لا تجادل في تطبيق حقوق الإنسان المجردة ولكنها بدلاً من ذلك تقدم ادعاءً وظيفيًا حول دور التصويت في التمثيل الديمقراطي المناسب، وليس الأمر أنّ آدامز تعارض الحقوق لكنها ستختار باستمرار الحجج البراغماتية حول القضايا النسوية، وكان زملاؤها البراغماتيون الذكور متعاطفين مع المواقف النسوية لكنهم لم يقدموا الادعاءات بقوة أو باستمرار مثل آدامز.

تجسد فكرة آدامز عن التقدم الجانبي مرة أخرى كيف تم تحريفها على أنّها مجرد مصلح، وارتبط الخطاب الراديكالي على غرار ماركس بالدعوة إلى تغييرات متطرفة في المؤسسات والأنظمة الاجتماعية، وعلى الرغم من أنّ هذه التغييرات قد تكون مرغوبة بشكل قابل للجدل، إلّا أنّها تنطوي على اضطرابات من شأنها أن تعطل العلاقات الاجتماعية بتكلفة شخصية محتملة كبيرة.

سعت آدامز إلى تحقيق تقدم اجتماعي كبير من خلال الاتفاق المتبادل والاستفادة من الذكاء الجماعي، ورفضت رؤيتها الراديكالية التخلي عن الأفراد في المجتمع وعلاقاتهم الراعية، وتدمج المفاهيم النظرية للتغيير الاجتماعي مع الخبرات الملموسة لتنظيم المجتمع، حيث كانت آدامز راديكاليًة مهتمة، وكانت آدامز مهتمة حقًا بالتخفيف من المشكلات الاجتماعية، ولكن هذا لا يستبعد وجود ميزة راديكالية واسعة النطاق لفلسفتها الاجتماعية.


شارك المقالة: