فلسفة أرسطو في أنواع الحياة

اقرأ في هذا المقال


يقول أرسطو في الكتاب الأول إنّ ثلاثة أنواع من الحياة يعتقد أنّها جذابة بشكل خاص، فالأول مكرس للمتعة، والثاني للسياسة ويتمثل بحياة الزعيم السياسي، أمّا الثالث للمعرفة والفهم والذي يتمثل بالفيلسوف.

فلسفة أرسطو في نوع حياة المتعة:

في أحد أعماله الفلسفية عاد إلى هذه البدائل الثلاثة واستكشفها بشكل كامل أكثر مما كان عليه في الكتاب الأول، بحيث يتم تفسير حياة المتعة في الكتاب الأول على أنّها حياة مكرسة للمتعة الجسدية وسرعان ما يتم رفضها بسبب ابتذالها، ويقر أرسطو بأنّ الملذات الجسدية وبشكل أكثر عمومًا كل أنواع التسلية مرغوبة في حد ذاتها، وبالتالي لديها بعض الادعاء بأنّها نهايتنا النهائية.

ولكن مناقشته للسعادة في الكتاب العاشر لا تبدأ من الصفر، حيث إنّه يبني على أطروحته القائلة بأنّ المتعة لا يمكن أن تكون هدفنا النهائي، لأنّ ما يعتبر ممتعًا يجب أن يُحكم عليه من خلال معيار آخر غير المتعة نفسها أي حكم الشخص الفاضل، ولن تغيب وسائل التسلية عن الحياة السعيدة فكل شخص يحتاج إلى الاسترخاء والتسلية تسد هذه الحاجة، ولكنهم يلعبون دورًا ثانويًا لأننا نسعى للاسترخاء من أجل العودة إلى الأنشطة الأكثر أهمية.

أرسطو والحياة الفلسفية:

ينتقل أرسطو إلى الخيارين المتبقيين وهما السياسة والفلسفة، ويقدم سلسلة من الحجج لإظهار أنّ الحياة الفلسفية وهي الحياة المكرسة للـ (Theoria) أي التأمل والدراسة أنّها هي الأفضل، فالثيوريا ليست عملية التعلم التي تقود إلى الفهم، وهذه العملية ليست مرشحًا لنهايتنا النهائية لأنّها تتم من أجل هدف آخر.

ما يفكر فيه أرسطو عندما يتحدث عن الثيوريا هو نشاط شخص قد حقق بالفعل الحكمة النظرية، وأسعد حياة يعيشها شخص لديه فهم كامل للمبادئ السببية الأساسية التي تحكم عمل الكون، ولديه الموارد اللازمة لعيش حياة مكرسة لممارسة هذا الفهم، ومن الواضح أنّ أرسطو يعتقد أنّ حياته الخاصة وحياة أصدقائه الفلسفيين كانت أفضل ما هو متاح للإنسان.

قد يبدو من الغريب أنّه بعد تكريس الكثير من الاهتمام للفضائل العملية، يجب على أرسطو أن يختتم أطروحته بفرضية أنّ أفضل نشاط في الحياة الأفضل ليس أخلاقيًا، وإنّهم يعتبرون أرسطو يقول أنّه يجب أن نكون مستعدين للتصرف بشكل غير أخلاقي، وإذا لزم الأمر من أجل تكريس أنفسنا قدر الإمكان للتأمل.

لكن من الصعب تصديق أنّه ينوي عكس نفسه بشكل مفاجئ، وهناك العديد من المؤشرات على أنّه يعتزم أن تكون الحجج مستمرة مع الموضوعات التي يؤكد عليها في بقية الأخلاق، وأفضل طريقة لفهمه هي أن نفترض أنّ المرء سيحتاج إلى الفضائل الأخلاقية ليعيش حياة الفيلسوف، وعلى الرغم من أنّ ممارسة هذه الفضائل ليست النهاية النهائية للفيلسوف.

ولكي يكون المرء مجهزًا بشكل كافٍ ليعيش حياة الفكر والنقاش يحتاج المرء إلى الحكمة العملية والاعتدال والعدالة وغيرها من الفضائل الأخلاقية، والقول بأنّ هناك شيئًا أفضل حتى من النشاط الأخلاقي، وأنّ النشاط الأخلاقي يعزز هذا الهدف الأسمى ويتوافق تمامًا مع كل شيء آخر نجده في الأخلاق.

أرسطو والحياة السياسية:

إنّ الهدف الرئيسي في أعمال أرسطو هو إظهار تفوق الفلسفة على السياسة، إلّا أنّه لا ينكر أنّ الحياة السياسية سعيدة، والسعادة الكاملة كما يقول تتكون من التأمل، ولكنه يشير إلى أنّ الحياة المكرسة للفكر العملي والفضيلة الأخلاقية سعيدة بطريقة ثانوية، وإنّه يعتقد أنّ هذه ثاني أفضل حياة هي حياة زعيم سياسي؛ لأنّه يفترض أنّ الشخص الذي يمارس بشكل كامل مثل هذه الصفات مثل العدالة وعظمة الروح هو الرجل الذي يمتلك الموارد الكبيرة اللازمة لتعزيز الصالح العام للمدينة .

الحياة السياسية فيها خلل كبير على الرغم من أنّها تتمثل في الممارسة الكاملة للفضائل الأخلاقية، لأنّها حياة خالية من الفهم والنشاط الفلسفي، وإذا كان شخص ما يجمع بين المهنتين ويمارس السياسة في أوقات معينة وينخرط في نقاش فلسفي في أوقات أخرى (كما يفعل الفيلسوف أفلاطون)، فإنّه سيعيش حياة أفضل من حياة السياسي أرسطو، ولكن أسوأ من حياة الفيلسوف أرسطو.

لكن شكواه من الحياة السياسية ليست مجرد أنّها خالية من النشاط الفلسفي، وتكشف النقاط التي يوجهها ضدها عن عيوب متأصلة في النشاط الأخلاقي والسياسي، ولعل أكثر هذه العيوب دلالة هو أنّ حياة الزعيم السياسي غير نائمة إلى حد ما، وما يفكر فيه أرسطو عندما قدم هذه الشكوى هو أنّ الأنشطة الأخلاقية علاجية فهي مطلوبة عندما يحدث خطأ ما أو يهدد بفعل ذلك.

فالشجاعة على سبيل المثال تُمارس في الحرب، والحرب تعالج الشر، حيث إنّه ليس شيئًا يجب أن نتمناه، ويشير أرسطو إلى أنّ جميع الأنشطة السياسية الأخرى لها نفس الميزة، على الرغم من أنّها ربما تكون بدرجة أقل، وستزوده العدالة التصحيحية بأدلة إضافية على أطروحته، ولكن ماذا عن العدالة في توزيع الحاجات؟

ربما يجيب أرسطو بأنّه في المجتمعات السياسية القائمة يجب على الشخص الفاضل أن يكيّف نفسه مع أقل طرق التوزيع سوءًا، لأنّه بما أنّ الطبيعة البشرية ما هي عليه فأنّه يجب التسامح مع قدر معين من الظلم، ونظرًا لأنّ الشخص الشجاع لا يمكن أن يكون راضيًا تمامًا عن تصرفه الشجاع، وبغض النظر عن مدى إتقانه الذاتي لأنّه محب للسلام وليس قاتلًا، لذلك يجب أن يعاني الشخص العادل الذي يعيش في العالم الحقيقي من درجة معينة من عدم الرضا بمحاولاته لمنح كل شخص حقه.

إنّ ملذات ممارسة الفضائل الأخلاقية تختلط في الظروف العادية بالألم، والمتعة غير المشوهة متاحة لنا فقط عندما نخرج أنفسنا من العالم البشري بالكامل ونفكر في النظام العقلاني للكون، ولا يمكن لحياة بشرية أن تتكون فقط من هذه الملذات النقية، وفي ظروف معينة قد يكون المرء مدينًا لمجتمعه بالتخلي عن الحياة الفلسفية والتكريس لخير المدينة.

ولكن نماذج السعادة البشرية هي أولئك الأشخاص المحظوظون بما يكفي لتكريس الكثير من وقتهم لدراسة عالم أكثر تنظيماً من العالم البشري الذي نعيش فيه.

على الرغم من أنّ أرسطو يدافع عن تفوق الحياة الفلسفية إلّا أنّه في الفصل الأخير من الأخلاق يقر بأنّ مشروعه لم يكتمل بعد، لأننا نستطيع أن نجعل البشر فاضلين أو حتى صالحين إلى حد ما، وذلك فقط إذا أجرينا دراسة لفن التشريع، ولذلك فإنّ القسم الأخير من كتاب الأخلاق يُقصد به أن يكون بمثابة ظاهرة لكتابات أرسطو السياسية، كما يجب علينا التحقيق في أنواع الأنظمة السياسية التي تظهرها المدن اليونانية القائمة، والقوى التي تدمر المدن أو تحافظ عليها وأفضل نوع من النظام السياسي.

على الرغم من أنّ دراسة الفضيلة التي أنجزها أرسطو من المفترض أن تكون مفيدة لجميع البشر الذين نشأوا جيدًا، وحتى أولئك الذين ليس لديهم نية في ممارسة مهنة سياسية، إلّا أنّها مصممة أيضًا لخدمة غرض أكبر، ولا يمكن للبشر تحقيق السعادة أو حتى شيء يقترب من السعادة، إلّا إذا كانوا يعيشون في مجتمعات تتبنى العادات الجيدة وتوفر المعدات الأساسية لحياة جيدة.


شارك المقالة: