فلسفة أبيلارد في العملية الدلالية

اقرأ في هذا المقال


يمثل الفيلسوفان بيتر أبيلارد وويليام من أوكهام من الشخصيات الرئيسية للاسمية في العصور الوسطى، حيث كلاهما يشتركان في الفرضية الأساسية لتلك العقيدة، والتي بموجبها توجد كيانات فردية فقط، وإنّ تداعيات النزعة الاسمية واضحة تمامًا فيما يتعلق بمسألة المسلمات والتي تشكل موضوعًا، ومع ذلك يبدو أنّ الاسمية لكل من هذين البطلين تتباعد بشكل كبير خاصة فيما يتعلق بالدور الذي يمارسه العقل في العملية الدلالية، ويبدو أنّ أوكام ينأى بنفسه بالتأكيد عن أسلافه بما في ذلك أبيلارد عندما ينقل الوظائف النحوية والدلالية للغة التقليدية إلى مستوى اللغة العقلية.

أول طرح لمشكلة المسلمات:

تمت صياغة مناقشة مشكلة المسلمات في أوائل العصور الوسطى من خلال الأسئلة الثلاثة لبورفري (Porphyry):

1- ما إذا كانت الأجناس والأنواع حقيقية أو موجودة في الأفكار المجردة وحدها.

2- ما إذا كانت حقيقية هي أجساد أو غير مادية.

3- ما إذا كانا منفصلين أو مفصلين عن بعضهما البعض أو منطقيًا وترتبط واقعهما بهما.

من الواضح أن هذه الأسئلة صيغت مع وضع إجابة واقعية في الاعتبار، وبعد أن تدور بعض الأفكار غير الدقيقة في الإجابة على أسئلة بورفيري يضيف أبيلارد سؤالًا رابعًا وهو بما أنّ (المسلمات) طالما أنّها (عامة) فهل لديها بالضرورة شيء ما يخضع لها عن طريق الترشيح؟ أو بدلاً من ذلك حتى إذا تم تدمير الأشياء المسماة، فهل يمكن أن يتكون العام حتى في ذلك الوقت من دلالة الفهم فقط؟ على سبيل المثال اسم (وردة) عندما لا توجد ورود شائعة.

إجابة أبيلارد هي (لا)، فعندما لا توجد ورود فإنّ كلمة (وردة) لم تعد كلمة عالمية، ولم يعد يسمي أو يرشح العديد من الأفراد المنفصلين، وعندما تُلفظ كلمة (وردة) فإنّها لا تزال تولد فهماً من شأنه أن يتعلق بجميع الورود في حال عودة الورود، وعندما تختفي كل الورود ستكون الجملة: “لا يوجد ورود” ذات مغزى وحقيقية، والفهم على الرغم من الحفاظ على معنى المصطلح العالمي ليس عالميًا، وعندما يتم تدمير الأفراد لم تعد الكلمة عالمية.

فلسفة أبيلارد في نظرية دلالية للسلالات:

تتمحور النظرية اللغوية لأبيلارد حول الارتباط أو التطابق بين (الكلمة) و(الشيء) أو الدلالة والدلالة كما لدينا اليوم، ووفقًا لأبيلارد إذا كانت الكلمة أو الصوت تدل فذلك لأنّ شيئًا ما يضاف إلى كيانه المادي الجوهر، وهذا الشيء هو الوظيفة الدلالة والوظيفة المؤثرة، والصوت تمامًا مثل الشيء الذي يمثله في لغة العطاء يظل كما هو من مجتمع المتحدثين إلى مجتمع آخر، وينتمي إلى مجال الأشياء وهو أمر طبيعي.

من ناحية أخرى تتغير الأهمية بسبب تنوع اللغات فهي تعتمد على المؤسسة وعلى اتفاقية بشرية، حيث لدينا بالفعل التمييز بين مجال الأهمية ومجال الأشياء، ويكون الصوت أو الكلام المنطوق جسديًا من ترتيب الطبيعة بينما تنشأ الأهمية عندما يضاف (شيء ما) إلى كيانه، وهذا (الشيء) ناتج عن تدخل بشري في مؤسسة اجتماعية بشرية.

بالنسبة إلى أبيلارد تولد الكلمات أو تولد عقلًا يتوافق بعد ذلك مع الأشياء، وهكذا يجادل أبيلارد بأنّ هناك سلسلة مزدوجة من المراسلات بين الكلمات والعقول وبين العقول والأشياء، وبالتالي بين الكلمات والأشياء وهذه ثلاثة مجالات متميزة ولكنها مرتبطة.

أدى تفنيد نظريات الواقعية البارزة لترك أبيلارد حراً في متابعة الجزء الثاني من حجته، حيث بعد أن أظهر أنّه لا توجد أشياء كونية يمكنه الآن تطوير نظرية دلالية للسلالات، وفي كتابه مكونات المنطق (Logica Ingredientibus) يتعامل أبيلارد مع الموضوع بطرح ثلاثة أسئلة متميزة:

1- ما هو السبب المشترك لفرض الكلمات العالمية؟

2- ما هو المفهوم الشائع الذي تدل عليه الكلمات العالمية؟

3- هل الكلمات العامة عالمية بسبب السبب المشترك أم المفهوم المشترك أم كليهما؟

السبب المشترك لفرض الكلمات العالمية هو المكانة، حيث أنشأ الشخص الذي فرض الكلمة العالمية (الإنسان) الاتفاقية التي بموجبها يُسمي الصوت المقابل للكلمة كل فرد له المكانة: كونه إنسانًا، وبالمصطلحات المعاصرة يحمل أبيلارد نظرية مرجعية مباشرة، كما تشير الكلمة العالمية إلى -أو ترشح- كل فرد يتمتع بالوضع حتى عندما لا يكون لدى المتحدثين فهم واضح للوضع المعني.

الحالة نفسها ليست عنصرًا في أنطولوجيا أبيلارد، أي أنّه لا يهم أو الشكل أو الجوهر، وإنّه ليس جزءًا من الفرد، ويمكن القول أنّ كل فرد يتمتع بمكانة: أن يكون إنسانًا، ولكن الحصان والحمار متشابهان في المكانة: ليسوا بشرًا، ومن الواضح أنّ عدم كون المرء إنسانًا ليس شيئًا مشتركًا بين الحصان والحمار.

تعتبر حالة أو حالات كون المرء إنسانًا أو ليس إنسانًا من السمات الأساسية للفرد نفسه، وكل إنسان هو مجرد إنسان وكل حصان ليس مجرد إنسان، وأنّها حقيقة أساسية عن الأفراد أنّ كل فرد يقع في مكانه المناسب على شجرة البروفري وكل منها من نوع خاص، وهذا بسبب الطريقة التي يتم بها خلق الأفراد.

وفقًا لأبيلارد يتصور الله نموذجًا في ذهنه قبل أن يصنع الأفراد، وإنّ كون الفرد بشريًا هو نتيجة لكون الفرد مصنوعًا وفقًا لنموذج البشر، وبالمثل فإنّ كون المنزل مزرعة ينتج عن بنائه وفقًا لمخططات معينة، وأن تكون إنسانًا وأن تكون مزرعة ماشية ليسا عناصر ميتافيزيقية متميزة عن الفرد، بل إنّها حقيقة أساسية عن الأفراد أنّ كل واحد منهم مصنوع وفقًا لنموذج في العقل الإلهي.

المفهوم الشائع هو الفهم الذي تدل عليه الكلمة العالمية، وإنّ نطق كلمة (إنسان) يولد فهماً في ذهن المستمع، وهذا المفهوم الشائع أو الفهم المشترك هو معنى الكلمة، في التواصل الناجح يتمتع المتحدث بفعل تفاهم يتعلق بكل الأشياء فقط مع كونه إنسانًا، حيث إنّه ينطق بكلمة (إنسان) وبالتالي يجعل مستمعه يمتلك فعل فهمه الخاص الذي يتعلق بكل الأشياء التي لها مكانة بشرية فقط، الفهم المتولد في ذهن المستمع يتعلق بنفس الأشياء التي يفهمها المتحدث عند نطق الكلمة.

تتشكل هذه التفاهمات من خلال عملية التجريد من دراسة الأفراد الأفراد وصقل فهمهم، ونشكل فهمًا يتعلق بكل فرد يتمتع بمكانة ما ولكن ليس بفرد فريد، وتنتج عملية التجريد تفاهمات فردية أو وحده (sola) وعارية أو مجردة (nuda) ونقية (pura)، فوحده يعني بصرف النظر عن المعنى نحن لا نفهم الفرد كموضوع إحساس حالي، والفهم المجرد يستبعد بعض الأشكال في الفرد، وفهم أنّه وحيد ومجرد وعاري يتصور هذه الإنسانية هذا البياض ى ذلك، إنّ الفهم المنفرد والعاري ليس بعد فهماً عالمياً، كما يجب أن يكون الفهم الشامل نقيًا أي يجب أن يجرد من كل الظروف الفردية.

إن الفهم الشامل الذي تولده كلمة (إنسان) يتصور الطبيعة فقط والحيوان العقلاني الفاني ولا شيء آخر، ويتعلق الأمر بجميع البشر ولكن فقط بقدر ما يكون كل منهم بشريًا، ولا يحتوي الفهم على أي شيء يمكن بواسطته انتقاء فرد على أي فرد آخر، ويمكن لهذه التفاهمات وحدها والمجردة والنقية أن تقارب الأمثلة الموجودة في العقل الإلهي بما يكفي لفرض اللغة واستخدامها، ومع ذلك لأننا يجب أن نتعلم من خلال دراسة الأفراد المخلوقين فإنّ فهمنا البشري دائمًا ما يكون أقل من المعرفة، ولن نفهم أبدًا الطبيعة والخصائص مثل الخالق.

أسبقية الفرد هي العنصر المركزي في نظرية أبيلارد، وما لم يتم إنشاء الأفراد الذين يتمتعون بوضع معين وحتى يتم إنشاءهم لا يمكننا تكوين فهم لطبيعتهم أو فرض كلمة لتسميتهم، وهذا التقييد ليس من قبيل الصدفة لموقفنا المعرفي غير الكامل.


شارك المقالة: