اقرأ في هذا المقال
يقول أفلاطون أنّ السعادة هي امتلاك أو حيازة واستخدام صحيح للحاجات، وبالنسبة إلى البؤس فإنّ البؤس هو حيازة السيئات أو حيازة الحاجات واستخدامها بشكل غير صحيح، وإذا سألنا لماذا يفعل أي شخص ما يفعله ووصلنا إلى نقطة إظهار كيف يتناسب أفعالها مع الحياة السعيدة فقد شرحنا فعلتها وتبريرها بالكامل، ولا يوجد سؤال آخر حول سبب رغبتها في أن تكون سعيدة وتعيش بشكل جيد، وبعبارة أخرى نفعل كل شيء من أجل السعادة ولا نحتاج إلى شيء غير السعادة.
فلسفة أفلاطون في الحكمة والخير والوحدة:
الحكمة هي أعلى خير لدينا والقدرة على استخدام الحاجات الأخرى بشكل جيد ومفيد، ولذا يجب أن تكون الحكمة هي الشغل الشاغل لأي شخص يريد أن يعيش بشكل جيد وأن يكون سعيدًا أي الجميع، وعلى وجه الخصوص الحكمة أكثر أهمية من الحاجات الجسدية والسمعة مثل الصحة والتكريم، ولكن بما أنّ الخبرة في هذا المجال هي الشرط الذي يتيح نشاطًا ماهرًا في أي مجال، كذلك فإنّ الحالة التي تتيح النشاط الماهر مع الحاجات هي الخبرة المتعلقة بالحاجات، إذن الحكمة -أعلى خير للإنسان- هي معرفة الخير.
ومع ذلك هناك مشكلة كامنة، فإذا كانت الحكمة خير للإنسان وأعلى خير للإنسان هو معرفة الخير، فإنّ الحكمة تبدو إذًا أنّها معرفة نفسها، وهذا غير مفهوم وحتى لو كان مفهومًا فإنّه يبدو عديم الفائدة، ولذلك يقدم أفلاطون شكل الخير المتميز عن الحاجات الأخرى (بما في ذلك أعلى فائدة بشرية) كموضوع مناسب للحكمة، وإنّ شكل الخير هو خير بدون مؤهل أي إنّه ليس مجرد خير لهذا النوع أو ذاك من الأشياء، وهذا هو ما هو الخير فيما يتعلق بالحاجات الأخرى الجيدة (المؤهلة).
يعطي هذا توصيفًا رسميًا للخير وبشكل أكثر جوهرية فإنّ الخير هو الوحدة، فكل شيء يكون جيدًا عندما يكون موحدًا، والوحدة المدنية هي أسمى خير للمدينة والوحدة النفسية هي أسمى خير للروح، أي أنّ الروح تحقق أسمى خير لها بوضع أهدافها واتجاهاتها في بنية متماسكة، ويحدث هذا من خلال التعرف على الخير، وعندما يدرك أحدهم ذلك يصبح موضوع معرفته أي الخير هو الوحدة ومعرفة الخير يوحد الروح، وهذا التعريف للخير بالوحدة هو أحد أسباب اعتقاد أفلاطون أنّ الرياضيات تمهد الطريق للمعرفة الأخلاقية.
فلسفة أفلاطون في الفضائل:
هذا يغطي الحكمة وموضوعها الأساسي، ولكن ماذا عن الفضائل الأخرى؟ هنا يقول أفلاطون أحيانًا أنّ جميع الفضائل هي مجرد حكمة، على سبيل المثال تمكن الحكمة المرء من التحكم في ملذات المرء وشهواته (بحيث يكون الاعتدال حكمة) ومخاوف (بحيث تكون الشجاعة حكمة)، وفي هذا الرأي توجد فضيلة واحدة لها عدة أسماء، وفي مكان آخر يقدم وجهة نظر أضعف إلى حد ما بمعنى أنّ هناك العديد من الفضائل ولكن امتلاك واحدة يتطلب امتلاكها جميعًا.
حتى النظرة الأضعف تثير الدهشة، فالفطرة السليمة تقول أنّه يمكن للمرء على سبيل المثال أن يكون عادلاً ولكن ليس معتدلاً، أو حكيمًا ولكن ليس شجاعًا، وكلا النسختين من الادعاء بأنّ الفضيلة موحدة ترتكز جزئيًا على الادعاء بأنّ الحالات العاطفية تمثل موضوعاتها على أنّها جيدة أو سيئة، على سبيل المثال عندما يخاف شخص ما من المرتفعات في بعض المناسبات، فإنّها تخشى أضرار السقوط فالخوف يمثل شيئًا سيئًا للموضوع.
لكن الحكمة تدرك بشكل منهجي ما هو جيد وسيء حقًا لنا، لذلك فإنّ الشخص الحكيم لا يحمل أبدًا أي اعتقاد خاطئ حول ما هو جيد أو سيئ بالنسبة له حقًا، ومن ثم فهي تخشى الأشياء فقط إلى الحد الذي يجعلها سيئة حقًا بالنسبة لها فلا أكثر ولا أقل، أي أنّها شجاعة وليست جبانة أو متهورة، وقد تبدو بعض الأشياء التي يعرفها الحكيم أنّها ليست سيئة، ورغم ذلك تمامًا كما تستمر الأوهام الإدراكية حتى بالنسبة لأولئك الذين لا يثقون بها.
فلسفة أفلاطون في السعادة:
يعتقد أفلاطون أنّ الفضيلة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسعادة، وعلى وجه الخصوص الفضيلة ضرورية للسعادة أي الأشرار ليسوا سعداء ولكنهم بائسون، ولكننا لم نر حتى الآن ما إذا كان يعتقد أنّ الفضيلة كافية للسعادة أو ما قد يؤدي إلى السعادة، فهناك التزامان مهمان في هذا الصدد -لم يحددهما أفلاطون أبدًا صراحة ولكنه يفترضهما بانتظام- وهما أنّ الفضيلة والسعادة (والرذيلة والبؤس) تأتيان بدرجات، وذلك لأنّ الفضيلة هي المحدد المركزي للسعادة، ويبدو من الواضح أنّه كلما أصبح المرء أكثر فضيلة يصبح أكثر سعادة.
قد يتخذ المرء الفضيلة لتكون العامل الوحيد الذي يحدد درجة سعادة الفرد، ولكن في الحقيقة يعتقد أفلاطون أنّ الخيرات والأشرار بخلاف الفضيلة والرذيلة -الحاجات مشروطة مثل الثروة والشرف- لها صلة بمدى سعادة المرء، وهذه لها آثار معاكسة على الفاضلين والأشرار.
فالشخص الذي يتمتع بدرجة معينة من الفضيلة ولكن لديه المزيد من الحاجات المشروطة، فيكون أسعد من شخص لديه نفس الدرجة من الفضيلة ولكن بدون هذه الحاجات أو مع السيئات المشروطة المرتبطة، وكذلك الشخص الذي لديه درجة معينة من الرذيلة ولكن مع المزيد من الحاجات المشروطة، يكون أكثر بؤسًا من شخص لديه نفس الدرجة من الرذيلة ولكن بدون هذه الحاجات أو مع سوء المعاملة المشروطة.
والسبب في ذلك هو أنّ الحاجات المشروطة تمكن المرء من ممارسة شخصية المرء على نطاق أوسع، بينما تمنع السيئات المشروطة المرء من ممارسة شخصية المرء على نطاق واسع، وهكذا تسمح الخيرات المشروطة للشخص الفاضل بممارسة فضيلته على نطاق أوسع وللشخص الشرير بممارسة الرذيلة على نطاق أوسع، فهي تسمح للأشخاص الفاضلين والأشرار بأداء أعمال أكثر فضيلة وأكثر شراسة مما يجعلهم أكثر سعادة وبؤسًا على التوالي.
كما تمنع الأشرار المشروطة الأشخاص الفاضلين والأشرار من أداء الأفعال التي تعبر عن فضيلتهم أو رذيتهم بشكل كامل، مما يجعلهم أقل سعادة وأقل بؤسًا على التوالي، وقد يعتقد أفلاطون أنّ هذه الأنشطة تؤثر على سعادتنا أو بؤسنا بشكل مباشر، أو قد يعتقد أنّ تأثيرها على سعادتنا يتم توسطه بالكامل من خلال كيفية تشكيل شخصياتنا بشكل أكبر، ولم يلتزم أبدًا بطريقة أو بأخرى.
يعتقد أفلاطون أنّ أعلى فائدة بشرية هي المعرفة المنهجية للخير (الوحدة) جنبًا إلى جنب مع الفضائل المتطابقة مع تلك المعرفة أو التي تنطوي عليها، وبطبيعة الحال فهو يرفض المرشحين المتنافسين من أجل الخير الإنساني الأعلى مثل اللذة والحب والصداقة والإنجاز الفني، وفي كل حالة يقول كيف يرتبط هؤلاء المرشحون الآخرون المعقولون برأيه.