تشكل الميتافيزيقيا الإيلية التي يقبلها أناكساجوراس في العلم الذي يقترحه، كما يقدم أناكساجوراس نظرية علمية طموحة تحاول شرح طريقة عمل الكون، وذلك حتى مع قبول حظر الإيلية على الظهور والوفاة، وهدفه المعرفة العلمية أي الفهم بقدر ما هو ممكن للبشر.
مبدأ الخليط والدوران:
كانت الحالة الأصلية للكون عبارة عن خليط غير محدود (قرد) من جميع المكونات، ومزيج المكونات مع الكل موجود إلى الأبد، وحتى وقت ما في الماضي كان بلا حراك، وكان في كل مكان غير متمايز أو يكاد يكون كذلك، فكما يقول سيمبليسيوس فإنّ مصدر القطعة يكون بالقرب من بداية كتاب أناكساجوراس حيث لأنّ كل الأشياء كانت معًا لم يكن هناك شيء واضح بسبب الصغر.
تشمل هذه الكتلة غير المتمايزة كل ما هو موجود من جميع المكونات الطبيعية الموجودة، والمكونات التي ستشكل في النهاية التركيبات الطبيعية التي تشكل الكون كما نعرفه، ولا يتم إضافة أو طرح أي شيء من هذا المخزن للمواد على الرغم من أنّ كتلة المواد ليست دائمًا متجانسة، وفي الواقع هناك كثافات مختلفة من المكونات حتى في هذه المرحلة المبكرة (ما قبل الحركة).
يوضح أحد المقاطع أنّ الهواء (الأشياء المظلمة والرطبة) والأثير (الأشياء النارية الساطعة) هما أكثر المكونات ظهورًا (الأكبر)، وهيمنتهما تعني أنّ الخليط الأصلي يجب أن يكون مثل سحابة كثيفة لامعة، أي لا شيء آخر سيكون واضحًا وظاهرًا حتى لو كان هناك مراقب، وفي وقت ما (الوقت المناسب) يضبط المزيج على الحركة وجعله يبدأ بالدوران (أولاً في منطقة صغيرة ثم في منطقة تتسع باستمرار)، حيث تؤدي الحركة الدورانية إلى تحول مكونات الكتلة.
ينتج عن هذا التحول ما يسميه أناكساجوراس (الانفصال)، ونظرًا لأنّ الكتلة عبارة عن كتلة كاملة فإنّ أي فصل سيكون إعادة ترتيب (وبالتالي خلط) للمكونات، وينتج عن الدوران المستمر المتواصل مزيدًا من الانفصال، ويستمر مبدأ كل شيء في كل شيء في الصمود لذلك توجد جميع المكونات في جميع الأماكن في جميع الأوقات، لكن الكثافة المختلفة للمكونات تسمح بالتغيرات المحلية وبالتالي تصبح الكتلة الدوارة متمايزة نوعياً.
مبدأ المكونات والبذور:
لا يقدم أناكساجوراس في أي مكان في الأجزاء المتبقية قائمة كاملة بالمكونات الموجودة في الخليط، أو إشارة واضحة إلى نطاقها، لذا فإنّ الأمر متروك للمعلقين لمعرفة ما كان يقصده في ضوء الأدلة المتاحة، وهناك ثلاثة بدائل وهي:
1- أولاً رأى بعض العلماء أنّ أناكساجوراس حصر المكونات الأساسية في الأضداد مثل الساخن والبارد والرطب والجاف والحلو والمر والظلام والنور وما إلى ذلك، وإنّ الأضداد هي التي لها قوة تفسيرية في النظرية، وكل الأشياء والخصائص الأخرى قابلة للاختزال إلى الأضداد، ومن بين مؤيدي هذا الرأي هم:
أ- تينري 1886.
ب- بيرنت 1930.
جـ- كورنفورد 1930.
د- فلاستوس 1950.
هـ- سكوفيلد 1980 (مع تحفظات).
و- إنوود 1986.
ز- سبانو 1987–1988.
حـ- سيدلي 2007.
ط- مارمودورو 2015 و 2017.
من وجهة النظر هذه ستكون جميع المواد المادية وجميع الأشياء في الكون بنيات طبيعية.
2- على النقيض من ذلك يقبل الخيار الثاني أنّ كل شيء في العالم الطبيعي موجود فعليًا في الخليط الأصلي، وذلك في الأضداد، ولكن أيضًا المواد الطبيعية (النار والأرض والنحاس والحديد وما شابه) والحيوانات والنباتات (وأجزائها مثل كاللحم والدم والعظام) وهكذا، وهذا الرأي لا يميز بين المكونات وما يسمى بالبنى الطبيعية أعلاه، ويمكن العثور عليها في:
أ- سترانج 1963.
ب- ستوكس 1965.
جـ- غوثري 1965.
د- بارنز 1982.
هـ- فورث 1991.
و- جراهام 1994 و2004.
ز- لويس 2000.
3- أخيرًا هناك وجهة نظر وسطية ترفض تفسير الأضداد فقط، وتقبل أنّ بعض الأشياء (النباتات والحيوانات والأجسام السماوية) هي بنيات طبيعية، ويشمل المزيج الأصلي الأضداد ولكن أيضًا المواد الطبيعية مثل المعادن والأرض ومكونات الحيوانات مثل اللحم والدم والعظام، ولكن لا توجد أشياء مادية كاملة مثل النباتات والحيوانات نفسها أو أجزائها العضوية مثل الأرجل و قلوب.
لا يمكن أن تصمد وجهة نظر الأضداد فقط حيث تم تقديم الحجج ضدها في غوثري 1965 وجراهام 2004، وقد قدمت إحدى المقاطع بعض الأدلة على هذا الرأي: “اجتمع هنا الكثيف والرطب والبارد والظلام حيث توجد الأرض الآن، ولكن النادر والحار والجاف (والمشرق) انتقل إلى أقاصي الأثير”.
لكن قوائم أناكساجوراس تتضمن أكثر من الأضداد، وعلاوة على ذلك يبدو أنّ مبدأ السيادة يتطلب أكثر من الأضداد، لأنّه لا يبدو أنّه يقول أنّ كل شيء يمكن اختزاله إلى خصائص معاكسة سائدة، ولكن كل شيء يحصل على طابعه من مكونات مادية معينة تسود فيه، وتم العثور على مزيد من الأدلة ضد وجهة نظر الأضداد فقط في أرسطو، حيث يدعي أرسطو أنّ العناصر (الحقائق الأساسية) بالنسبة إلى أناكساجوراس هي ما يسميه أرسطو الأجزاء المتجانسة.
هذه (بالنسبة لأرسطو) أشياء متشابهة حرفيًا أي أنّها متجانسة على طول الطريق مثل قطعة من الذهب الخالص، وبدلاً من أن تكون مختلفة في أجزائها المختلفة (مثل اليد) وقوائم أرسطو لحم ودم وعظم ويضيف “والأجزاء الأخرى التي يُطلق عليها نفس الاسم ككل”، ومصطلح (homoiomeries) هو أرسطو وليس له دور يلعبه في أناكساجوراس، ولكن من الواضح أنّ المكونات في خليط أناكساجوراس بالنسبة لأرسطو ليست مجرد أضداد.
إذا كانت محاولة اختزال مكونات أناكساجوراس إلى أضداد غير ناجحة، كذلك فإنّ التفسير الذي يسمح كمكون بكل نوع من الأشياء في العالم الهائل، ونقطة ثانوية هي أنّ أناكساجوراس لا يعتقد بالتأكيد أنّ القطع الأثرية التي صنعها البشر هي جزء من الخليط، وهناك أيضًا قطع أثرية شبه طبيعية أخرى لا يبدو أنّها موجودة كالجبن والبرونز والويسكي على سبيل المثال، والأهم من ذلك فشل العرض في أحد المقاطع في التعامل بجدية مع استبدال القادم والوفاة بالخليط والانحلال.
علاوة على ذلك من غير الواضح كيف يمكن لوجهة النظر أن تميز بين الفرد وأجزائه أو مكوناته، هل هناك (homunculi) للأفراد في المزيج الأصلي؟ فإذا كان الأمر كذلك كيف يمكن للنظرية أن تشرح أنّ نمو الكائن الحي ليس مجرد تضخيمه (عن طريق إضافة مكونات) ولكن أيضًا تطوره؟ فقد تنمو أوراق النبات بشكل أكبر لكن بذورها تتطور، وليست مجرد توسيع لهيكل كان موجودًا بالفعل في نبات الشتلات.
في أحد المقاطع يشير أناكساجوراس إلى الحيوانات والبشر الذين تضاعفوا بقدر ما لديهم روح، وهذا يشير إلى أنّ نموذج في مثل هذه المقاطع الضمني للكائنات الحية مثل البنى الطبيعية المختلطة معًا من المكونات الحقيقية حقًا يجب أن يؤخذ على محمل الجد.
يبدو إذن من الأفضل تفسير أناكساجوراس على أنّه يدّعي أنّ جميع المكونات المادية للكائنات الحية الطبيعية والأجسام السماوية موجودة في المزيج الأصلي، ولكن هذه الأشياء نفسها ليست من بين المكونات ولكنها تركيبات طبيعية التي تنتجها العمليات من الخليط والانفصال الذي نسميه التغذية والنمو، أو من خلال دوران السماوات وما يصاحبها من تكتل معًا وتفكك مكونات النجوم والسحب والمذنبات والكواكب وما إلى ذلك.
مشكلة أي حساب للخليط الأصلي هي إشارة أناكساجوراس للبذور، حيث تظهر كلمة البذور (spermata) مرتين في الأجزاء، في قوائم المكونات، ولكن أناكساجوراس لا يشرح أو يوضح ما تعنيه في أي مكان، وهناك عدد من الخيارات وهي:
1- لقد تم اعتبار البذور أصغر أجزاء ممكنة من المكونات، ولكن كما ذكرنا أعلاه لا توجد أجزاء صغيرة في نظام أناكساجوراس.
2- أو أنّ تكون مكونات صغيرة للغاية تشبه الهومينات التي تأخذها بعض التفسيرات أن تكون أصول أناكساجوراس للكائنات الحية التي تتوسع بعد ذلك بإضافة مكونات أخرى.
يدافع فورلي 1976 و2002 عن أبسط تفسير وهو أنّ أناكساجوراس يعني ببساطة البذور البيولوجية، ولكن ليس (homunculi)، ويبدو أنّ هذا هو أفضل اقتراح، حيث عندئذ تكون البذرة نقطة أصل بيولوجية، وربما تكون الطريق الذي من خلاله يدخل العقل فهو الذي يتحكم في كل الأشياء التي لها روح أي أي شيء حي إلى كائن حي، وإذا تم خلط البذرة بالمكونات الصحيحة في الظروف المناسبة سينمو كائن حي.