فلسفة آدامز وظاهرة الطفل الشيطان

اقرأ في هذا المقال


كانت جين أدامز مفكرة اجتماعية وفيلسوفة عامة وقائدة لحركة بيوت الاستيطان في الولايات المتحدة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ولقد طورت طريقة لفهم الأشخاص من خلفيات مختلفة جذريًا عن خلفيتها، ويعد هذا النهج الذي وصفته بـ (الفهم المتعاطف) أو (المعرفة المتعاطفة)، وتضمن عملية حوارية تضمنت الحيرة والاستفسار، وقد أسفرت هذه العملية عن إجراءات عملية كان لها صدى لدى الناس في الحي المحيط بهال هاوس، وهو منزل الاستيطان الذي أسسته في شيكاغو.

آدامز بين نظرية وجهة النظر النسوية والطفل الشيطان:

بالإضافة إلى ذلك تعد عملية المعرفة المتعاطفة منحى الذي غيّر شعور وتفكير آدامز، فالعملية موضحة من خلال حكايات الطفل الشيطان (Devil Baby) الموصوفة في عمل آدامز، التي تمت مناقشة علاقة طريقتها بالتعاطف مع مجموعات سكانية متنوعة والتعاطف المهني بشكل عام.

فابتداءً من صيف عام 1913 تصارعت جين آدامز وسكان مستوطنة هال هاوس مع هجمة الزوار الذين جاؤوا بحثًا عن طفل الشيطان، وهو طفل متخيل يشاع أنّه ولد من لعنة أبوية في الحي والمخبأة في هال هاوس، وبينما أوضحت آدامز أنّه لم يكن هناك مثل هذا الطفل في المستوطنة، فإنّها تقدّر المعاني المضمنة في الحكاية للمهاجرين، واستخدمت القصة لتأطير المشكلات الاجتماعية.

كانت آدامز كاتبةً مقنعة وبليغة على مدار حياتها، ونشرت أحد عشر كتابًا ومئات المقالات التي تتناول القضايا الملحة في عصرها، وتمكنت من خلال كتاباتها من نقل تفاصيل حياة الحي بطريقة كرامة الأعمال الدرامية الإنسانية التي واجهتها، وأصبحت الحلقة الغريبة للطفل الشيطاني وسيلة لمناقشة محن المهاجرين في المجتمع والتعامل مع قضايا الجنس والشيخوخة والفقر والفولكلور والذاكرة.

يمكن رؤية مثال لتطبيق آدامز لنظرية وجهة النظر النسوية (أو على الأقل سابقة لها) في (طفل الشيطان)، الذي يروي ما حدث بعد أن جاءت ثلاث نساء إيطاليات إلى هال هاوس لرؤية رضيع ممسوس، ويمكن للمرء أن يشكل صورة غريبة الأطوار من حساب آدامز، حيث لم يقنعهم أي قدر من الإنكار بأنّه لم يكن هناك، لأنّهم كانوا يعرفون بالضبط ما كان عليه بحوافره المشقوقة وأذنيه المدببة وذيله الضئيل، وعلاوة على ذلك كان الطفل الشيطان قادرًا على التحدث بمجرد ولادته وأصبح مُدنِسًا بشكل صادم.

زور وخرافات حول الطفل الشيطان:

ستكون هذه حكاية مسلية إذا توقفت عند هذا الحد، ولكن آدامز وصف فترة ستة أسابيع من الوقت عندما غمر هال هاوس بقصص حول الطفل الشيطان المزعوم، حتى أنّ الزوار عرضوا أموالاً على سكان هال هاوس لمشاهدة المخلوق على الرغم من الردود الشديدة على عدم وجود مثل هذا الطفل، وظهرت إصدارات متعددة من كيفية ظهور طفل الشيطان في الحي وفي النهاية ظهرت الهستيريا في الصحف.

ومن الجدير بالذكر من أنّ زوار الطفل الشيطان شملوا أشخاصًا من كل درجات الازدهار والتعليم، حتى الأطباء والممرضات المدربين الذين أكدوا لنا اهتمامهم العلمي، فقد أظهرت القصة باستمرار قوة قصة زوجات عجوز بين آلاف الأشخاص في المجتمع الحديث الذين يعيشون في زاوية خاصة بهم، ورؤيتهم ثابتة وذكائهم محتفظ به بسلسلة حديدية من العادة الصامتة.

فبالنسبة لمثل هؤلاء الناس البدائيين فإنّ الاستعارة لا تزال على ما يبدو مادة الحياة ذاتها، أو بالأحرى لا يصلهم أي شكل آخر من العبارات، ولا وجود للحجم الهائل من الكتابة الحالية لهم، وتمشيًا مع عاداتهم البسيطة فإنّ الوجود المشهور للطفل الشيطان في هال هاوس لم يصل إلى الصحف حتى الأسبوع الخامس من إقامته، أي بعد أن كان الآلاف من الناس قد أبلغوا بالفعل بمكان وجوده من خلال طريقة المرور القديمة، وهي نقل الأخبار من فم إلى فم.

زعمت إحدى روايات القصة أنّ الطفل الشيطان كان من نسل ملحد وفتاة إيطالية مخلصة، وعندما مزق الزوج صورة مقدسة من الحائط مدعيًا أنّه يفضل وجود شيطان في المنزل، وتم منح رغبته في صورة طفله القادم، أما النسخة اليهودية تُظهر بعض الاختلافات، حيث كانت مفادها أنّ والد لست بنات قال قبل ولادة الطفل السابع أنّه يفضل وجود شيطان في المنزل على فتاة أخرى.

فلسفة أدامز في الفهم المتعاطف بواسطة الطفل الشيطان:

على الرغم من كون خرافة الطفل الشيطان ظاهرة اجتماعية رائعة إلّا أنّ قصة الطفل الشيطان ليست ذات أهمية فلسفية واضحة، وسيكون من السهل رفض أولئك الذين أبقوا القصة على أنّهم حمقى محاصرون في الهستيريا، وليس لجين آدامز التي طبقت نهجًا مألوفًا من خلال رفض إصدار الأحكام والاستماع بعناية وتطوير فهم متعاطف، حيث عملت آدامز بنشاط لفهم موقع موضوعها.

وعلى الرغم من أنّ آدامز رفضت المتحمسين الذين جاءوا ليروا الطفل الشيطاني باعتباره شخصًا مثيرًا للإثارة يبحث عن الغوغاء، فقد أرادت أن تفهم النساء الأكبر سناً اللائي خلدن الأسطورة فقالت: “كلما سمعت الأصوات المتلهفة العالية من النساء المسنات، فقد كنت مهتمة بشكل لا يقاوم و تركت أي شيء قد أفعله من أجل الاستماع إليهم”، وما وجدته هو النساء اللواتي كن جديات وحيويات للغاية بشأن الطفل الشيطان، ولقد استخدموا مظهر طفل الشيطان والإثارة التي أحدثها كفرصة لمناقشة الأمور المهمة والمقلقة في حياتهم.

وجدت آدامز التي لم تبحث أبدًا عن إجابات بسيطة للقضايا المعقدة، تقاربًا في ديناميكيات الطبقة والعرق والجنس الذي يغذي ظاهرة الطفل الشيطان، وكانت هؤلاء النساء المهاجرات في محيط غير مألوف للغاية وكان عليهن التكيف مع الأفكار والممارسات الأجنبية، ولقد تم عزلهم من قبل أطفالهم الذين تكيفوا مع البلد الجديد بسهولة أكبر، وحافظوا على الطرق القديمة في متناول اليد، وكان العديد من هؤلاء النساء ضحايا للعنف المنزلي قبل فترة طويلة من وضع هذه الأفعال على صفة مميزة.

تخبر إحدى النساء آدامز بأنّه: “وجهي لديه هذا التطور الغريب منذ ما يقرب من ستين عامًا، حيث كنت في العاشرة من عمري عندما وصلت إلى هذا الطريق، وفي الليلة التي تلت أن رأيت والدي يقتل والدتي بسكينه”، فبالنسبة لهؤلاء النساء المنسيات والمضروبات مثل طفل الشيطان صلة بالماضي الذي كان أكثر منطقية بالنسبة لهن، فهو واحد كان له واجبات أخلاقية واضحة.

وقد أخبرت امرأة أخرى آدامز بأنّه: “قد تقول إنّه من العار أن يضربك ابنك من أجل القليل من المال الذي كسبته عن طريق التنظيف -رجلك مختلف-، ولكن ليس لدي قلب لإلقاء اللوم على ولد لقيامه بما رآه طوال حياته، فقد ذهب والده إلى الأبد عندما كان المشروب فيه وصعقني حتى يوم وفاته، ووُلد القبح في الصبي كما وُلدت علامات الشيطان في الطفل الفقير الذي يصعد الدرج”.

يقدم سرد آدامز للحكاية بعد حكاية العنف نظرة محبطة لحياة النساء المهاجرات في مطلع القرن، وبالنسبة للنساء اللواتي عشن مثل هذه الحياة الصعبة قدّم الطفل الشيطان فرصة مؤقتة للمقاومة، حيث كان الأزواج والأطفال يستمعون إليهم ويتخلون عن ضربهم مؤقتًا خوفًا من القصاص الإلهي كما يتضح من الطفل الشيطان، وتصف آدامز الذاكرة بأنّها تعمل على جعل الحياة مستساغة وفي اللحظات النادرة حتى جميلة.

على الرغم من أنّ هذا تحليل توضيحي محدد، إلّا أنّه يوضح كيف سعت آدامز إلى إقامة روابط بين القصص الشخصية من حيث أنّه: “عندما تشير هذه الذكريات استنادًا إلى التجارب المتنوعة لشعبي غير المعروفين لبعضهم البعض، إلى نتيجة حتمية واحدة فإنّها تتراكم في احتجاج اجتماعي”، وتشرع آدامز في رؤية طفل الشيطان في ضوء الحركة النسائية ومحاربة الاضطهاد، ونظرًا لموقف النساء المسنات كان الطفل الشيطان وسيلة المقاومة وفرصة لآدامز لمقاطعة التحليل النسوي.


شارك المقالة: