تكمن الأهمية العامة لفلسفة بيتر أبيلارد في تأسيسه للتقليد المدرسي المتمثل في استخدام الفلسفة لإعطاء تعبير رسمي منطقي عن العقيدة الكنسية، وعلى الرغم من أنّ تفسيراته الخاصة قد أدينت فقد تم تصورها في الأساس بنفس روح المخطط العام للفكر الذي تم تطويره بعد ذلك في القرن الثالث عشر بموافقة رؤساء الكنيسة.
وبدأ صعود السلطة الفلسفية لأرسطو خلال العصور الوسطى، والذي قبل وقته اعتمدت الواقعية على سلطة أفلاطون، وأصبح تأثير أرسطو راسخًا في نصف قرن بعد وفاة أبيلارد عندما أصبحت الأورغانون المكتملة، وبعد ذلك جميع الأعمال الأخرى للمفكر اليوناني معروفة في المدارس.
فلسفة أبيلارد في الميتافيزيقا:
الالتزام الأساسي وراء اسمية الفيلسوف بيتر أبيلارد بأنّه لا يوجد شيء غير فردي أو على الأقل خاص، فهو الجوهر المفاهيمي لكل أفكاره الميتافيزيقية، كما يعتقد أبيلارد أنّ الفرد أساسي وجودي أساسي ولا يحتاج إلى تفسير، ومن المعروف أنّه من الصعب إثبات مثل هذا الادعاء، وإذا كان من الممكن القول أنّ أبيلارد لديه مشروع ميتافيزيقي فسيكون ذلك لإظهار أنّ (العناصر) الأخرى التي يضيفها الفلاسفة المختلطون إلى الأنطولوجيا الخاصة بهم يمكن تفسيرها بشكل مختزل من حيث الأفراد (أو على الأقل من التفاصيل).
يؤكد أبيلارد أنّ الأفراد هم كليات متكاملة، وهو يتبنى لغة مركبات الشكل والمادة لوصف الأفراد، ولكن الشكل ليس سوى ترتيب الأجزاء التي تتألف منها الكل، وأبيلارد يحمل عقيدة الخلق المزدوج، حيث خلق الله أولاً العناصر الأساسية الأربعة ثم جمع العناصر الأساسية الأربعة في أفراد مختلفين وفقًا للنماذج الموجودة في عقله، ويمتلك الله وحده هذه القوة لتجميع الأجزاء في مادة فردية منفصلة، ووحده الله يستطيع أن يفرض شكلاً على المادة.
من المنطقي تمامًا أن يتحدث أبيلارد عن النماذج ولكن الشكل ليس جزءًا من الفرد، وهذه هي السمة المميزة لاختزال أبيلارد، فالشكل هو اسم لميزة يمكن تمييزها بشكل موضوعي للفرد وليس لعنصر متميز وجوديًا. الأفراد المخلوقون بهذه الطريقة متحفظون عن الآخرين.
كما أنّهم يتشاركون بغض النظر عن المادة أو الشكل ولكنهم متشابهون، وسوف يشرح أبيلارد هذا من حيث الطبيعة أو الأشكال الجوهرية ولكنه يفضل مرة أخرى الحساب الاختزالي، حيث يتمتع الأفراد بطبيعة معينة لأنّ لديهم شكلًا جوهريًا معينًا، ولكن هذا النموذج الأساسي ليس جزءًا من الفرد أو أي عنصر يمكن مشاركته من قبل شخصين.
في المصطلحات المعاصرة سيكون أبيلارد مشابهًا للاسمية، فالأفراد الذين خلقهم الله وفقًا لنفس النموذج سيكونون بشكل طبيعي متشابهين في الطريقة التي تتشابه بها المنازل المصنوعة وفقًا لنفس المخطط، وهذا التشابه حقيقي وليس تقليديًا، ولكن لا يوجد شيء إضافي لتفسير هذه الحقيقة بالإضافة إلى الأفراد، والأفراد الذين يسكنون العالم يقعون في أنواع طبيعية، ولا تحتاج الطبيعة نفسها إلى طرحها لشرح هذه الحقيقة حول العالم.
يقدم أبيلارد العديد من الحسابات الاختزالية المماثلة، ولا يقتصر الوقت على الأفراد الذين يتم قياس مدتهم، والعلاقات ليست أكثر من خصائص الأفراد المتحفظين المعنيين، كما يمكن أن تكون حسابات أبيلارد الاختزالية معقدة تمامًا ولكن الالتزام الميتافيزيقي الأساسي ثابت، ويعد أصعب حالاته هي مع القول المأثور الذي تؤكده الجملة التوضيحية، والتي لم يستطع إيجاد طريقة لتقليص الإملاء الكاذب والأفكار المضاد للأفراد الباقين، ولكنه أكد مرارًا وتكرارًا أنّ القول المأثور (لا شيء على الإطلاق) و (لا جوهر على الإطلاق).
فكر أبيلارد في الإدراك وفلسفة العقل:
بينما كانت نظرية أبيلارد للعقل والإدراك أساسًا لنظرياته عن المسلمات وفلسفة اللغة، فإنّه لم يكن مهتمًا بشكل مفرط بفلسفة العقل على هذا النحو، بحيث تتضمن كل نقاشاته حول المسلمات والدلالة سرداً موجزاً للإدراك، كما كتب أطروحة قائمة بذاتها حول التفاهمات بهدف صريح هو توضيح القضايا الأساسية لنظرياته الدلالية.
اعتبر أبيلارد أنّ فلسفته العقلية كانت أرسطية، ولكن معرفته بأرسطو حول هذا الموضوع كانت ضعيفة للغاية، حيث إنّه يردد مرارًا وتكرارًا الادعاءات الأرسطية -الإحساس بالأجساد ومن خلالها وما إلى ذلك- ولكنه يرفض أيضًا العديد من الادعاءات الأرسطية الأساسية، ودون الاعتراف بذلك يرفض أبيلارد حسابات الإدراك التي يمكن العثور عليها في أرسطو وعلى الأخص الروايات في عن الروح (De Anima) وحول التفسيرات (de Interpretatione).
يرفض أبيلارد تمامًا النظرية والتي تتواجد في نظرية أرسطو في عن الروح (De Anima)، القائلة بأنّ الإدراك يتضمن الهوية الشكلية بين العقل والشيء المفهوم، ويجادل بأنّه سيكون من العبث الادعاء بأنّ العقل يصبح رباعي الجوانب عندما يفكر في برج رباعي الأضلاع، كما يشير إلى أنّه يمكن للمرء أن يفكر في عدة أشياء في وقت واحد بينما لا يمكن لأي شيء أن يكون له تلك الأشكال المتعارضة في نفس الوقت، وتشير هذه الانتقادات إلى أنّ أبيلارد لم يكن على دراية بتفسير أرسطو للأشكال المعقولة، وبالنظر إلى مفهومه الخاص عن الشكل فإنّ هذا التفسير الأرسطي للعقل هو هراء.
يرفض أبيلارد أيضًا وجهة النظر (التي عبر عنها أرسطو في حول التفسيرات)، القائلة بأنّ الإدراك هو تكوين تمثيلات أو صور أو تشابه للكائن الذي يتم التعرف عليه، وعلى الرغم من أهمية الصور في حساب أبيلارد للإدراك، إلّا أنّ الصورة مطلوبة فقط عندما يكون الإدراك المباشر للكائن عبر الإحساس غير ممكن، والصور هي بدائل للتجربة الحاضرة الحالية فهي ليست وسيطة ضرورية في العملية المعرفية، كما أنّ الصور ليست بأي حال من الأحوال هدفًا للإدراك (باستثناء التفكير في صورة معينة كصورة).
هناك ثلاث خطوات في نموذج أبيلارد للإدراك :
1- الإحساس: وهو قوة العقل وليس قوة الجسد الحي، ومن خلال جهاز الإحساس ينظر العقل إلى العالم كما لو كان من خلال نافذة، وعند وجود كائن مادي وتكون جميع الشروط الأخرى مناسبة، يوفر الإحساس تصورًا مشوشًا أوليًا عن الشيء، وهذا المفهوم الأولي مشوش لأنّ العقل حتى الآن لا يدرك طبيعة أو أي خاصية للموضوع، ونحن على دراية بالكائن ولكننا لا نفهم ماهيته بعد.
2- الخيال: يكمل الخيال الإحساس الحالي، فإذا رأيت شجرة على مسافة من خلال حاسة البصر، فإنّ أدرك اللون والأشياء الأخرى المناسبة للرؤية، ويضيف الخيال الملمس والصلابة والرائحة، ويمكن أن يوفر الخيال أيضًا البديل الكامل للأشياء الغائبة.
3- الفهم: عندما يقدم الإحساس و / أو الخيال هذا المفهوم المشوش، يمكن للقوة العقلانية للعقل أن تركز على التصور المشوش وتركز انتباهه المميز على طبيعة أو خاصية ما للشيء المحسوس أو المتخيل، فقد وصف أبيلارد هذا بأنّه فعل تفاهم.
حيث إنّه فعل واعي وعابر للتفكير في شيء ما أو طبيعة أو خاصية الشيء، فأبيلارد صريح في الادعاء بأنّ فعل الفهم هو مجرد فعل عابر للتفكير في شيء ما، والفهم ليس بمفهوم، وبالنسبة لأبيلارد فإنّ الفهم ليس موضوعًا للإدراك ولا هو موضوع المعرفة (أو كما هو الحال مع بعض الاسميين اللاحقين يكون الفهم عالميًا)، والمعرفة هي عادة امتلاك أفعال دقيقة لفهم شيء ما.